في ظل الحراك الشعبي والسياسي المتصاعد لتحويل الزبير إلى محافظة مستقلة، تعود الأنظار إلى تاريخ هذه المدينة العريقة التي جمعت بين النسيج النجدي الأصيل والجذور العراقية الجنوبية، الزبير لم تكن مجرد نقطة عبور تاريخية، بل شكلت عبر قرون مركزاً دينياً وتجارياً وعلمياً، انعكست فيه تحولات الهوية الاجتماعية والسياسية للعراق الحديث، ومن رحم هذه التحولات، تتهيأ الزبير اليوم لكتابة فصل جديد من تاريخها، لكن هناك العديد من المراقبين يتحدثون عن "مخاطر" للأمر، تتعلق بأمور سياسية واقتصادية وإدارية.
ونشأت الزبير عام 979هـ (1571م) حول قبر نُسب للصحابي الزبير بن العوام، مما شكّل نقطة جذب اجتماعي وديني تحولت لاحقاً إلى مجتمع متماسك، وفق الكاتب والباحث سعد الشريف.
ويقول الشريف لـ"الجبال"، "كانت موجات الهجرة من نجد في أوائل القرن الحادي عشر الهجري العامل الرئيس في تأسيس النواة السكانية الأولى، إذ أسس النجديون محلاتهم وأسوارهم، محتفظين بطابعهم العمراني والاجتماعي ومع مرور الوقت، تحولت الزبير إلى مركز علمي وديني بارز، تميز بمدارسه وجوامعه التي احتضنت آلاف الطلاب".
وأضاف: "ورغم التغيرات السياسية التي مرت بها المدينة، من العهد العثماني إلى الاحتلال البريطاني، ظل المجتمع الزبيري متمسكاً بهويته حتى منتصف القرن العشرين، حين بدأت التحولات الديموغرافية مع تصاعد الهجرات من الجنوب العراقي".
وبيَّن: "اليوم، ومع امتلاكها موارد اقتصادية ضخمة أبرزها النفط والموانئ، تبدو الزبير مهيئة لكتابة فصل جديد من تاريخها، مستندة إلى إرثها الطويل في مواجهة التحديات، وسعيها للارتقاء إلى مصاف المحافظات العراقية الكبرى".
"مشروع يحمل الكثير من المخاطر"
اقتصادياً، يؤكد الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، في حديثه لمنصة "الجبال"، أن "مشروع تحويل قضاء الزبير إلى محافظة يحمل الكثير من المخاطر الاقتصادية والإدارية، مشيرًا إلى أن الزبير تُعد "قلب البصرة النابض ورئتها الاقتصادية"، وأن أي محاولة لفصلها عن البصرة يشبه "بتر القلب عن الجسد"، ما لا يصب في مصلحة أي من الطرفين.
وأوضح المرسومي أن "البصرة الحقيقية تتمثل في الزبير والمدينة وشط العرب"، معتبراً أن "مشاريع إنشاء محافظات جديدة مثل الزبير أو تلعفر أو الحلبجة تحمل طابعاً عبثياً، ولا تستند إلى دراسة دقيقة".
وأضاف أن "الحديث عن تحسن حال الزبير بعد تحويلها إلى محافظة أمر مبالغ فيه، نظراً لما يتطلبه ذلك من تكاليف اقتصادية هائلة، تشمل إنشاء هياكل إدارية وأمنية جديدة، وزيادة المصاريف التشغيلية والاستثمارية، إلى جانب احتمال نشوء مشكلات حدودية مع المحافظات المجاورة".
ولفت إلى أن "الزبير تمتلك ثروات نفطية وموانئ وزراعات كبرى، لكنها في الوقت نفسه منطقة حيوية ترتبط بمصالح اقتصادية كبرى، وأن فصلها قد يؤدي إلى إرباك إداري واستثماري"، مضيفاً أن "وجود مقاومات اقتصادية لقضاء معين لا يعني بالضرورة استحقاقه للتحول إلى محافظة مستقلة"، مبيناً أن "الاتجاه العالمي اليوم هو نحو التكتلات الاقتصادية الكبرى، وليس نحو التقسيمات الإدارية الصغيرة".
وانتقد المرسومي توقيت طرح هذه المشاريع، معتبراً أن "الحديث عنها في سنة انتخابية يحمل أبعاداً سياسية تهدف إلى دغدغة مشاعر المواطنين، بعيداً عن حسابات المصلحة العامة".
وختم المرسومي بالقول إن "هذا المشروع خطير ومن المستبعد أن يحظى بموافقة مجلس الوزراء أو مجلس النواب، خاصة مع مؤشرات الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها العراق حالياً، ومع احتمالات تغيير الحكومة بعد الانتخابات القادمة".
"مخاوف من صراعات داخلية"
وتناول الكاتب والباحث عادل علي عبيد قرار تحويل الزبير إلى محافظة، مشيراً إلى أن "هذا القرار يحمل في طياته أبعاداً متعددة، تبدأ من التحديات الاجتماعية والتاريخية وصولًا إلى الاعتبارات الاقتصادية والسياسية".
وقال عبيد إن "الزبير، تاريخياً، كانت بمثابة نقطة التقاء للعديد من الهويات الاجتماعية والثقافية، حيث شكلت مزيجاً فريداً من سكانها الأصليين والوافدين من مختلف المناطق، مما أوجد نسيجاً اجتماعياً معقداً يغلب عليه الطابع النجدي الممزوج بتقاليد الجنوب العراقي".
وتحدث عبيد عن "قلقه من تأثير هذا القرار على النسيج المجتمعي المحلي"، محذراً من أن "الانفصال الإداري قد يؤدي إلى صراعات داخلية قد تكون غير متوقعة، نتيجة اختلافات في الانتماءات الاجتماعية والاقتصادية".
وفيما يخص الجانب الاقتصادي، مبيناً أن "الزبير تمتلك مقومات قوية، خاصة في قطاع النفط والموانئ، إلا أن فصلها عن البصرة قد يتسبب في تقليص فرص التعاون التنموي والاقتصادي المشترك بين المدينة وأجزاء أخرى من المحافظة".
وأكد عبيد في ختام حديثه أن "تحويل الزبير إلى محافظة يجب أن يكون مدروساً بعناية فائقة، مع الأخذ في الاعتبار جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي قد تؤثر في استقرار المدينة ورفاهيتها".
إمكانيات ومقومات تاريخية
ورأى أمام جامع في الزبير وأحد وجهاء القضاء الشيخ سالم الشمري أن "النسيج المجتمعي في الزبير كان دوماً مصدر قوتها، حيث أُسست المدينة على قيم التعاون والترابط بين العائلات المختلفة إلا أن التحول إلى محافظة سيمكن المدينة من تطوير بنيتها الإدارية والاقتصادية، مما سيساعد على حل المشكلات التنموية ويعزز من قوة المدينة وسط تحديات العصر الحديث".
وأكد لـ"الجبال" أن "الزبير تستحق أن تكون محافظة مستقلة، لما تملكه من إمكانيات ومقومات تاريخية، اجتماعية، واقتصادية تجعلها قادرة على رسم مستقبلها بيد أبنائها بكثافتها السكانية وتنوعها الثقافي، تستحق أن تدار وفقًا لاحتياجاتها الخاصة، بما يتماشى مع تاريخها العريق ومعاصرتها لعصر يعج بالفرص والتحديات على حد سواء".