"نموت ببطء".. سموم النفط والصناعة تخنق البصرة 

6 قراءة دقيقة
"نموت ببطء".. سموم النفط والصناعة تخنق البصرة  تصاعد الدخان من حقل نفطي بإحدى مناطق البصرة

إحصائيات جديدة

في مدينة تُعدّ شريان الاقتصاد العراقي وأكبر مصدر للنفط، تتحول الحياة يوماً بعد آخر إلى صراع من أجل البقاء. البصرة، بثرواتها الطبيعية الهائلة، تواجه أزمة بيئية خانقة بسبب التلوث الصناعي المتصاعد، الذي خلّف وراءه مئات الإصابات بالأمراض التنفسية والسرطانية، وسط غياب المعالجات الجذرية من قبل الجهات المعنية.

 

تُظهر بيانات حصلت عليها منصة الجبال من مصادر طبية وميدانية، أن ما لا يقل عن 6 حالات وفاة بسبب التلوث سُجّلت خلال عامي 2024 و2025 في بعض قرى الحقول النفطية، بينما يعاني أكثر من 50 مواطناً من أعراض صحية خطيرة مرتبطة مباشرة بانبعاثات المصانع والمعامل المحيطة بالمناطق السكنية.

 

وفي جولات ميدانية أجراها فريق منصة الجبال في مدينة البصرة وحقولها النفطية، ظهرت مشاهد مرعبة تُجسد حجم التلوث الذي تعيشه المدينة منذ سنوات. أدخنة كثيفة، وغازات سامة، وروائح خانقة، تغطي سماء المدينة وتدخل في رئات سكانها على مدار الساعة. 

 

هذا التلوث لا يأتي فقط من معامل البتروكيمياويات والأسمدة ولكن أيضاً من معامل الحديد، إضافة إلى عمليات حرق الغاز المصاحب في الحقول النفطية الشهيرة مثل مجنون، غرب القرنة 1، ونهران بن عمر، وحقل الزبير وحقل الرميلة الجنوبية وحقل نفط الطوبة إذ تنتج عن هذه العمليات انبعاثات سامة تؤثر بشكل مباشر على الصحة العامة.

 

حامد عبد أمحيل، المهندس البيئي من مديرية بيئة البصرة، تحدث عن الوضع البيئي السيء بالمحافظة لمنصّة الجبال قائلاً: "المعامل الكبرى في المدينة أصبحت مصدراً رئيساً للملوثات البيئية، وعلى الرغم من أهمية تلك الصناعات للاقتصاد الوطني إلا أنها تفتقر إلى تقنيات المعالجة الحديثة مما يزيد من خطر الغازات السامة مثل أكاسيد الكربون والنتروجين، التي تُلوّث الهواء وتؤثر سلباً على صحة السكان" موضحاً أن "هذه المعامل تعتمد على تقنيات قديمة لا تحتوي على أنظمة فعّالة لمعالجة الملوثات الناتجة عن عمليات التصنيع".

 

في حديث آخر خص به علي العبادي، رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، منصة الجبال، قال إن "الحكومة الاتحادية والمحلية تتحملان مسؤولية تدهور الوضع البيئي في البصرة، لأنهما فشلتا في وضع استراتيجيات حقيقية للحد من التلوث وحماية صحة المواطنين"، مضيفاً أن البصرة أصبحت من أكثر المدن تلوثاً في العالم، وأن الحكومة لم تتخذ الإجراءات الفعّالة للحد من هذا التدهور البيئي. في الوقت نفسه، أكد أن "البصرة تحتاج إلى خطة شاملة لحماية البيئة وتحسين جودة الهواء والماء".

 

من جانبه، أفاد المواطن مؤمل اللعيبي، أحد سكان منطقة نهران بن عمر، بأنه أصيب بمرض السرطان، مؤكداً أن "السبب المباشر لهذا المرض هو الأبخرة السامة المنبعثة من الحقول النفطية"، مشيراً: "لم أحصل على أي تعويض أو دعم، رغم وضوح السبب".

