يبدو أن الإصرار على تمرير قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي، دخل في مراحل جدية، إذ يسعى النواب من المتمسكين بالقانون إلى إعلان "النصر" من داخل قبة البرلمان، فكتلتي ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والصادقون بزعامة قيس الخزعلي، قاطعتا جلسة مجلس النواب لأكثر من مرة احتجاجا على غياب فقرة "قانون الحشد الشعبي" من جدول أعمال البرلمان مما دفع إلى اختلال النصاب.
ويمثل القانون الذي تعود جذوره إلى العام 2014، إحدى القضايا المعقدة في المشهد السياسي العراقي، حيث لعب الحشد الشعبي دوراً محورياً في الحرب ضد "داعش"، مما جعله قوة مؤثرة في المشهد الأمني والسياسي للبلاد.
الأزمة الرئيسية التي تواجه القانون هي مسألة "السنّ القانوني" وكيفية توظيفه داخل القانون ليتكيّف مع جميع منتسبي هيئة الحشد الشعبي، فيما تذهب الترجيحات إلى أن الحشد الشعبي سيُدمج مع الجيش العراقي بعد إقرار القانون.
الكتل المُصرة على تمرير قانون الحشد الشعبي، ترى أن الدورة البرلمانية الحالية هي فرصتهم لتشريعه لما يملكونه من أغلبية، فيما استبعدوا إقرار القانون في الدورات المقبلة، مرجحين "حلّ الحشد" من قبل "أحزاب المستقبل".
دمج الحشد بالجيش العراقي
ويؤكد ثائر مخيف الجبوري، النائب عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي، أن جميع نواب ائتلاف دولة القانون قاطعوا جلستين متتاليتين للبرلمان احتجاجاً على غياب قانون تقاعد الحشد الشعبي عن جدول اعمال مجلس النواب.
الجبوري وفي حديث لمنصّة "الجبال"، نوّه إلى أن "القانون بحاجة إلى تعديل وأبرز تلك التعديلات هو السنّ القانوني للمنتسبين، لاسيما القيادات"، مشيراً إلى أن "قيادات الحشد الشعبي من الممكن أن يكونوا مستشارين في الهيئة".
وتطرق إلى وجود مقترح لـ"دمج الحشد الشعبي في الجيش العراقي"، لافتاً إلى أن "الحشد ينقسم إلى قسمين، حشد شعبي رسمي ومعترف به، والقسم الثاني ما يسمى بالفصائل، وهذا الخلط هو أحد الأسباب المؤثرة على المضي بالقانون".
وفيما يخص الحديث عن وجود "فيتو امريكي" لتعطيل قانون الحشد الشعبي، أكد الجبوري أن "أمريكا دولة محتلة، هي وشاكلتها وليس لها أي تأثير على قرارات العراق"، مشيراً إلى أن "أغلب الكتل السياسية داعمة لتشريع قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي، أما الاعتراض فهو بخصوص مضمون القانون وفقراته".
الدورة الحالية "فرصة القانون"
بدوره، يرى أحمد الموسوي، النائب عن كتلة الصادقون النيابية (الجناح السياسي لحركة عصائب أهل الحق)، أن "الفرصة الأخيرة لإقرار قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي هي في الدورة الحالية".
ويقول الموسوي في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي يعتبر من أهم القوانين؛ نتيجة وجود حوالي 250 ألف منتسب في هيئة الحشد الشعبي، الذين تطوعوا للحرب ضد عصابات داعش الإرهابية، من دون قانون أو ضمان"، مستدركا بالقول "نحن بدورنا برلمان يفترض علينا تشريع قانون يتكيف مع تلك الشريحة المهمة".
ويشير إلى، أن "هناك ملاحظات عدة تخص القانون، أبرزها السنّ القانوني"، مبينا أن "رواتب الحشد الشعبي شبه مجمّدة، والجميع متساوون بمختلف التصنيفات والشهادات، وهذه القضية يجب أن تُحل ضمن القانون".
و"حسب القانون فإن أعلى رتبة تُحال للتقاعد بعد عبور سنّ الـ63 عاماً"، يذكر الموسوي ويلفت إلى أن "رئيس هيئة الحشد الشعبي اقترح على رئيس الوزراء تمديد عمر المنتسب إلى الهيئة لثلاث سنوات".
وتابع الموسوي، أن "هناك منتسبين انتموا إلى هيئة الحشد الشعبي بعمر 40 – 45 عاماً، وهذا السنّ التقاعدي لا يخدمهم، فاقترحنا تمديده 5 سنوات بدلاً عن 3 سنوات؛ لمقتضيات الضرورة"، مبيناً أن "هناك منتسبين، تحتاج إليهم الهيئة وهم في أعمار كبيرة، لذلك أعطينا صلاحية لرئيس الهيئة برفع مقترح إلى رئيس الوزراء للتمديد ثلاث سنوات".
