اعتقالات ناشطي تشرين.. هل تنهي الحراك في الناصرية أم تعيد ما "تحت الرماد"؟

7 قراءة دقيقة
اعتقالات ناشطي تشرين.. هل تنهي الحراك في الناصرية أم تعيد ما "تحت الرماد"؟ متظاهرون في الناصرية

هل انتهى حراك تشرين في الناصرية بعد اعتقال أبرز قياديّه؟

حدث جديد استهدف ما تبقى من ناشطين من حراك تشرين في مدينة الناصرية، باعتقال أحد أبرز قياديي الحراك من دون ردود فعل قوية في الشارع، ما أثار تساؤلات عدّة عن مصير هذا الحراك الذي لم تَهدأ ساحاته الساخنة طوال خمس سنوات عاشت خلالها المدينة أجواء من الاحتجاجات المتواصلة والمطالبات بالتغيير السياسي وتحسين الخدمات وإيجاد فرص العمل.

 

وتدور تساؤلات حول تأثير مثل هذه الاعتقالات على الحراك الشعبي وإذا ما كانت ستُعيد الغضب إلى شارع ذي قار  وأن تشهد الساحات موجات جديدة من الاحتجاجات، أو تنهي الحراك وما تبقى من غضب "تحت الرماد".

 

مدينة الناصرية جنوب العراق التي تعد أبرز مركز لاحتجاجات البلاد منذ تشرين 2019، لم تغادر شوارعها التظاهرات حتى تشرين الماضي وكانت هي أولى المدن العراقية التي قامت بحرق مقار الأحزاب، ولم تعاود وجودها إلى العلن حتى اللحظة. وحيث واجهت بحراكها عمليات اعتقال بعد تفعيل أوامر القبض بحق قياداتها، بدأت في تشرين الأول 2024، وكان آخرها اعتقال أبرز شخصية بين تلك القيادات والمحرك للتظاهر، والذي كان متخفياً ومطارداً لعدة أشهر وهو (إحسان عودة عليوي الهلالي) المعروف بـ "أبو كوثر" ومولود في عام 1991، وكان ناشطاً في الاحتجاجات وعمل منذ تلك اللحطة، بحسب ما ينشر في فديوهات، "من أجل حقوق الناس وكشف الفساد المستشري في أروقة السلطة".

 

في السياق: صور| آثار تعذيب على جسد والد الناشط "إحسان أبو كوثر" المعتقل في ذي قار

 

إحسان تحول من جريح في تلك الاحتجاجات إلى صوتٍ ضد سوء إدارة الحكومة ومشاريعها، وقد تم اعتقاله بالسنوات الماضية تحديداً خلال التظاهرات في الأعوام 2019 و2020، ولكن تم الإفراج عنه وأصبح يتظاهر للمطالبة بمعالجة نقص الخدمات وسوء تنفيذ المشاريع، ثم أصبح صوته مسموعاً في قضايا مثل دعم العاطلين عن العمل وجمع التبرعات للمحتاجين، بالإضافة إلى حراكه في تأمين الأوكسجين
والمساعدات الطبية خلال جائحة كورونا.

 

ومع محاولاته لدعوة المواطنين إلى التظاهرات السلمية، أصبح "أبو كوثر" بمثابة محرك للاحتجاج في ذي قار، خاصة في ظل تراجع الثقة بالحكومة المحلية، إلا أن طريقه لم يكن خالياً من العراقيل، فقد تعرض لاتهامات بالابتزاز من قبل بعض الجهات المتنفذة التي اعتبرت أن نشاطه "وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية".

 

وفي 8 آذار 2025، تمكنت القوات الأمنية في الناصرية من اعتقال "أبو كوثر" بناء على أكثر من خمسة أوامر قبض بحقه أحدها وفق المادة 4 إرهاب. وبعدها بأسبوعين طال الاعتقال والده أيضاً بتهمة التحريض، وهو ما وصفه زملائه بأنه استهداف سياسي مدفوع بمواقف (إحسان) المعارضة للفساد. بينما تؤكد الأجهزة الأمنية أن هذه الاعتقالات كانت وفقاً للقانون، ويرى مؤيدو "أبو كوثر" في ذلك محاولة لقمع صوت أصبح رمزاً للاحتجاج في المدينة.

 

 

"حراك تشرين رمز قوي ومصدر قلق"

الناشط حسين كريم أعرب عن قلقه إزاء التصعيد الأمني الأخير، وقال: "كان من المتوقع أن تتمتع المدينة بمزيد من الاستقرار، بدلاً من أن تشهد أحداثاً تزيد من التوتر، لافتاً إلى أن "حادثة اعتقال الناشط (إحسان الهلالي) المعروف بـ(أبو كوثر) وما تبعها من اعتقال والده ومداهمة منزله، قد أثارت غضب الشارع وزيّدت من حدّة الاحتقان بين المتظاهرين، وهذه الأوضاع قد تدفع البعض للتظاهر ضد القوات الأمنية، وهو ما يتمنى الجميع تجنبه حفاظاً على أمن المدينة واستقرارها".

