منذ مساء أمس الأحد، تنشغل الأوساط العراقية بفحوى الشكوى القضائية التي تقدّم بها رئيس الجمهورية، عبد اللطيف جمال رشيد إلى القضاء ضد رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، ووزيرة المالية طيف سامي، بشأن امتناع الوزارة عن صرف رواتب الموظفين في إقليم كوردستان، وهو ما دفع العديد من المراقبين إلى الحديث عن "انقسام"، فضلًا عن "توتر" بين السلطات.
ورفع الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ووزيرة مالية البلاد طيف سامي، بسبب تأخر دفع رواتب الموظفين الحكوميين في إقليم كوردستان، في نهاية شهر كانون الثاني 2025، إلا أن المدير العام لدائرة العلاقات والمنظمات الدولية في الرئاسة (هاوري توفيق) كشف عنها الأحد.
وقال توفيق في مؤتمر صحفي، أمس، إن الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الاتحادية العليا هدفها "ضمان إصدار أمر صرف رواتب متقاضي الرواتب في إقليم كوردستان بصورة مستمرة ودون توقف" بغض النظر عن "الإجراءات الفنية" التي تعمل بغداد وأربيل على حلّها.
وتسلم العاملون في القطاع العام في الإقليم رواتبهم لشهر كانون الثاني 2025، إلا أنهم مازالوا ينتظرون رواتب شهر كانون الأول 2024. وقد كُشف عن الدعوى الأحد، بالتزامن مع احتجاجات على عدم سداد الرواتب في السليمانية ثاني أكبر مدن إقليم كوردستان ومسقط رأس الرئيس العراقي.
والعام الماضي، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكماً يلزم الحكومة الاتحادية بتغطية رواتب القطاع العام في إقليم كوردستان، وإبقاء المسألة بعيدة عن المساومات السياسية، لكن مسؤولين يقولون إن "الدفعات لا تزال غير منتظمة نتيجة إجراءات فنية".
"تفاقم التوترات"
ويعاني القطاع العام في العراق من فائض كبير في الملاك الرسمي وانتشار الفساد، فيما يقول محللون إن "بين رشيد والسوداني خلافات كثيرة تفاقمت".
ويرى المحلل السياسي إحسان الشمري، إن الدعوى القضائية "تظهر تفاقم التوترات بين الرئيس ورئيس الوزراء"، مضيفاً: "نواجه انقساماً كبيرا داخل السلطة، وهو يحدث الآن بشكل علني"، فيما أكد مصدر للجبال وجود توتر في العلاقة بين الرئاسة والمالية سببها قرار من طيف سامي.
وفي وقت سابق، قررت وزيرة المالية العراقية طيف سامي قطع المبالغ النثرية المخصصة لرئيس الجمهورية وطاقم حمايته ومستشاريه، بذريعة الحدّ من النفقات.
"النثرية" فاقمت التوترات
لكن مصدر خاص، أفاد لمنصة "الجبال" بأن "وزيرة المالية طيف سامي قامت مؤخراً بقطع مليارات الدنانير المخصصة كمصروفات نثرية لرئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد وحراسه الشخصيين ومستشاريه، ما أثار استياء رئيس الجمهورية ودفعه لإرسال ممثل عنه للقاء وزيرة المالية لمعرفة ملابسات القضية".
وبحسب المصدر فإن "ممثل الرئيس التقى وزيرة المالية، وهي أخبرته بأنه تم قطع المبالغ النثرية بغرض خفض حجم النفقات"، لافتاً إلى أن "ممثل رئيس طلب من الوزيرة العدول عن القرار. لكن طيف سامي ردّت على ممثل الرئيس بأنه تم إرسال المبالغ النثرية لتسديد رواتب موظفي إقليم كوردستان".
وأضاف المصدر أن "الرئيس العراقي عقب الموقف المذكور تعهّد بتقديم شكوى رسمية أمام المحكمة الاتحادية بهذا الشأن"، وقد حاولت "الجبال" التواصل مع أحد مستشاري الرئيس للتأكد من حقيقة الشكوى، لكن المستشار ذكر أنه ليس لديه أي علم بالأمر.
