أكد وزير الخارجية العراقي الأسبق وعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني، هوشيار زيباري، أنه يمكن للعراق مساعدة السوريين في عدّة طرق، مشدّداً على أنه "لا يمكن استنساخ تجربة إقليم كوردستان وتطبيقها على شمال شرق سوريا"، وأن الواقعية في التعامل بين الأطراف "مهمّة".
جاء ذلك خلال مشاركة زيباري، في إحدى جلسات "ملتقى السليمانية 9"، اليوم الخميس 17 نيسان 2025، حول التحولات الطارئة على شمال شرق سوريا وانعكاساتها على مستقبل القضية الكوردية والمنطقة.
قال زيباري إن "الاتفاق الذي وقع بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، حدث بدعم منا ومن أصدقائنا وحلفائنا في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وكان خطوة مهمة جداً في سبيل أن يكون لأكراد سوريا دور في رسم مستقبل سوريا، وهذا كانت مجرد بداية"، مشيراً إلى أن "سوريا تعرضت في 8 كانون الأول 2024 إلى زلزال لم يهز البلد وحدها بل كامل المنطقة، وجميع الدول المحيطة بسوريا ستتأثر بشكل أو بآخر بهذا التحوّل الكبير الذي لم يخطر لأحد".
وأضاف: "نحن أمام مرحلة مفصلية في تحديد سوريا الجديدة، وكيف ستكون بعد عقود من القمع والتدخل الخارجي. ونعتقد أن الخطوات التي تقوم بها السلطات السورية الجديدة التي نراها ليست مكتملة بعد وتحتاج إلى الشمولية والانفتاح أكثر، لكن هذه فقط البداية".
وفي مقاربة بين التجربة العراقية والأوضاع في سوريا الجديدة، أكد زيباري أنه "نحن نستطيع أن نساعد أخوانا السوريين في العديد من الطرق، من خلال تجربتنا الحديثة وما مررنا به من عملية انتقال سياسي للسلطة، وكيفية تحديد مطالبنا ضمن العراق الاتحادي الديمقراطي الموحد. كذلك إن القوى السياسية النشطة في سوريا من قسد إلى حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) والقوى الكوردية الأخرى إن النقطة الأساسية التي نحاول أن نتواصل بشأنها معهم هو توحيد الموقف الكوردي، هذه نقطة البداية، كما عملنا نحن في إقليم كوردستان رغم النزاعات بيننا قمنا بعد التغيير بتوحيد صفنا والذهاب إلى بغداد وعملنا كفريق واحد مع جميع القوى الوطنية العراقية والدولية التي كانت فاعلة ومؤثرة في هذا الموضوع".
وأردف "نحن نؤيد جميع مطالبهم، ونحن امتداد استراتيجي لهم، وقفنا معهم وسنواصل ذلك. يجب أن تكون مطالبهم واقعية وضمن وحدة التراب الوطني السوري لضمان حقوقهم الثقافية واللغوية والاقتصادية"، مضيفاً: "لن نملي عليهم في الإدارة الذاتية صيغة أو وصفة جاهزة، هم يقررون ما هو الأفضل لهم. لكن أحياناً من الصعب استنساخ تجربة إقليم كوردستان وتطبيقها مباشرة على روجآفا (شمال شرق سوريا)، ما حققناه كان نتيجة لصيرورة تاريخية مررنا بها في العراق عبر التاريخ".
ذكر زيباري أن "قضية الكورد لها جذور في سوريا، وللكورد نضالات في هذا البلد، إلا أن الواقعية في التعامل مهمة جداً، وهم أمامهم فرصة أساسية ليكونوا جزءاً من تقرير مستقبل سوريا، لأن النظام السياسي في سوريا رغم خطواته ورغم الدعم الدولي المقدم له لكنه لم يستقر بعد، فهناك بعض المخاوف والشكوك، هم قوى ديمقراطية ومدنية يؤمنون بكل القيم المتبناة في المجتمع الدولي والمجتمع العربي، لذلك يجب ان ينتبهوا لأن لا ينجرّوا إلى مجازفات معينة، وأن يقوموا بتعامل إيجابي للوصول إلى صيغة تحفظ حقوق الجميع".
