وسط تصاعد الأزمات الإقليمية وما حدث من تغيير في سوريا، فضلاً عن ما شهدته لبنان بعد الحرب، جاءت تحذيرات سياسية عراقية تتحدث عن "خطر" قد يهدد العراق خلال الفترة القليلة المقبلة، على الرغم من حديث مراقبين بأن هذه التحذيرات تتزامن مع ما يشهده ما يسمى "محور المقاومة" من ضعف في المنطقة عموماً.
لكن الحديث هنا لم يعد مجرد تكهنات سياسية، بل بات سيناريو يلوح في الأفق، وفقاً للتصريحات السياسية، حيث تتشابك التوترات الأمنية، والتدخلات الخارجية، والانهيارات الاقتصادية في مشهد ينذر بعواقب وخيمة، إذ ما يحدث في بيروت ودمشق قد لا يبقى محصوراً داخلهما، بل قد يمتد إلى بغداد، حيث تتشابه المعطيات، وتتشابك المصالح، وتتصاعد المخاطر، بحسب أحاديثهم.
وقبل أيام قليلة، خرج رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، بتصريحات عبر مؤتمر صحفي أكد فيه ضرورة التزام جميع الأطراف بالدستور، فيما حذر من خطر "إعلام فاسد" يريد خلق الفوضى في البلاد، كما جرى في كل من فلسطين ولبنان وسوريا.
وقال المالكي، خلال كلمة في ذكرى تأسيس حركة البشائر، إن العالم يشهد اليوم فوضى وهناك مواجهات لدولة تجاه دولة ومجتمع تجاه آخر، وندرك حجم أخطار هذه الفوضى في المجتمع العراقي بعد ماحدث في غزة ولبنان وسوريا.
وردّ عضو الكونغرس الأميركي جو ويلسون، على حديث لرئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، حول "الاضطرابات في سوريا ولبنان".
وأشار ويلسون في تدوينة على "إكس"، إلى أن "رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، قال أمس، إن الاضطرابات التي حدثت في سوريا ولبنان ستحدث في العراق"، مضيفاً أنه "على حق! الهيمنة الإيرانية لا يمكن أن تستمر، تحرير العراق من إيران".
التحذيرات موجودة منذ سنوات
ويقول القيادي في ائتلاف دولة القانون، حيدر اللامي، إن "تحذيرات المالكي لم تكن وليدة اليوم، بل هي امتداد لتحذيرات سابقة أطلقها منذ العام 2019"، مبيناً أن "التحذيرات جاءت وفق المتغيرات التي تعاني منها المنطقة سواءً لما حدث في سوريا أو لبنان أو حتى غزة".
وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف اللامي، أن "التغيرات التي يطلب بيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خصوصاً فيما يتعلق بترحيل أهالي قطاع غزة إلى مصر والأردن سيعمل على إثارة فوضى حقيقية في عموم المنطقة ومنها العراق كونه بلداً حدودياً".
ووفقاً لللامي، فإن "ما يحدث مع ضغوط دولية خصوصاً أميركية على دول المنطقة تلقي بظلالها على العراق بدرجة أساسية"، مؤكداً أن "العملية السياسية في العراق مستعدة لأي متغير يمكن أن يحدث خلال الفترة المقبلة".
لكن اللامي، لم يستبعد أي "تغيرات جديدة سواءً في العراق أو المنطقة، كون السياسية بالدرجة الأساس متغيرة"، فيما أشار إلى أن "الولايات المتحدة تعمل على فرض التغييرات بقوة كما حدث في لبنان سوريا وغزة".
ويشهد العراق تحديات سياسية وأمنية متصاعدة في ظل التغيرات الإقليمية العاصفة، مع الحروب التي عصفت غزة ولبنان، والتغيرات في النظام السوري، كما أن هذه التطورات تضع بغداد أمام معادلة معقدة، حيث تتشابك المصالح الدولية والإقليمية، مما يجعلها في قلب تأثيرات الصراعات الدائرة، بحسب الدراسات السياسية الدولية.
ووفقاً لنفس الدراسات فإن العراق يجد نفسه أمام مرحلة حرجة تتطلب موازنة دقيقة بين استقراره الداخلي وموقعه الاستراتيجي في المنطقة، في ظل التدخلات الخارجية، والتوترات الداخلية، والاضطرابات الاقتصادية.