 

وأوضح اللعيبي أن الأطباء أشاروا إلى أن التلوث الصناعي هو العامل الرئيس الذي أدى إلى إصابته، لكنه لم يجد أي دعم من الجهات المعنية.

 

 

وفي الزبير، تحدث المواطن كاظم عبد الله عن معاناته مع مرض السرطان أيضاً، قائلاً: "الأطباء أخبروني أن التلوث هو السبب المباشر، نحن نموت ببطء ولا أحد يسمعنا". وتابع عبد الله أن الوضع في منطقته "أصبح لا يُحتمل"، وأنه يعاني من صعوبة في التنفس وتدهور في صحته بسبب التلوث الصناعي بالمنطقة.

 

كشف مصدر خاص من دائرة صحة البصرة، لمنصّة الجبال، وطلب عدم الكشف عن اسمه، أن آخر إحصائية رسمية لأمراض السرطان تعود إلى عام 2019، رغم الزيادة المطردة في الإصابات مؤكداً أن "هناك توجيهات بعدم الإعلان عن الأرقام الحديثة لأسباب مجهولة"، ما يثير تساؤلات حول غياب الشفافية في التعامل مع الأزمة البيئية والصحية في البصرة.

 

وفقاً لمصادر خاصة، فإن حالات الوفاة المرتبطة بالتلوث الصناعي بلغت 6 أشخاص منذ آواخر عام 2024 وحتى بداية عام 2025، فيما يعاني أكثر من 50 مواطناً من أعراض وأمراض مزمنة في المناطق القريبة من المعامل والحقول النفطية.

 

وبحسب موقع "AccuWeather"، تصنَّف جودة الهواء في البصرة ضمن المستويات غير الصحية، وتحديداً للمصابين بالحساسية والأمراض التنفسية، مع توصيات بتقليل الخروج من المنازل، خاصة في الأيام التي تشهد ارتفاعاً في التلوث. وتشير التقارير إلى أن الملوثات التي تنتجها المصانع والحقول النفطية تشمل المواد الكيميائية الناتجة عن النشاط الصناعي والنفطي، والتي تتسرب إلى التربة والهواء والمياه.

 

 

الناشطة البيئية زهراء عبد الواحد انتقدت موقف الحكومة، قائلة للجبال: "الدولة تنظر إلى البصرة كمصدر للنفط، لا كمدينة يعيش فيها بشر. لا توجد حملات توعية، ولا خطط بيئية حقيقية"، مؤكدة أن "الحكومة تتجاهل معاناة المواطنين في البصرة ولا تبالي بالكارثة البيئية التي تهدد حياتهم".

 

أما الخبير البيئي حسين عباس، فأوضح للجبال  أن "مصانع البتروكيمياويات تقع في قلب مناطق سكنية مكتظة"، مشيراً إلى أن "هذا يمثل خرقاً واضحاً لمعايير الأمان البيئي، التي توجب وجود مسافة آمنة بين مواقع الإنتاج والمناطق المأهولة بالسكان".

 

وأضاف عباسبع"د إعادة تأهيل معمل البتروكيمياويات، ارتفعت كميات إنتاج البوليثيلين، ومعها ارتفع التلوث بشكل واضح. العوادم محمّلة بمواد كيميائية خطرة لا تجد طريقها للمعالجة".

 

 

الواقع البيئي في البصرة يتطلب تحركاً عاجلاً من الحكومة بكل مستوياتها، لإيقاف الكارثة البيئية التي تهدد حياة سكانها. فمع استمرار غياب الحلول الفعّالة، سيبقى المواطنون ضحايا لتلوث يفوق قدراتهم على تحمله. لابد من أن تتخذ الحكومة خطوات جدية لتنفيذ استراتيجيات بيئية تُحسن من الوضع الحالي، وتضمن حق البصرة في بيئة صحية وآمنة.

الجبال

نُشرت في الأحد 6 أبريل 2025 05:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.