قانون الحوافز الانتخابية "سباق" نحو 15 مليون "صامت".. هل ولد ميّتاً؟

6 قراءة دقيقة
قانون الحوافز الانتخابية "سباق" نحو 15 مليون "صامت".. هل ولد ميّتاً؟ تعبيرية

عند قراءة عنوانه أولاً، سيتبادر إلى ذهن المتلقي أن مقترح "الحوافز الانتخابية" المطروح في الساحة السياسية، يهدف لأخذ شيء ثمين منهم، وفي سياق عدم الثقة بين الجمهور والعملية السياسية، غالباً سيهاجم العراقيون ولا سيما من الطبقات البسيطة هذا المقترح ويصفه بـ"الرشوة" التي تهدف لاستدام وجود السياسيين في المشهد السياسي.

 

هذا الهجوم أو السخرية الشعبية المتوقعة، ربما تكون مبررة ومفهومة، لو كان الهدف النهائي من المقترح هو "زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات"، لكن في الحقيقة ورغم المطالبة المستمرة من مختلف الأحزاب السياسية بضرورة المشاركة بالانتخابات، لكن هذه الدعوة التي تنطلق من حزب أو كتلة سياسية معينة، ليست دعوة عامة، بل هي موجهة بالغالب لجمهورها حصراً، خصوصاً وأن فكرة المقاطعة وقلّة نسبة المشاركة بالانتخابات وإمكانية تأثيرها على شرعية النظام أثبتت فشلها.

 

ملهمان لفكرة الحوافز الانتخابية.. بحث عن 15 مليون "صامت"


لذلك، فإن هذا المقترح لا يهدف في الحقيقة إلى زيادة المشاركة بالانتخابات كهدف نهائي، بل أن زيادة المشاركة هي الوسيلة للهدف النهائي الذي يمكن معرفته ببساطة من معرفة المصدر الرئيس لهذا المقترح، وهو النائب المستقل عامر عبد الجبار، ولعل تجربة ترشحه لمنصب رئاسة البرلمان وعدم حصوله سوى على ستة أصوات في الجولة الأولى للتصويت، ليكون مرشحاً "غريباً" وسط الأجواء السياسية التي تتمسك بالعرف المستمر بأن يكون منصب رئاسة البرلمان من حصة الكتل السنية، كانت هي "الملهم" لفكرته وهدفه النهائي، المتمثل بالعمل على "إزاحة الطبقة السياسية الحاكمة".

 

لم تكن تجربة ترشحه لرئاسة البرلمان وعدم الحصول على الدعم هي الملهم الوحيد، بل تجربة انتخابات تشرين 2021 هي الملهم الأساس للقصة، فعلى ما يبدو أن درس انتخابات 2021، أعطى تصوراً واقعياً عن الاعتقاد السائد، بأن مشاركة "الأغلبية الصامتة" ستؤدي إلى تغيير شكل وممارسات العملية السياسية ونفوذ القوى بالكامل، بل وقد تؤدي لاختفاء وجوه وتيارات سياسية مسيطرة على المشهد منذ 2003.

 

وبحسب التعداد السكاني للعراق فان الأعمار المشمولة بالتصويت فوق 18 عاماً في العراق، تقدر بحوالي 25 مليون شخص، إلا أن عدد المصوتين في انتخابات 2021 على سبيل المثال بلغوا 9 ملايين فقط، فيما بلغت نسبة المشاركة حوالي 40% فقط.

 

ويسيطر اعتقاد واسع على الأوساط السياسية والشعبية، بأن "جمهور الكتل السياسية الكلاسيكية الحاكمة" قليل جداً مقارنة بالأغلبية العراقية التي سميت بـ"الأغلبية الصامتة"، وما حدث في الانتخابات المبكرة 2021 "انتخابات تشرين" عزز بشكل كبير هذا الاعتقاد، حيث أن دخول بعض الكتل المستقلة للعملية السياسية والمرتبطة بتشرين، أدى إلى "هزة سياسية" عندما فقدت القوى الشيعية الكلاسيكية الكثير من مقاعدها، مقابل صعود المستقلين والقوى المقربة من تشرين والتي حازت على 30 مقعداً متفرقاً في البرلمان.