الفياض غير مستثنى وبديله شخصية مستقلة
ويلفت النائب عن كتلة الصادقون النيابية إلى، أن "القانون يسري على جميع منتسبي هيئة الحشد الشعبي، وبما فيهم رئيسها فالح الفياض، إذ من المستحيل أن يستثنى من شرط العمر عند تمرير قانون الخدمة والتقاعد"، مؤكدا أن "القانون لا يستهدف شخص الفياض، وإنما تأسيس قانون رصين يحمي حقوق المنتسبين".
وبحسب النائب الموسوي، فإن "هناك اتفاقاً سياسياً، لترشيح شخصية مستقلة لرئاسة الحشد الشعبي، لإبعاد هيئة الحشد عن الصراعات السياسية والاستغلال"، نافياً أن "يكون رئيس الهيئة من عصائب أهل الحق".
الموسوي أفاد بأن "قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي، إذ لم يقر في الدورة البرلمانية الحالية، فلن يمضي مستقبلاً، وربما قد تأتي أحزاب في الدورات المقبلة وتحلّ الحشد الشعبي"، لافتاً إلى أن "حلّ الحشد، تداعياته خطرة جداً على أمن العراق، فهمو من حمى أراضي البلاد وأعاد الحياة لها".
"رئيس الحشد" يحظى بدعم سياسي
إلى ذلك، يقول القيادي في الإطار التنسيقي عائد الهلالي، إن "موضوع إقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، يشمل عدة أبعاد سياسية وإدارية، أولها ما يتعلق بالسنّ القانونية، إذ لم تكن هناك معلومات واضحة تفيد بتجاوز فالح الفياض السنّ القانونية لتمديد ولايته، ومن المعروف أن بعض المناصب في العراق لا تُحدد لها سن قانونية دقيقة، خصوصاً في المناصب العسكرية والأمنية، حيث يتم التركيز أكثر على الكفاءة والولاء السياسي، وهذا يجعل المسألة مرتبطة أكثر بالاعتبارات السياسية".
ويرى الهلالي، أن "هناك عدة تفسيرات لبقاء الفياض في منصبه على مدى أكثر من عشر سنوات، ومن أبرزها هو، الدعم السياسي، إذ يحظى بدعم من شخصيات كبيرة داخل العراق، بما في ذلك فصائل وقوى سياسية مؤثرة مثل فصائل الحشد الشعبي ذات العلاقة بالمرجعية الدينية والسياسيين الشيعة، وهذا الدعم جعل من الصعب إقالته".
ويشير إلى أن "الاستقرار في هيئة الحشد الشعبي، يمكن أن يكون له دور ببقاء الفياض للحفاظ على استقرار تلك الهيئة"، مبيناً أن "البعض يعتقد أن وجود الفياض في المنصب يخدم مصالح بعض القوى السياسية التي ترى أن وجوده يسهم في الحفاظ على توازن القوى داخل الحشد الشعبي، في حين يرى آخرون أن بقاءه مرتبط بالاستفادة من النفوذ الذي يتيح له ذلك على الساحة السياسية والعسكرية".
ويلفت القيادي في الإطار التنسيقي إلى، أن "الإصرار على تمرير قانون الحشد الشعبي هدفه تنظيم عمل الحشد الشعبي بشكل رسمي، وتوفير هيكل قانوني وضمانات قانونية للعناصر المنتمية إليه، وهذا يمكن أن يسهم في زيادة قدرته على مواجهة التحديات الأمنية".
أما أسباب رفض بعض الجهات على تمرير القانون وفق الهلالي، هو أن "بعض القوى السياسية، تخشى من أن يؤدي القانون إلى توسيع نفوذ الحشد الشعبي بشكل يخل بتوازن القوى السياسية في العراق، أو أن يتم دمجه بالقوات المسلحة بشكل يؤدي إلى تأثر استقلالية الحشد أو تأثيره السياسي".
أمريكا "تخشى" توسّع نفوذ الحشد
وفي حال تم تمرير قانون الحشد الشعبي، فإن التداعيات ستكون كبيرة. قد يؤدي ذلك إلى منح الحشد شرعية أكبر في داخل النظام الأمني العراقي، وتحويله إلى قوة رسمية مع تمويل حكومي، قد يُعيد تشكيل دور الحشد الشعبي في إدارة الأمن الداخلي والخارجي، ويعطيه دوراً أكبر في السياسة الأمنية، بحسب عائد الهلالي.
ويؤكد الهلالي أن "الحراك نحو دمج الحشد في الجيش سيواجه تحديات قانونية وتنظيمية، حيث أن الحشد الشعبي في كثير من الحالات يُعتبر قوة شبه مستقلة مرتبطة بالعديد من الفصائل والقوى السياسية، ما يجعل الدمج عملية صعبة ومعقدة".
ورجح القيادي في الإطار التنسيقي "وجود ضغط أمريكي لعرقلة تمرير القانون، إذ أن هناك مخاوف أمريكية من تقوية الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في العراق"، مؤكدا أن "الولايات المتحدة تسعى عادةً إلى الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، ولذلك قد تكون أي خطوة لتوسيع دور الحشد الشعبي في النظام العراقي مرفوضة من قبلها".