عشرات المصارف وخطوات تشجيعية للدفع الإلكتروني.. لماذا لا يتخلى العراقيون عن "الكاش"؟

7 قراءة دقيقة
عشرات المصارف وخطوات تشجيعية للدفع الإلكتروني.. لماذا لا يتخلى العراقيون عن "الكاش"؟

نصف البالغين بات لديهم حسابات بالمصارف و20 مليون بطاقة دفع الكتروني

يلجأ معظم العراقيين إلى اكتناز الأموال في المنازل بدلاً من وضعها في المصارف، فيما يرجح أن السبب يعود إلى فقدان ثقة المواطنين بالقطاع المصرفي، على الرغم زيادة عدد أجهزة الدفع الإلكتروني في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لـ"تعزيز ثقافة الدفع والتحصيل الإلكتروني، والتقليل من استخدام النقود الورقية في الجباية والتعاملات التجارية"، إذ ساهم القرار في انتشار نطاق الخدمات والتعاملات المالية الرقمية.

 

ويملك العراق أكثر من 70 مصرفاً بين مصارف حكومية وأهلية، وما زالت نسبة الشمول المالي متدنية مقارنة مع الدول المجاورة مع اكتناز الأموال في المنازل.

 

تفضيل اكتناز المال بعيداً عن المصارف

 

وفي هذا السياق، يشير المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، إلى أن العراق لم يرث نظاماً مصرفياً يتمتع بـ"العمق المالي" الكافي والذي يوضح دور الجهاز المصرفي في الرفاهية والازدهار، وذلك من خلال إشاعة الخدمات المصرفية، وهي ظاهرة يؤشرها واحدة من أبسط المؤشرات، وهي  (الكثافة المصرفية)، وهي نسبة مهمة توضح حصة السكان من خدمات الفروع المصرفي على وفق النسب المعيارية العالمية في الكثافة المصرفية المثلى التي ترى في تمتع المجتمع بالخدمات المصرفية المثالية، هو أن يتوفر  فرع مصرف واحد لكل عشرة آلاف نسمة أو أقل.

 

وأكمل حديثه لـ"الجبال": "على الرغم من وجود ٧٠ مصرفاً بين مصارف حكومية أو مصارف أهلية وهو عدد هائل من المصارف، إلا أن الكثافة المصرفية تبلغ ٤٠ ألف نسمة لكل فرع مصرفي وترتفع في بعض المحافظات الفقيرة لتبلغ  ٢٠٠ ألف نسمة لكل فرع مصرفي".

 

ورأى المستشار المالي، مؤشر الكثافة المصرفية المنخفض يكشف سيادة  العادات والتقاليد الاجتماعية التي تمارس سلوكاً نقدياً يتمثل بتفضيل المكتنزات النقدية السائلة خارج الجهاز المصرفي، وهو ما يطلق عليه (بالاكتناز النقدي السائل)، إذ أن عائد الاكتناز النقدي، هو صفر بالمئة وذلك تجنباً للمخاطر بشتى أشكالها بسبب اغتراب الأفراد عن الحياة المصرفية من دون معرفة أهمية عائد الوديعة المصرفية ولاسيما الادخارية منها كبديل للاكتناز".

وفسر مظهر ظاهرة عزوف التعاطي مع الجهاز المصرفي تأتي جراء ضعف الثقافة المصرفية، فضلاً عن ارتفاع  مستويات اللايقين في التعاطي مع الوحدات المصرفية بسب تراجع الثقة بالمؤسسات المصرفية بصورة عامة، وهو ما يؤثر على قضية (العمق النقدي) والاستقرار النقدي للبلاد.

 

 

ضعف خدمات البنوك

وزاد أنّ "ظاهرة (التسربات النقدية خارج الجهاز المصرفي) تشكل واحدة من أكبر عوائق السيطرة على مناسيب السيولة في بلادنا، إذ ان 80% أو أكثر من مقادير الإصدار النقدي التي تلامس اليوم اكثر من 100 تريليون دينار ما زالت تقبع في معاقلها خارج النظام المصرفي وهو ما يضعف (العمق النقدي)".

أما الجانب الآخر في تراجع (العمق المالي)، بحسب صالح، فيتمثل بتراجع الكثافة المصرفية لكل ألف من السكان، إذ يعكس ذلك بجوهره مسألتان مؤسسيتان: "أحدهما قلة الأدوات المصرفية التي تشكل جوهر العمل المصرفي وهي لا تتعدى ثمانية إلى عشرة خدمات في حين أن الأعراف المصرفية الدولية التي توفر العمق المالي تقتضي توافر 45 خدمة مصرفية كحد أدنى، والمسألة الأخرى هي في انخفاض نسبة الائتمان المصرفي والقروض الممنوحة إلى الجمهور إلى الناتج المحلي الإجمالي وهي لا  تتعدى  اليوم 11% في حين ترتفع في بلدان الأسواق الناشئة تصل إلى 75% أو أكثر". 