 

ويبدو أنه من هنا انطلقت فكرة "الحوافز الانتخابية"، وانطلاقها كان تحديداً من نائب مستقل، حيث يعتقد المستقلون أن مشاركة الـ15 مليون شخص الآخر في الانتخابات البرلمانية، ستؤدي إلى "انقلاب المشهد السياسي"، وإزاحة كاملة للكتل السياسية الكلاسيكية التي تسيطر على المشهد.

 

ويقترح القانون منح الموظفين المدنيين والعسكريين ممن يشارك منهم في التصويت قدماً وظيفياً لمدة ستة أشهر، كما يمنح المصوتين من غير الموظفين أولوية في التعيين، ويُعفى المصوتون العاملون في القطاع الخاص من 10% من الضريبة المستحقة.

 

هل ولد ميتاً؟

 

لكن هذا المقترح ربما يكون "ولد ميتا"، فالبرغم من أن المقاطعين ينقسمون بين أشخاص لديهم موقف سياسي من العملية السياسية لذلك قاطعوا الانتخابات، وآخرين "غير آبهين بما يحدث بالمجمل"، لكن عموماً يمكن وصف هؤلاء بأنهم "نَفَذوا مسبقاً" من فكرة "المكاسب مقابل التصويت"، فالأحزاب السياسية العراقية الكبرى، وطوال السنوات الماضية، كانت تقدم المكاسب والوعود بالتعيينات والأموال والكثير من المكاسب التي يفكر القانون الجديد بتقديمها. 

 

ورغم هذه المكاسب والمغريات المادية التي كانت تقدم طوال السنوات الماضية، لم تنجح جميعها بجذب المقاطعين ودفعهم للتصويت، ما يجعل القانون المقترح، مهدداً بإمكانية التطبيق الفعلي، أو أن ينجح بما فشلت به الممارسات السابقة للقوى السياسية.

 

من جانب آخر، يُظهر هذا المقترح أن النواب الذين بدأوا يفكرون جدياً بأهمية المقترح، ينظرون "للأغلبية الصامتة" على أنها ليست فئات تملك موقفاً سياسياً من العملية السياسية وشخوصها وأحزابها، بل مجرد مواطنين "متكاسلين" عن أداء الواجب.

 

وفي ذات الوقت، فإن أحد أركان المقترح المتمثل بمنح امتيازات للموظفين العسكريين مقابل اشتراكهم في الانتخابات، هو الآخر "مفروغ منه" فالقوات الأمنية التي يفوق عددها المليون عنصر، غالباً ما يكون تصويتهم "إجبارياً"، وفي يوم التصويت الخاص، توضح المشاهد كيف يتم نقل العناصر بالعجلات العسكرية وبقيادة الضباط والآمرين إلى مراكز الاقتراع، في عملية تصويت جماعي.

 

تبدو الأهداف النهائية من المقترح جيدة بالنسبة للفئة الأكبر من الشعب الناقم على العملية السياسية خلافاً للتصور الأول الذي قد يتشكل لديهم من عنوان المقترح، لكن تبقى هناك الكثير من المؤشرات والمؤاخذات على المقترح، من بينها أن الممارسة الانتخابية هي حق شخصي للمواطن، وتقديم محفزات أو مغريات للتصويت ستجعل العملية الديمقراطية "مشوّبة"، لكن في ذات الوقت قد تسقط هذه الإشكالية بالنقاش، عند معرفة أن الحوافز ستعطى لمن يشارك وليس لمن يصوت لكتلة دون أخرى، ما يجعل المقترح "منزهاً" من كونه رشوة، لأنها لن تعطى لهم مقابل منح أصواتهم لجهة سياسية دون أخرى.

 

كما أن إمكانية المشاركة دون منح الأصوات بالفعل للكتل السياسية، بل تسقيط ورقة الانتخابات، ستكون قائمة أيضاً ولن تمنح شيئاً بالنهاية لما يخطط له المستقلون، بالإضافة إلى أن تحدي رفع نسبة المشاركة من قبل "الأغلبية الصامتة" وإمكانية إضرارها بنتائج القوى السياسية الكلاسيكية المسيطرة على المشهد، سيجعل من الصعب موافقة الكتل السياسية الكبيرة على المقترح أو تمريره.

علي الأعرجي صحفي عراقي

نُشرت في الأحد 2 فبراير 2025 01:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.