دعاية انتخابية محتملة
وتحدث تقرير نشره موقع "كراسنايا فيسنا"، الروسي، مطلع الشهر الجاري، قائلاً إن العراق يعيش وضعاً إستراتيجياً صعبا للغاية، إذ وجد نفسه بعد سقوط نظام بشار الأسد في مواجهة تحديات مرتبطة بالعلاقة مع إيران وتركيا والولايات المتحدة، وسط انقسامات داخلية حادة.
في المقابل، يقول المحلل السياسي، عصام حسين، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "أسس الفوضى في العراق غير موجودة حالياً، لكن قد يكون هناك بعض الأصوات المتطرفة تسعى لنقل تجربة سوريا إلى البلاد"، مستبعداً "إمكانية نجاح المشروع الجولاني في العراق، كون العراق يمتلك غالبية شيعية عكس ماهو موجود في سوريا الذي يمتلكون الغالبية السنية".
ويضيف حسين، أن "هناك جماعات متطرفة من الطائفة السنية تسعى لإعادة احياء مشروع شبيه بـ (داعش)، لكن بصيغة مغايرة كما حدث في سوريا قبل فترة قليلة"، متوقعاً "إن حدث ذلك تكون هناك فوضى خصوصاً في المحافظات التي شهدت دخول تنظيم داعش في العام 2014".
ووفقاً لحسين، فإن "مشروع الجولاني، يطالب به بعض الأصوات، لكن هناك أطراف سنية تمتلك تمثيلاً برلمانياً وحكومياً كبيراً ترفض هذا السيناريو"، مشيراً إلى أن "إعادة هكذا سيناريوهات سيعمل أيضاً نزوح ملايين الأشخاص كما حدث سابقاً".
وفي كانون الأول 2024، أرسلت السلطات العراقية مدير مخابراتها الوطنية حميد الشطري، للقاء الحكومة السورية الجديدة، بينما حضر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مؤتمراً حول سوريا في السعودية في كانون الثاني من العام 2025.
وعن تصريحات زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، يرى حسين، أن "المالكي ذهب بعيداً بتصريحاته وتحليلاته والتوقعات تشير إلى أنها دعاية انتخابية بغية ضبط الجمهور الشيعي خصوصاً والعراق مقبل على انتخابات تشريعية مهمة".
وخلال الشهر الماضي، قال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، لوكالة رويترز، إن "العراق يحاول إقناع الفصائل المسلحة القوية في البلاد التي حاربت القوات الأميركية وأطلقت الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية"، في خطوة اعتبرها باحثون سياسيون تهدف لتجنب العراق أي توترات محتملة مع حكومة ترامب.
مخاطر محتملة على العراق
وفي هذا الصدد، يقول قاسم العسكري، مدير علاقات مركز القمة المتخصص في التحليل السياسي، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، إن "العراق يواجه تحديات أمنية واقتصادية نتيجة الأزمات المستمرة في سوريا ولبنان، وذلك بسبب الترابط الجيوسياسي والأمني والاقتصادي بين هذه الدول".
ويوضح العسكري، أن "الحدود الطويلة بين العراق وسوريا تعد نقطة ضعف، حيث يمكن أن تكون معبراً لتهريب الأسلحة والمقاتلين، مما يشكل تهديداً مباشراً للأمن الداخلي العراقي"، مبيناً أن "التدخلات الإقليمية والدولية تعزز من هذه المخاطر، حيث تمتلك تركيا ما يقارب 34 نقطة وقاعدة عسكرية داخل العراق، إضافة إلى توغل قواتها بنحو 50 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية".
كما أن التواجد العسكري والسياسي للقوى الدولية في سوريا، مثل الولايات المتحدة وروسيا، والكلام للعسكري، قد يؤثر بشكل مباشر على العراق، خاصة إذا سعت هذه القوى إلى توسيع نفوذها في المنطقة.
من الناحية الاقتصادية، يشير العسكري، إلى أن "الأزمات الحادة في لبنان وسوريا قد تؤثر على التجارة والاستثمار العراقي، نظراً لاعتماد العراق على التبادل التجاري مع جيرانه، وأي اضطرابات في هذه الدول قد تعيق النمو الاقتصادي العراقي".