 

ونوه المستشار المالي، إلى فلسفة الشمول المالي، إذ "ستبقى ترتبط جوهرياً بالخدمات المصرفية أو طبيعة العمق المالي، والتي في جوهرها تقديم الخدمات المصرفية لأكثر الشرائح الاجتماعية هشاشة، مشدداً على "ضرورة مضاعفة الفروع المصرفية للمصرف الواحد وليس مضاعفة عدد المصارف بفروع قليلة".

 

وتابع فإنّ النهضة الأخيرة في إحلال أنظمة المدفوعات والجباية الالكترونية ضمن المنهاج الحكومي قد "زادت من عدد الحسابات المصرفية  إلى حوالي 16 مليون حساب بعد أن كانت أقل من 14 مليون حساب خلال عام واحد، ما يعني أن نصف البالغين أصبح لديهم حساب مصرفي، فضلاً عن "حيازة الجمهور على 20 مليون بطاقة دفع الكتروني دائنة ومدينة والدفع المسبق، وهو تحول جوهري في ارتفاع العمق المالي الرقمي وبطفرة إيجابية تجاوزت جانباً من حالة الاختلال الهيكلي في النظام المصرفي العراقي، منوهاً إلى أن "سياسة الإصلاح الاقتصادي لحكومة السوداني قد وضعت في الاعتبار مسألة تطوير النظام المصرفي كأولوية في برنامجها الإصلاحي وفي مقدمة ذلك إصلاح الجهاز المصرفي الحكومي الذي ما زال يهيمن على أكثر من 85% من العمليات المصرفية في بلادنا".

 

ضعف الوعي المالي

 

في حين، رأى الباحث الاقتصادي، بسام رعد، أنّ "الجهاز المصرفي يمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني حيث تلعب المصارف دوراً حيوياً في تعبئة المدخرات المحلية من جانب وإتاحة التمويل للمشروعات الاقتصادية التي تهدف لتعجيل التنمية الاقتصادية وتوفير الوظائف للباحثين عنها من جانب آخر".

وقال رعد لـ "الجبال": "تشير الإحصاءات إلى نمو العملة خارج المصارف وذلك بسبب ضعف الوعي المالي واحتفاظ الأفراد بالنقد لأغراض المعاملات المالية والتجارية"، مبيناً أن "التحوط نتيجة طبيعة التعاملات المالية للأفراد التي تميل إلى استخدام النقد (الكاش) بالإضافة إلى ضعف الثقة بالنظام المصرفي". 

وهذا الأمر يراه رعد بأنه "يتطلب بذل المزيد من الجهد من قبل المصارف من أجل جذب الودائع من خلال زيادة ثقة المتعاملين مع الجهاز المصرفي، وتعزيز نسب الشمول المالي والتوسع في استخدام أدوات الدفع الإلكتروني".

 

تجنب سرقة الأموال

ورغم ذلك ما تزال فكرة الاحتفاظ بالأموال في المصارف بدلاً عن المنازل، تلقى قبولاً عند بعض العراقيين لتجنب السرقات على الأقل.

ويقول المواطن "أبو أحمد"، بأنه "وضع مبلغاً كبيراً من المال في أحد المصارف بعد أن وضعها في منزله لمدة 5 سنوات".

 

وكشف لـ"الجبال"، أنّ "وضع المبلغ في المصرف أفضل الحلول حيث يؤمن لك من السرقة أو الإتلاف أو الحرق كما يعطي لك نسبة من الفوائد".

 

"أبو أحمد" ذكر أنّ "وضع المبلغ شجعه على فتح حسابات مصرفية أخرى لأفراد عائلته، لاسيما أن العراق مقبل على توسيع وسائل الدفع الإلكتروني وتقليل التداول بـ"الكاش"، وهو ما يعزز الثقافة المصرفية لدى أغلبية المواطنين.

 

يذكر أن عدد الحسابات المصرفية وصلت إلى أكثر من 13.28 مليون حساب مصرفي فعال في العراق، حتى نهاية 2023، بنسبة نمو وصلت إلى 51 في المئة مقارنة مع 2022 إذ كانت أكثر من 8.79 مليون حساب، بينما بلغ عدد البطاقات المصرفية خلال 2023، 19.75 مليون بطاقة، بنسبة نمو 22 في المئة عن 2022 التي بلغت 16.2 مليون بطاقة.

جبار الحاج

نُشرت في الاثنين 19 أغسطس 2024 07:45 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

المزيد من المنشورات

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.