وكان رئيس الوزراء لعراقي محمد شياع السوداني قد أمر، في كانون الثاني الماضي، هيئة النزاهة الاتحادية بإجراء تدقيق بشأن عقد تمرير سعات الترانزيت الخاص بشركة "آي كيو" IQ لخدمات الإنترنت والتابعة لنجل الرئيس رشيد.
من جانبها، خاطبت عضو لجنة النزاهة النيابية حنان الفتلاوي، رئيس الجمهورية عبر منصة "إكس" قائلة إن "الغرامات على شركة ابنك (IQ) كافية لدفع الرواتب في كوردستان".
توضيح من الرئاسة
وفي إطار القضية، علّقت رئاسة الجمهورية على المواقف التي خلفت البيان الصحفي الذي أدلى به هاوري توفيق المدير العام في رئاسة الجمهورية، أن "رئيس الجمهورية ليس خصماً لأي سلطة دستورية في البلاد"، وأن "الدعوى جاءت نتيجة الشعور بالمسؤولية تجاه معاناة شريحة واسعة من العراقيين".
وجاء في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، مساء اليوم الإثنين، "نود أن نبين لأبناء شعبنا العراقي العزيز أن بلدنا يمر بمرحلة مهمة، وينبغي على الجميع التمسك بالوحدة الوطنية والشعور العالي بالمسؤولية تجاه القضايا المهمة، وإن فخامة رئيس الجمهورية بصفته حامياً للدستور ورمزاً لوحدة الوطن يقف على مسافة واحدة من الجميع. لقد قدّم شعبنا العراقي، وعبر عشرات السنين دماء زكية وتضحيات كبيرة من أجل الوصول إلى نظام ديمقراطي نيابي اتحادي، ينعم فيه بالكرامة والعيش الرغيد".
وأضاف: "الجميع يعلم أن قانون الموازنة الاتحادية الثلاثية والذي أقر عام 2023، هو بمثابة خارطة طريق لتوزيع ثروات العراق بين أبنائه، وبموجبه تترتب حقوق وواجبات على الحكومة الاتحادية، وعلى حكومة الإقليم. لذا، نود بيان التالي بكل وضوح واختصار :- 1. إن رئاسة الجمهورية هي الداعم الأول للحكومة الاتحادية ولحكومة الإقليم لإيجاد الحلول المناسبة بموجب القوانين النافذة وتحت مظلة الدستور. 2. إن رئيس الجمهورية ليس خصماً لأي سلطة دستورية في البلاد، وأن الدعوى التي تقدمت بها رئاسة الجمهورية أمام المحكمة الاتحادية لحل أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان، جاءت من الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه معاناة شريحة واسعة من العراقيين، فالاعتصامات الجماهيرية والإضراب عن الطعام لمجموعة من المعلمين والمدرسين والموظفين، تسببت في إغلاق العديد من المدارس وتعطل الآلاف من الطالبات والطلبة عن الدوام، كما أن هذه الدعوى الغرض منها هو إيجاد حل مناسب ودستوري بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، مع تثمين جميع الجهود التي بذلها السيد رئيس مجلس الوزراء مع حكومة الإقليم لإيجاد حل للإشكالات المالية، مؤكدين على أهمية التزام حكومة الإقليم بتنفيذ فقرات التعديل على قانون الموازنة الاتحادية وتسليم إيراداتها النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية".
وأردف أن "رئيس الجمهورية، ومن خلال أداء واجباته، ومتابعته لأوضاع المواطنين المعيشية، ومن خلال زياراته الميدانية إلى محافظاتنا العزيزة (البصرة، نينوى، أربيل، النجف الأشرف، واسط، المثنى، الأنبار) حريص دائماً على حقوق أبناء شعبنا بكل مكوناته، مستمعاً إلى أصواتهم ومطالبهم على حد سواء.. وأخيراً، إ رئاسة الجمهورية هي مؤسسة دستورية هدفها الحفاظ على النظام الدستوري وحماية حقوق أبناء الشعب كافة بدون تمييز، ودعم كافة السلطات، مؤكدين على أن كلما كان صوت شعبنا موحداً سينعم بلدنا بالرفاه والازدهار".