جدال تعديل الأحوال الشخصية يتجاهل "هروب القاصرات".. ورجل دين يهدد النواب

6 قراءة دقيقة
جدال تعديل الأحوال الشخصية يتجاهل "هروب القاصرات"..  ورجل دين يهدد النواب عقد زواج

تحذير من "الإكراه" للمضي بالكارثة

يواصل الجدل الاحتدام جراء محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق، الذى لاقى رفضاً واسعاً فور إعلان النية لخطوة كهذه، وحتى بعد إجراء القراءة الأولى له قبل أسبوعين، من قبل سياسيين وحقوقيين وناشطين مدنيين وإنسانيين. فيرى كثيرون، خصوصاً من العنصر النسوي، بتعديل القانون إجحافاً بحق المرأة العراقية ويهضم من حقوقها الشرعية والمدنية في إطار الزواج والطلاق والأمومة والميراث. ومنهم من يعتبر التعديل عاملاً لتعميق الانقسامات الطائفية التي يعاني من إفرازاتها البلد منذ سنوات، وإنتاج المزيد من المشاكل الأسرية العامة والخاصة.

 

بعد شد وجذب شديدين، أنهى مجلس النواب، الأحد 4 آب 2024، القراءة الأولى لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، لترفع الجلسة بعد ذلك. ولم يحدد المجلس موعداً لإجراء القراءة الثانية للمقترح بعد تأجيله لأول مرة، بالتزامن مع رفض قطعي واستهجان واسع أعقبا الخطوة البرلمانية. والخلاف لا يزال سيد الموقف.

 

تهديد السلطة التشريعية

 

الإثنين الماضي، توجّه رجل الدين رشيد الحسيني، إلى "النواب الشيعة" في البرلمان بلغة تهديدية، بعد تأجيل القراءة الثانية لقانون الأحوال، محذراً من أن "الصبر له حدود"، وسيكون له كلام آخر، في حال مماطلة أعضاء البرلمان في القراءة الثانية. هذا يدفع إلى التساؤل عن سبب استعجال الحسيني، وما الذي يمكن أن يحدث في حال "المماطلة"؟

 

بهذا الخصوص، أوضحت النائب في البرلمان العراقي نور نافع الجليحاوي، لمنصة "الجبال"، أن موقف الحسيني "ليس استعجالاً وإنما استغلالاً لفرصة الأغلبية بغياب الدور الفاعل للسنة والكورد وقوى شيعية، وضعف التمثيل المدني. كذلك هو محاولة للضغط ومقايضة وابتزاز للسنة".

 

وذكرت النائبة أنه "لم يثبت بشكل واضح أن الشخص المذكور (الحسيني) يمثل مرجعية السيد السيستاني، وهي المرجعية العليا، التي لها كلمة الفصل في القضايا الدينية. وما صدر عنه من تهديد واضح لكل النواب يعد تهديد لأعلى سلطة وهي السلطة تشريعية"، مضيفة أنه "تم مصادرة رأي النواب ودورهم تحت التهديد، لم يبق أي خيار لأعضاء مجلس النواب، وإن ما سيصدر من المجلس سيكون بالإكراه. ووفقاً للقانون، إن أي فعل يقع تحت الإكراه يعدم أثره القانوني".

 

يزيد هروب القاصرات

 

طبق قانون الأحوال الشخصية الحالي، الذي يعد بشهادة خبراء من أكثر القوانين تقدماً مقارنة بقوانين أخرى بدول، بعد سقوط النظام الملكي، عام 1959، وقد حظر الزواج دون سن 18 عاماً ومنع رجال الدين من مصادرة حق الأهل بالتوجه لمحاكم الدولة المدنية.

 

وصوت نواب البرلمان على تعديل مادتين في القانون، بإضافة فقرة ثالثة إلى المادة (2)، وتعديل الفقرة الخامسة من المادة (10).