واتفقت القوى الكوردية في سوريا مؤخراً على رؤية سياسية شاملة تضمن نظاماً اتحادياً (فدرالي) تعددياً وديمقراطياً في سوريا الجديدة، وبهذا الخصوص أوضح وزير الخارجية العراقي الأسبق أن "هناك فهماً خاطئاً لمفهوم الفدرالية أو الدولة الاتحادية، الفدرالية هي نظام الدولة الواحدة وليس دولتين، وهناك العديد من التجارب الناجحة حول العالم لدول تتبع النظام الفدرالي"، مستدركاً بأن "التفاعل الذي شهدناه نحن كقوى كوردية مع باقي القوى العراقية عبر التاريخ يفتقده الاخوة الكورد في سوريا، في النظرة الشمولية والقومية المتأصلة لدى كل الفئات هناك بحيث أي تنازل لحقوق الكورد يعتبرونه خطاً احمر، فهذه الحساسية لم تكن موجودة عندنا عبر المراحل التي مررنا بها. واعتقد أن الاعتراف بالكورد ووجود المجتمع الكوردي الذي حدث لأول مرة وذكر بالاتفاق المبرم بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع هو مكسب"، مبيناً أن "القيادة السياسية في سوريا أيضاً تعي تعقيدات الوضع السوري، ونحن نعيش في قرية كونية فيها مصالح. وبالنسبة لوضع الكورد في سوريا وروجآفا لتركيا دور في تحديده، لذا فإن ممة الإخوة الكورد في سوريا ليست سهلة وسوف نساعدهم، والمحك في مستقبل سوريا هو الدستور".
وفيما يتعلق بالعالم الدولي وتأثيره على واقع سوريا الجديد، خصوصاً تركيا وإيران اللتان تعارضان اتباع نظام فدرالي في سوريا، قال زيباري: "في تجربتان عندما عقدنا أول انتخابات عام 1992 كانت صدمة بالنسبة لدول المنطقة، وحدث تحالف رباعي سوري تركي عراقي إيراني لخنق هذه التجربة، باعتبار ذلك تهديداً لأمنهم القومي ومصالحهم، لكن من خلال تجربتان وبناء مؤسساتنا ما حققناه منذ عام 1991 حتى الآن هو أطول فترة حكم كوردي لنفسه بنفسه في تاريخ الكورد، وقمنا عند توقيع اتفاقية واشنطن بإدخال النموذج الفيدرالي، لكن خلال ممارستنا العملية أرسلنا التطمينات لغيران وتركيا وسوريا بأننا سوف لن نتدخل بشؤونهم ولن نشكل تهديداً عليهم وسنحمي مصالحهم. والآن أيضاً لدينا علاقات وطيدة ومصالح مشتركة مع تركيا وإيران، وأمضينا عقداً اجتماعياً جديداً مع العراق. لذلك فإن اتباع النظام الفدرالي او اي تركيبة يختارها الشعب لن يشكل تهديداً على تلك الدول، وهو حق طبيعي للسوريين"، وإن "مشروع كوردستان الكبرى هو حلم في قلب كل كوردي، ولا نخجل بالبوح بذلك، لكن عملياً هو موضوع مختلف".
وعن تأثير الانسحاب الأميركي على سوريا، خصوصاً في ظل الخوف من الصراع التركي الإسرائيلي على أراضي سوريا، قال زيباري إن "هذا الخوف موجود دائماً لأن هذا التواجد كان محكوماً بمحاربة تنظيم داعش سواء في سوريا أو العراق، وداعش لا تزال موجودة وقائمة بشكل أو بآخر. داعش لما أتت جاءت إلينا من سوريا عام 2014 بسبب غياب السلطة عن جميع المناطق السورية، وجاء التحالف الدولي بطلب منا، لذلك إن الدور الذي لعبته قوات التحالف كان محورياً في هزيمة التنظيم"، لافتاً: "في تقديري احتمال تقليص القوات الأميركية الموجودة في المنطقة وارد وموجود، لكن الانسحاب الكامل صعب جداً بسبب التطورات الزلزالية التي حدثت بالمنطقة".