نشرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، الاثنين 14 نيسان 2025، تقريراً بعنوان "التوجه نحو الرعاية والحماية"، وصف الفصائل المسلحة العاملة تحت مظلة الحشد الشعبي العراقي، أو قوات الحشد الشعبي، بأنها أدوات لتعزيز نفوذ الإسلاميين الشيعة، ومحاربة الجهاديين السنة، ومعارضة المصالح الإقليمية الأميركية والإسرائيلية، وتعزيز أجندات إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط. زقالت المؤسسة في تقرير ترجمته "الجبال"، إن التهديدات الإسرائيلية قللت من تنسيق الفصائل العراقية مع لبنان واليمن،مبينة أن السوداني سعى إلى الإبقاء على الفياض رئيساً للحشد الشعبي إلى أجل غير مسمى.
وذكر التقرير، أنه " بصفتها ركيزة أساسية لما يسمى بمحور المقاومة، نسقت قوات الحشد الشعبي عملياتها بشكل وثيق مع الجماعات المدعومة من إيران في لبنان واليمن، وحتى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. داخل العراق، أعاقت المبادرات العراقية لتطبيع أو تعزيز العلاقات مع الدول الغربية ودول الخليج العربية أو إبعاد العراق عن النفوذ الإيراني. وقد تجلى ذلك في هجمات قوات الحشد الشعبي المتكررة على المنشآت أو القوات الدبلوماسية الأميركية، فضلاً عن عرقلتها للاستثمارات الخليجية في وسط وجنوب العراق. في الواقع، من خلال استغلال الوضع القانوني للحشد الشعبي كمؤسسة حكومية عراقية رسمية - حيث تدفع الدولة رواتبها وميزانيتها - أنشأت فصائله قوة سياسية عسكرية تعارض أي تطورات عراقية تُعتبر ضارة بمصالح إيران.
ومع ذلك، فإن الضغط الأميركي والإسرائيلي المتزايد، إلى جانب التهديدات الصريحة، الإسرائيلية في الغالب، بالعمل العسكري ضد تلك الفصائل العراقية، قد قلل من تنسيقها مع الجماعات الأخرى المدعومة من إيران مثل حزب الله في لبنان أو أنصار الله في اليمن. توقفت جميع العمليات العسكرية للحشد الشعبي بعد أن قدمت إسرائيل طلباً رسمياً إلى الأمم المتحدة لزيادة الضغط الدولي على العراق لوقف الهجمات التي تُشن من أراضيها. حتى التصريحات العلنية اليومية لقادة الميليشيات، والتي كانت شائعة في السنوات السابقة، توقفت. وقد تجلى هذا بشكل خاص بعد إعادة الرئيس دونالد ترامب فرض حملة "الضغط الأقصى" على إيران. وهذا يستلزم فرض عقوبات على الكيانات التي تساعد في تهريب النفط الإيراني أو تدعم الجهات التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، مع التركيز بشكل خاص على عرقلة الجهود الإيرانية للالتفاف على العقوبات من خلال النظام المالي العراقي. لقد أثرت التوجيهات الرئاسية لترامب، المصحوبة برسائل خاصة سلمها كبار المسؤولين الأميركيين إلى رئيس الوزراء العراقي، على الحضور العام لقوات الحشد الشعبي.
وفي مواجهة تهديدات عسكرية واقتصادية متصاعدة تؤثر على بقائها، ومتأثرةً بالهزيمة العسكرية لحزب الله والاضطرابات في نظام الأسد، تُغيّر الفصائل المسلحة التابعة للحشد الشعبي سلوكها، فقد تحوّل هدفها الرئيسي نحو الحفاظ على وجود الحشد الشعبي وتجنب حلّه ودمج قواته قسراً في الجيش العراقي. عملياً، لم يقتصر هذا على وقف هجماتها العسكرية ضد أهداف أميركية أو إسرائيلية فحسب، بل شمل أيضاً تخفيف حدة خطابها المناهض لأميركا والتخلي تدريجياً عن مبدأ وحدة الساحات الذي يتبناه محور المقاومة.
ومن الجدير بالذكر أن الموارد المتاحة من خلال الحشد الشعبي تتجاوز بكثير تلك التي توفرها إيران. فقد بلغت ميزانية الحشد الشعبي في عام 2024 وحده حوالي 3.4 مليار دولار، متجاوزةً إجمالي إيرادات الدولة في لبنان (3.3 مليار دولار، وفقًا لميزانية 2024) واليمن (2.2 مليار دولار، بناءً على أحدث ميزانية منشورة لليمن). بخلاف المؤسسات الحكومية العراقية الأخرى، تفتقر ميزانية الحشد الشعبي إلى التدقيق والرقابة الفعّالتين. علاوة على ذلك، لا تملك الحكومة العراقية سجلات دقيقة وقابلة للتحقق عن أفراد الحشد الشعبي، بل تكتفي بإدراج حوالي 238 ألف منصب على الورق. وقد سمح هذا الغياب للمساءلة المالية للفصائل المسلحة التابعة للحشد الشعبي بتقاسم الموارد وإنشاء شبكات محسوبية واسعة النطاق، أثرت بشكل كبير على نتائج الانتخابات وساعدت في الحفاظ على نفوذها السياسي. وهذه جائزة كبيرة يصعب التخلي عنها، خاصة إذا كان شن هجمات ضد القوات الأميركية وإسرائيل سيؤدي إلى مواجهة من المرجح أن تخسرها الحشد الشعبي، بالنظر إلى ما حدث لحزب الله والضعف الواضح للموقف الإيراني.
