امتيازات لأحزاب وجهات "خارج السيطرة".. الجوازات الدبلوماسية "تضعف" مكانة العراق دولياً والقيود قادمة

10 قراءة دقيقة
 امتيازات لأحزاب وجهات "خارج السيطرة".. الجوازات الدبلوماسية "تضعف" مكانة العراق دولياً والقيود قادمة تعبيرية

رغم التصريحات الحكومية المتكررة عن تشديد الضوابط وفرض القيود على منح الجوازات الدبلوماسية، إلا أن هذه القضية لا تزال تشكل واحدة من أبرز مظاهر الجدل والانتقاد في العراق، فما كان يُفترض أن يكون رمزاً لهيبة الدولة وأداة لخدمة المصالح الوطنية في الخارج، بات مثار تساؤلات حول الشفافية، والعدالة، وأحياناً حتى شرعية الاستخدام.

 

تزايد أعداد حاملي الجواز الدبلوماسي بشكل لافت، وما يرافقه من اتهامات بالمحاباة والفساد السياسي، حوّل هذه الوثيقة إلى أزمة متواصلة تثير استياء شعبياً واسعاً وتدفع الناشطين إلى المطالبة بإجراءات صارمة تعيد الاعتبار لهذا "الرمز السيادي".

 

وفي (تشرين الأول 2021)، أقر مدير شؤون الجوازات العامة في الوزارة العميد الحقوقي ماجد أحمد، بمنح ما بين 4 آلاف إلى 4200 جواز سفر دبلوماسي خلال عام، مؤكداً أن محصلة الجوازات الدبلوماسية الصادرة هي ما مُنِح لنواب الدورات السابقة والدورات الحالية والاستثناءات الممنوحة حصراً من جانب وزير الخارجية وفقاً للقانون.

 

يذكر أن نائبين في لجنة النزاهة النيابية هما كل من سروة عبد الواحد وهادي السلامي، قدما طلباً للادعاء العام في 2022، لتحريك شكوى قضائية ضد وزير الخارجية بسبب عدم تزويده اللجنة بكشف عن القائمة التي تتضمن حاملي الجوازات الدبلوماسية.

 

وفي وقتها، قالت النائبة سروة في لقاء تلفزيوني، إن جوازات دبلوماسية منحت لـ "موديلز" وعارضات أزياء ومشاهير على تطبيق "تيك توك"، مشيرة إلى أن "الجواز الدبلوماسي العراقي بات بلا أهمية ولا احترام بين دول العالم".

 

تشويه لسمعة "العمل الدبلوماسي"


أثار التوسع في منح الجوازات الدبلوماسية في العراق موجة من الانتقادات الواسعة بين الأوساط الشعبية والناشطين المدنيين، الذين اعتبروا أن هذه الخطوة تسهم في إضعاف مكانة الدولة وتشويه سمعة "العمل الدبلوماسي".


ويقول ناشطون، في حديثهم لمنصة "الجبال"، إن "منح الجوازات الدبلوماسية بشكل مفرط وغير مدروس بات يمثل ظاهرة تقلل من قيمتها الرمزية والدولية، محذرين من أن هذا التوجه يُستخدم أحياناً لمصالح شخصية أو كامتياز سياسي على حساب المصلحة العامة".


ويشير الناشط المدني علي الموسوي، إلى أن "الجواز الدبلوماسي ليس مجرد وثيقة سفر، بل هو رمز يعكس سيادة الدولة وهيبتها في المحافل الدولية، إلا أن العراق، للأسف، شهد توزيعاً واسعاً لهذه الجوازات خارج الأطر الدستورية والمعايير المتعارف عليها عالمياً"، مبيناً أن "هذا الأمر جعل من الجواز الدبلوماسي أداة للامتيازات وليس خدمة للدولة".


يضيف الموسوي، أن "العديد من حاملي الجوازات الدبلوماسية لا يمتلكون أي صفة رسمية أو ارتباط بمهام دبلوماسية حقيقية"، لافتاً إلى أن "هناك تقاريراً تشير إلى منح الجوازات لشخصيات مرتبطة بأحزاب سياسية أو فئات اجتماعية معينة دون الالتزام بمعايير واضحة أو ضوابط صارمة".


بدورها، تعرب الناشطة الحقوقية هدى الساعدي، عن قلقها من التداعيات القانونية والدولية لهذا التوسع، قائلة إن "هناك دولاً بدأت تنظر بعين الريبة إلى الجواز الدبلوماسي العراقي، بسبب كثرة إصداره بطريقة غير مهنية"، موضحة أن "هذا قد يؤدي إلى فرض قيود إضافية على حامليه أو حتى تقييد امتيازاتهم، مما يضر بصورة العراق دولياً".


وفي حديث لمنصة "الجبال"، تشير الساعدي إلى أن "القانون العراقي يحدد الجهات المخولة بمنح الجوازات الدبلوماسية، مثل كبار المسؤولين الحكوميين وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ومع ذلك فإن التوسع الأخير في منحها أثار تساؤلات حول مدى التزام الجهات المعنية بهذه الضوابط".