ويتابع العسكري، حديثه قائلاً إن "العراق قد يصبح هدفاً لعمليات تهريب الوقود إلى سوريا، التي تعاني من أزمة وقود خانقة، مما يؤثر على إمدادات الطاقة العراقية"، محذراً من أن "تفاقم الأوضاع في سوريا ولبنان قد يؤدي إلى تدفق اللاجئين إلى العراق، مما سيشكل عبئاً إضافياً على موارده وبنيته التحتية، خاصة في المناطق الحدودية".
وفيما يخص الاستقرار الداخلي، يرى العسكري، أن "الأزمات المتصاعدة في سوريا ولبنان قد تؤجج التوترات الطائفية والسياسية داخل العراق، في ظل التأثيرات المتبادلة بين هذه الدول".
وفي الختام، يلخص العسكري، حديثه بالقول إن "العراق بحاجة إلى استراتيجية متكاملة لمواجهة هذه التحديات، تتضمن ضبط الحدود، وتعزيز التعاون الأمني، والتعامل بحذر مع التدخلات الإقليمية والدولية، إضافة إلى حماية الاقتصاد العراقي من تداعيات الأزمات الإقليمية".
ومنذ بداية الأحداث في سوريا، لا تزال بغداد تؤكد موقفها الثابت بشأن علاقتها مع دمشق، مؤكدة أن "تركيزها ينصب على أهمية تأمين الحدود العراقية السورية لمنع حالات التسلل بين الجانبين".
وأكدت الحكومة العراقية، أن الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، للعراق تحمل دلالات كبيرة، مؤكدة أن الرغبة العراقية كانت في إتمامها بوقت مبكر، بينما أكد الشيباني تلقيه دعوة رسمية لزيارة العراق وأنه "سيكون في بغداد قريبا".
العراق قادر على منع الفوضى
إلى ذلك، يقول الباحث في الشأن السياسي، صباح العكيلي، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "خطاب المالكي، قبل أيام كان موجهاً بشكل مباشر لوسائل الإعلام التي تحرض على أثارة الفوضى في العراق".
ويشير العكيلي، إلى أن "العراق يستطيع مواجهة أي تيارات تسعى لنقل التجربة السورية في البلاد"، مبيناً أن "هناك وسائل إعلام عربية ومحلية تعمل على بث أجندات خارجية تهدف لزعزعة الأوضاع داخل العراق".
ويضيف العكيلي، أن "البرلمان الآن أمام مسؤولية كبيرة وهي تشريع قانون ينظم عمل المؤسسات الإعلامية سواءً المحلية أو العربية أو حتى الأجنبية من أجل منع أثارة أي فوضى عن طريق برامجهم وأخبارهم المغلوطة".
مع تصاعد المخاوف من انفلات أمني محتمل في مناطق سيطرة "قسد" شمال شرقي سوريا، رفعت الأجهزة الأمنية العراقية من مستوى التأهب على طول الحدود مع سوريا، تحسباً لأي محاولة تسلل لعناصر إرهابية.
مصادر أمنية عراقية أكدت أن هناك متابعة مكثفة للحدود العراقية السورية، مع تعزيز نقاط المراقبة ونشر وحدات إضافية من حرس الحدود، وسط معلومات تشير إلى أن خلايا داعشية قد تحاول استغلال الأوضاع الأمنية المضطربة للفرار إلى الأراضي العراقية.
ويأتي هذا التحرك بعد تحذيرات أمنية من أن السجون التي تضم عناصر خطيرة من تنظيم داعش في سوريا قد تكون هدفًا لهجمات أو عمليات هروب جماعي، مما قد يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار العراق.
في المقابل، تؤكد الحكومة العراقية أنها لن تسمح بعودة سيناريو 2014، حيث استغل تنظيم داعش الفوضى الإقليمية للتمدد داخل الأراضي العراقية، مشددة على أن "الأجهزة الأمنية مستعدة لأي طارئ، وسط تنسيق مشترك مع التحالف الدولي لضمان ضبط الحدود ومنع أي خرق أمني محتمل".