لذلك، فإن بقاء الحشد الشعبي بعيداً عن الأضواء دون التنازل عن قدراته المالية والعسكرية قد يمثل استراتيجية فعّالة للحفاظ على الذات. وهذا يتماشى مع ما أسماه محور المقاومة "الصبر الاستراتيجي"، القائم على توقع انشغال الولايات المتحدة بأزمات أخرى، أو إدراك أن ولاية إدارة ترامب ستنتهي في نهاية المطاف.
مع تراجع الدور الإقليمي الخارجي لفصائل الحشد الشعبي، طفت على السطح خلافاتها الداخلية حول توزيع الموارد والقيادة. جرت العادة أن تتولى إيران إدارة أو التوسط في مثل هذه النزاعات. إلا أن قدرتها على القيام بذلك قد تآكلت اليوم بسبب تراجع نفوذها الإقليمي، وكذلك بسبب طبيعة المصالح الفصائلية المتنامية داخل العراق. فعلى سبيل المثال، أيدت عصائب أهل الحق، بقيادة قيس الخزعلي، مؤخراً تشريعاً ينظم شروط خدمة الحشد الشعبي وشروط تقاعده. سعى هذا التشريع في المقام الأول إلى إقالة رئيس الحشد الشعبي، فالح الفياض، من خلال الدفع نحو تقاعده، إلى جانب تقاعد ما يقرب من 400 من قادة الحشد الشعبي، مما يُسهّل إعادة توزيع السلطة داخل المنظمة.
مع ذلك، نجح الفياض في عرقلة المقترح، من خلال اتفاقٍ، بحسب ما ورد، انحاز بموجبه سياسياً إلى الائتلاف الانتخابي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني. ونتيجةً لذلك، صاغ مكتب رئيس الوزراء مشروع قانون بديل، يقترح منح رئيس هيئة الحشد الشعبي رتبة وزير، وثلاثة مناصب نواب وزير لمسؤولي الهيئة، وهي مناصب ذات صلاحيات واسعة. في المقابل، لا تُخصص مناصب نواب وزير لأجهزة أمنية عراقية أخرى، مثل قوات مكافحة الإرهاب أو جهاز الأمن الوطني، حيث يقتصر تكليف كبار المسؤولين فيها بمناصب المديرين العامين.
وفر التشريع الذي اقترحه رئيس الوزراء للفياض دعماً سياسياً، ولكنه كان أيضاً بمثابة إجراءٍ متوازن. فبترقية الفياض إلى رتبة وزير، أعفاه من التقاعد الإلزامي. علاوةً على ذلك، منح التشريع الجديد الفصائل المعارضة للفياض فرصةً لتقاسم السيطرة القانونية على هيئة الحشد الشعبي من خلال شغل مناصب نواب الوزير الثلاثة المُنشأة حديثاً، مما أتاح لها حريةً أكبر لتقاسم النفوذ معه. بهذه الطريقة، سعى السوداني إلى الإبقاء على فياض - حليفه الانتخابي الرئيسي - رئيساً للحشد الشعبي إلى أجل غير مسمى، مع منحه في الوقت نفسه مناصب مؤثرة لمنافسيه السياسيين، بهدف استرضائهم. وقد ضمنت هذه الخطوات قبولاً برلمانياً واسعاً لتشريعاته.
تاريخياً، بررت الميليشيات الإسلامية الشيعية العراقية وجودها بالتمسك الأيديولوجي بمفهوم ولاية الفقيه. هذا المفهوم، الذي أحياه آية الله روح الله الخميني في إيران ويجسده اليوم آية الله علي خامنئي، يمنح فعلياً سلطة سياسية عليا لرجل دين كبير، أو فقيه، جامعاً بذلك السلطة السياسية والدينية العليا في شخص واحد. ومن خلال هذا التفسير، رسخت الفصائل العراقية نفسها في المشروع الثوري الإيراني، وغذّت العداء للغرب.
ومع ذلك، بدأت هذه الفصائل مؤخراً باستبدال خطاب محور المقاومة بخطاب يتمحور حول صعود أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقاً من هيئة تحرير الشام) إلى السلطة في سوريا. وقد وفّر المشهد السياسي السوري المتغير لهذه الفصائل بديلاً أيديولوجياً مناسباً للنأي بنفسها عن طموحات إيران الإقليمية.