 

ويرى كريم في حديث لمنصة "الجبال" أن العنوان الرئيس لحراك تشرين بات بمثابة "رمز قوي" رغم الاعتقالات بحق قياداته، "فتظاهرات تشرين تشكل قلقاً لدى الفاسدين وأولئك الذين يسعون للتسلق على حساب معاناة المواطنين. وهذا الحراك لا يمكن نسيانه بسهولة، خاصة أنه شكّل منعطفاً تاريخياً في مسار السياسة العراقية منذ عام 2003، محققاً بذلك تأثيراً عميقاً لا يزال يهيمن على المشهد السياسي".

 

 

من جانبه، يوضح المحامي أحمد السهلاني، أحد المحامين في ذي قار، الموقف القانوني لأوامر القبض وطريقة الاعتقال، إذ أن "أوامر القبض لا تُصدر إلا بناء على قرارات قضائية، وإنها تُنفذ وفقاً للقانون"، بحسب تعبيره، لافتاً إلى أن "الأمر يبقى في طريقة وأسلوب الاعتقال وتنفيذ أمر القبض، حيث أن طريقة الاعتقال في بعض الأحيان تساهم في تعقيد الوضع القائم".

 

ويشير السهلاني إلى أن "هناك حالات يتم فيها الاعتقال دون حضور مختار المنطقة، وهو ما يُعتبر مخالفاً للقانون، الذي يؤكد بوضوح على ضرورة وجود المختار أثناء أي عملية اعتقال".

 

 

"3500 أمر قبض"

محافظ ذي قار ورئيس اللجنة الأمنية العليا فيها، مرتضى الإبراهيمي، أوضح في حديث خاص لمنصة الجبال، أن "ما حصل في المحافظة هو تفعيل مذكرات القبض بحق قرابة الـ3500 شخص، وعلى خلفية تنفيذ هذه الأوامر شهدت المحافظة استقراراً أمنياً. ولا نسمح بعودة الفوضى إلى المحافظة"، مبيناً أن "المحافظة اليوم تنعم بالأمن والاستقرار والإعمار، حيث تنطلق شركاتها بدون أي ابتزاز وبدون أي محاولة لتعطيل عجلة الإعمار بالمحافظة، وأدعو كل من عليه مذكرة قبض إلى تسليم نفسه إلى القوات الأمنية".

 

ومن بين هذا العدد الكبير من أوامر القبض ما كان بحق متظاهري تشرين عبر دعاوى قديمة تعود لسنوات 2019 و2020 و2021 حينما حدث قطع الطرق وغلق الدوائر الحكومية.

 

 

"حراك تشرين انقسم إلى شقّين"

وفي تحليل لحراك تشرين الاحتجاجي وتطوراته، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور قاسم الربيعي أن "هذا الحراك قد انقسم إلى شقين رئيسيين متباينين تماماً في أهدافهما وطرق تنفيذهما". وقال في حديث لمنصة الجبال إن "هناك مجموعة من المشاركين بالاحتجاجات انحرفت عن المسار السلمي، واتخذت من الحراك وسيلة لتحقيق مصالح شخصية وابتزاز، مستغلة حالة الفوضى التي واكبت التحركات الشعبية. أما الشق الآخر فقد تحول إلى حركات سياسية منظمة استفادت من التعاطف الجماهيري الذي واكب تلك التظاهرات، وهؤلاء نجحوا في تحويل الحراك إلى منصة للوصول إلى مراكز السلطة، حيث صعد البعض منهم إلى البرلمان بأعلى الأصوات، فيما بدأ آخرون بالتحضير لتشكيلات سياسية جديدة استعداداً لخوض الانتخابات المقبلة".

 

 

ومع التغيرات السياسية الأخيرة، خاصة بعد انتخابات مجالس المحافظات، دخلت محافظة ذي قار في مرحلة جديدة، بحسب الربيعي، "بأن المحافظة شهدت عودة السطوة إلى أيدي (الإطار التنسيقي) الذي يعتبر نقيضاً لحراك تشرين، وهذه التغيرات فرضت بداية مرحلة جديدة تتمثل في تطبيق القانون بشكل أكثر حسماً، لا سيما فيما يتعلق بالقضاء على مظاهر الابتزاز والتصرفات التي تعرقل حركة دوائر الدولة".

 

 

أكد الربيعي أن فترة التي شهدتها ذي قار قُبيل التمرد والتي رافقها قطع الشوارع وإغلاق المؤسسات الحكومية قد انتهت بشكل كامل، مشيراً إلى أن أي محاولات لاستعادة تلك الممارسات باتت مستحيلة في ظل قوة تطبيق القانون.

 

وفيما يتعلق بمستقبل الحراك، يرى الربيعي أن "الطريق لا يزال مفتوحاً أمام المحتجين للتعبير عن مطالبهم، لكن ضمن إطار القانون ودون تجاوز للحدود المقررة، على أن يتم ذلك تحت حماية الدولة التي لن تسمح بتكرار أي مظاهر من التمرد أو الفوضى التي شهدتها المدينة في الماضي وكما كان في السابق".

 

الجبال

نُشرت في الأربعاء 26 مارس 2025 11:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.