بينما يقول محمد فؤاد، وهو ناشط مدني أيضاً لمنصة "الجبال"، إن "هذه القضية تسلط الضوء على أوجه الخلل الإداري والفساد في المؤسسات الحكومية"، مشيراً إلى أن "توزيع الجوازات الدبلوماسية بطريقة عشوائية يعكس ضعف الرقابة وغياب المحاسبة، ويعطي انطباعاً بأن المؤسسات العراقية أصبحت أدوات لتحقيق مصالح فئوية ضيقة بدلاً من خدمة المصلحة العامة".


ودعا الناشطون الحكومة والبرلمان إلى "اتخاذ خطوات حاسمة للحد من هذه الظاهرة، مطالبين بتشكيل لجان تحقيقات مستقلة لمراجعة جميع الجوازات الدبلوماسية الممنوحة خلال السنوات الأخيرة، وسحب تلك التي لا تستوفي الشروط القانونية".


ووفقاً لمؤشر "هينلي" لجوازات السفر، فقد احتل جواز السفر العراقي خلال العام 2024 المرتبة 101 عالمياً، بينما احتل المرتبة 104 عالمياً بحسب مؤشر "غايد"، مستنداً إلى حرية التنقل العالمي الذي يتيحه جواز سفر العراق لحامليه، والذين يمكنهم السفر من دون تأشيرة إلى 30 دولة على مستوى العالم.

 

جدل واسع حول التعديلات الجديدة


وقبل أيام قليل، صوت مجلس النواب العراقي، على مقترح قانون التعديل الأول لقانون جوازات السفر رقم 32 لسنة 2015، وفي وقت   حذر فيه عضو اللجنة القانونية النيابية محمد جاسم الخفاجي، في بيان من "تعديل قانون الجوازات"، مؤكداً أن "التعديل الجديد يتضمن الاحتفاظ بالجواز الدبلوماسي من قبل حامليه هم وأسرهم مدى الحياة لا بل يتجاوز الأمر الى إعادته بأثر رجعي.


وفي هذا الصدد، يقول علاء شون، وهو أكاديمي متخصص في مجال القانون لمنصة "الجبال"، إن "قانون الجوازات الحالي لم يكن بحاجة إلى تعديل بهذا الحجم"، مشيراً إلى "وجود قوانين أخرى أكثر أهمية كان ينبغي معالجتها قبل الخوض في تشريع أو تعديل قانون الجوازات".


ويضيف شون أن "هذا التعديل يعد جدلياً، وكان يمكن تجنبه لتفادي إثارة الجدل في الشارع العراقي، خصوصاً أن مثل هذه القوانين تترك أثراً كبيراً على ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة"، مبيناً أن "التعديلات الجديدة تمنح المسؤولين وعائلاتهم جوازات سفر دبلوماسية مدى الحياة، بل وأكثر من ذلك، تمنح الحق لمن لم يحصل على الجواز سابقاً بأن يحصل عليه الآن، وبنفس الامتياز مدى الحياة".


ووفقاً لحديث شون، فإن القانون السابق كان ينص على أن الوزير وحده يحصل على الجواز الدبلوماسي مدى الحياة، ما يعني أن التعديل كان من الأفضل أن يركز على تقنين هذا الامتياز ليقتصر على مدة الخدمة فقط، بدلاً من توسيع دائرة المستفيدين بهذه الطريقة.


الجواز الدبلوماسي، والكلام لشون، يُمنح حالياً بناءً على الدرجة الوظيفية وليس على أساس شخصي، ما يعني أن هذا الامتياز يجب أن ينتهي بانتهاء الوظيفة، معتبراً أن تعديل القانون ليشمل منح الجواز الدبلوماسي مدى الحياة هو إجراء مخالف لروح القانون والعدالة الدستورية، التي تنص على أن العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات.


ويتابع شون قائلاً: "إذا استمر العمل على هذا النحو، فإن الجواز الدبلوماسي سيصبح في متناول الجميع، مما يلغي الحاجة لإصدار الجوازات العادية"، مضيفاً أن "هذه الظاهرة ستؤدي إلى تدهور قيمة الجواز الدبلوماسي العراقي على المستوى الدولي، داعياً الجهات التشريعية إلى مراجعة القانون بشكل دقيق وإجراء التعديلات الضرورية التي تخدم مصلحة الدولة وتعيد لهذا الجواز مكانته الحقيقية".

 

أنواع الجوازات في العراق


وفي العراق تقسم جوازات السفر إلى أربعة أنواع وفق القانون، وهي (الجواز العادي، الجواز الدبلوماسي، الجواز الخاص، وجواز الخدمة)، حيث يمنح جواز السفر العادي للمواطنين العراقيين ويكون نافذاً لمدة 8 سنوات.