 

تمنح الفقرة (3) بالمادة (2) العراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج حق الاختيار بين الأحكام الشرعية (أحكام المذهب الشيعي أو السني) والأحكام المدنية (قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959)، وتجيز للمتزوجين ممن لم يسبق لهم اختيار تطبيق أحكام مذهب معين عند الزواج، التقدم بطلب أمام محكمة الأحوال الشخصية لتطبيق الأحكام الشرعية عليهم وفق المذهب الذي يختارونه بدلاً من قانون العام 1959 النافذ. وعند حصول الخلاف بين الزوجين بشأن المذهب الذي جرى إبرام  عقد الزواج وفقاً لأحكامه، يعد العقد قد أبرم وفقاً لمذهب الزوج ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك.

 

ونصت الفقرة (5) من المادة (10) من القانون على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على سنة، أو بغرامة لا تقل عن 300 دينار، ولا تزيد على 1000 دينار، كل رجل عقد زواجه خارج المحكمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 5 سنوات، إذا عقد خارج المحكمة زواجاً آخر مع قيام الزوجية".

 

تم تعديل النص ليصبح "تصدّق محكمة الأحوال الشخصية عقود الزواج التي يبرمها الأفراد البالغون من المسلمين، على يد من لديه تخويل شرعي أو قانوني من القضاء أو من ديواني الوقفين الشيعي والسني بإبرام العقد وشروطه وانتفاء الموانع بين الزوجين". 

 

تبيح الفقرة السابقة تثبيت القضاء لزواجات وقعت خارج أسوار المحاكم، بعقود شرعية، وذلك قد يشرع الأبواب بلا شك أمام اتساع ظاهرة تعدد الزوجات. لكن في حين لا يثبت البلوغ الرشاد، يتشكل التساؤل: إلى أي مدى سيؤثر النص الجديد في زيادة حالات "زواج الخطيفة"، الزواجات خارج إرادة الأهل وأسوار المحاكم؟

 

ذكرت النائبة الجليحاوي أن "التعديل لو حصل فسيلحق كارثة بالمجتمع والأسرة أولاً، حيث يتيح زواج القاصرات ما يؤدي لتكوين عائلة تستند أركانها إلى قاصرين غير متزنين وغير قادرين على قيادة الأسرة. كما ستنعدم الثقة مسبقاً بين الأزواج حيث تم استبدال لغة المحبة والمودة بلغة المصلحة والنفقة وغلبة طرف على آخر"، مؤكدة أن "السماح للقاصرات بالزواج، سيزيد من هروب القاصرات من بيت الأهل، وسيشرعن الزواجات التي كانت غير رسمية وستصبح بموجب التعديل قانونية".

 

فيما أشار الخبير القانوني، جمال الأسدي، إلى وجود مغالطات بشأن وزاج القاصرات، منوّهاً إلى أن "القانون العراقي الساري يسمح بزواج القاصر، ويبيح زواج من هي في الـ15 من عمرها".

 

وأردف، قائلاً لمنصة الجبال: "هناك بعض الأمور التي أثيرت، فيها نقاش طويل لم يجر بعد، القانون فيه مادتان قيد التعديل لم تتطرقا إلى هذه الأمور، بل تطرقتا إلى عودة المذاهب سواء كان جعفرياً أو حنفياً أو سنياً أو شيعياً إلى المدونة الفقهية الصادرة عن الوقف الشيعي أو من دار الافتاء السنية للعملية".

 

ما دور المرجعية؟

 

كما ذكرت الجليحاوي، أن المرجعية هي أعلى سلطة دينية بل واجتماعية، لها كلمة الفصل في تفسير وتحديد الكثير من الأمور الدينية وبالتالي القضايا الحياتية.

 

وأوضحت المرجعية الدينية العليا في العراق موقفها من تعديل قانون الأحوال الشخصية، مؤكدة أن "أي أمر يخالف شرع الله لن نوافق عليه وسيتم رفضه"، وهو يعتبر بنفس الوقت "كل قانون وضعي مخالف للقانون السماوي مرفوضاً".

لافا عثمان

نُشرت في الاثنين 19 أغسطس 2024 10:00 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.