ويمنح جواز السفر الخاص للمسؤولين في السلك الإداري ضمن وزارة الخارجية، تحديداً لمن هم في المرتبة السابعة فما فوق، الذين يتم انتدابهم إلى الخارج في مهمات رسمية مؤقتة لا تتجاوز ستة أشهر.


بينما يمنح جواز السفر الدبلوماسي، من قبل رئيس الوزراء أو وزير الخارجية، ويُخصص للوزراء وأعضاء البرلمان والعاملين في السلك الدبلوماسي، وذلك لتسهيل أدائهم للأعمال ذات الطابع المهم والتي تصب في مصلحة الدولة.


أما جواز الخدمة فيُخصص لكبار الضباط في الجيش والشرطة والشخصيات العسكرية والأمنية، ويُمنح عند تكليفهم بمهام رسمية مثل المشاركة في دورات تدريبية، مؤتمرات، أو ورش عمل خارج العراق.


ويحصل حامل الجواز الدبلوماسي على مميزات عدة أبرزها الحصول على حصانة دبلوماسية الأمر الذي يمنع اعتقاله، فضلاً عن منحهم الحق بمواعيد دبلوماسية ولقاءات مسؤولي الدول الأخرى وكبار موظفيها الرسميين، كما يسمح لهم بدخول صالة كبار الزوار داخل المطارات، والتمييز في المعاملة أثناء دخوله المطار أو الدول، فيما توفر شركات الطيران والفنادق خدمات فاخرة لأصحاب هذا النوع من الجوازات.

 

قانون مخالف للدستور


وينص القانون في العراق على منح الجواز الدبلوماسي لرؤساء الجمهورية والحكومة وأعضاء البرلمان، فضلاً عن رئيس مجلس القضاء الأعلى ورؤساء إقليم كوردستان ومجلس وزراء الإقليم، وأصحاب الدرجات الخاصة العاملين في الدولة، مع وجود استثناءات يقرّها حصراً وزير الخارجية أو رئيس الوزراء.

 

في المقابل، يقول الخبير القانوني علي التميمي إن "القانون المعدل يمنح جوازات دبلوماسية لمسؤولين وعائلاتهم مدى الحياة، بالإضافة إلى السماح بمنح الجواز للأبناء وتوريثه، وهو ما يعدّ خرقاً واضحاً للمادة 14 من الدستور العراقي التي تنص على المساواة بين المواطنين، والمادة 15 التي تكفل تكافؤ الفرص".


ويشير التميمي، خلال حديثه لمنصة "الجبال" إلى أن "القانون الدولي، وبالتحديد اتفاقية العلاقات الدبلوماسية لعام 1961، واتفاقية البعثات الدبلوماسية لعام 1969، تنظم منح الامتيازات والحصانة لأعضاء البعثات الدبلوماسية بشكل مؤقت أثناء أداء مهامهم الرسمية فقط"، مستطرداً بالقول إن "هذه الاتفاقيات تُطبق بشكل صارم على أفراد البعثات دون أن تشمل عائلاتهم أو تمنحهم امتيازات دائمة، حيث تسقط الحصانة بمجرد انتهاء المهمة أو مغادرة الدولة المستضيفة".


ويضيف التميمي أن "المادة 29 إلى المادة 36 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 تمنح الحصانة الدبلوماسية للعاملين في السفارات والقنصليات حصراً، مثل السفراء والموظفين الرسميين، ضمن نطاق عملهم الدبلوماسي، أما اتفاقية البعثات الدبلوماسية لعام 1969، تمنح الحصانة المؤقتة لأعضاء الوفود الرسمية، مثل رؤساء الدول والوزراء وأعضاء الوفود، أثناء زياراتهم للدول الأخرى لغرض إتمام مهام محددة مثل توقيع اتفاقيات أو حضور فعاليات دولية".


وفيما يتعلق بتعديل قانون الجوازات العراقي، ويوضح التميمي، أن "القانون الجديد يسمح بإصدار أكثر من جواز دبلوماسي للشخص الواحد ولأفراد عائلته، بما في ذلك الأبناء، ويمدد الامتيازات إلى ما بعد انتهاء الوظيفة، وهو ما يفتح الباب أمام إساءة استخدام هذا الامتياز"، مضيفاً أن "هذا يخالف القواعد المعمول بها دولياً والتي تقصر منح الجواز الدبلوماسي على الموظفين أثناء تأدية عملهم فقط، دون أن يشمل عوائلهم أو يمنح بشكل دائم".


ويختم التميمي، حديثه بالتأكيد على أن "التوسع في منح الجوازات الدبلوماسية قد يضعف قيمتها الدبلوماسية ويثير الشكوك حول مكانة العراق دولياً"، داعياً السلطات العراقية إلى "مراجعة القانون بما ينسجم مع مبادئ الدستور والاتفاقيات الدولية الموقعة من قبل العراق".

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الثلاثاء 28 يناير 2025 03:45 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.