"جثث مخفية وتسميم صامت".. ماذا تعرف عن "جرائم" النساء ضد أزواجهن في العراق؟

11 قراءة دقيقة
"جثث مخفية وتسميم صامت".. ماذا تعرف عن "جرائم" النساء ضد أزواجهن في العراق؟ تعبيرية

في ظاهرة غريبة تشق طريقها بصمت إلى صميم المجتمع العراقي، تبرز سلسلة من ممارسات العنف التي ترتكبها نساء بحق أزواجهن، كاشفة عن عمق المشكلات الاجتماعية والنفسية التي تعصف بالعائلات العراقية خلال السنوات القليلة الماضية، على الرغم من أن العنف ضد النساء، ما يزال هو الأكبر ويشهد تصاعداً كبيراً، وفق العديد من المختصين. 

 

بين جثث تُدفن في الحدائق الخلفية، وحالات تسميم مروّعة، وضربات تنهي الحياة أثناء النوم، تسلط هذه الجرائم الضوء على تصاعد العنف الأسري الذي لم يعد يقتصر على النساء والأطفال، بل امتد ليطال الرجال أيضاً، فما الذي يدفع المرأة إلى ارتكاب هذه الجرائم؟

 

وفي العام 2020، أعربت وكالات الأمم المتحدة في العراق عن قلقها إزاء العدد المتزايد لحالات العنف الأسري خلال وباء فيروس كوفيد-19.

 

حالات من الواقع

 

باتت الجرائم التي ترتكبها نساء بحق أزواجهن في العراق أكثر ظهوراً، لتكشف عن دوافع متباينة وظروف مأساوية دفعت بهذه الحالات إلى الواجهة، هذه الأمثلة ليست سوى غيض من فيض، لكنها تسلط الضوء على ظاهرة تستحق التوقف عندها وتحليل أسبابها.

 

في إحدى محافظات العراق، ادّعت امرأة اختفاء زوجها أثناء خروجه من المنزل حاملاً مبلغاً مالياً كبيراً قُدر 100 مليون دينار، وبعد تحقيقات مكثفة، اعترفت بارتكابها جريمة القتل بمسدس يعود للزوج، بمساعدة أولادها الذين قاموا بسحب الجثة ودفنها في حديقة المنزل.

 

وفي حادثة أخرى، تمكنت وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية العراقية من القبض على زوجة وشخص مأجور خلال أقل من 24 ساعة من العثور على جثة رجل داخل حقيبة سفر مرمية في مكب للنفايات، إذ كشفت التحقيقات تورط الزوجة والمأجور بتنفيذ جريمة القتل التي وصفها المسؤولون بـ "المروعة".

 

وفي العاصمة بغداد، كشفت نتائج تقرير الطب العدلي بعد مرور أربعة أشهر على وفاة رجل بأنه تعرض للتسمم بمادة الزرنيخ، الجريمة التي بدت في البداية وفاة طبيعية، اتضح لاحقاً أن الزوجة هي من دست المادة السامة لزوجها، تفاصيل الحادثة ظهرت بعد إجراءات مطولة للتحقيق وتحليل الأدلة، مما أعاد فتح الجدل حول هذه الظاهرة المتنامية.

 

أما في قضاء تلعفر بمحافظة نينوى، قتلت امرأة تبلغ من العمر 35 عاماً زوجها أثناء نومه مستخدمة مقص الشعر، حيث أظهرت التحقيقات الأولية أنها تعاني من اضطرابات نفسية مثبتة بتقارير طبية، بينما ظلّت دوافع الجريمة مجهولة.

 

وفي محافظة النجف، شهدت منطقة "الحولي" جريمة بشعة عندما أقدمت زوجة على قتل زوجها أثناء نومه بضربه عدة مرات على رأسه بوعاء ماء زجاجي (دولكة)، الزوجة اعترفت بأن المشاكل العائلية المتراكمة دفعتها إلى ارتكاب الجريمة، ما أضاف فصلاً آخر مأساوياً إلى هذه السلسلة من الجرائم.

 

وتصدّر إقليم كردستان على مدار السنوات الماضية المحافظات بأعلى الحالات، الأمر الذي أكده اتحاد الرجال في كوردستان في بيان وأشار إلى أن "حالات العنف ضدّ الرجال بلغت ابتداء من عام 2014 حتى نهاية 2020، ما مجموعه 3797 حالة، وبلغت حالات الانتحار 568، فيما وصل عدد الرجال الذين قتلوا من قبل زوجاتهم نحو 42 رجلاً".

 

إحصائيات حكومية غير دقيقة

 

ويكشف المحامي المتخصص في شؤون الأسرة، محمد جمعة، عن تصاعد مظاهر العنف في المجتمع العراقي خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن المجتمع بات يتسم بمستوى غير مسبوق من الجرأة في ارتكاب الجرائم والعنف الأسري.

 

ويقول جمعة، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "هذه المؤشرات المقلقة ترتبط بمجموعة من العوامل، أبرزها ضعف سلطة الدولة، هيمنة العشيرة والقبيلة على حساب القانون، وغياب الثقة بنظام العدالة".

 

ووفقاً لحديث جمعة، فإن العنف أصبح وسيلة رئيسة لحل النزاعات في ظل هذا التحول الخطير، حيث تسجل المحاكم والمراكز القضائية يومياً حالات تتجاوز ما كان مألوفاً في السابق من جرائم وتعنيف بين أفراد الأسرة وحتى بين المجتمع عامة ومنذ سنوات، لم نشهد مثل هذه الجرأة في ارتكاب الجرائم.

 

ويشير المحامي العراقي، إلى أن تأثير العادات والتقاليد الراسخة في المجتمع العراقي زاد من تعقيد ظاهرة العنف، حيث يواجه العديد من الضحايا تحديات في التبليغ عن تعرضهم للعنف، وخاصة الرجال الذين غالباً ما يتجنبون الإفصاح خوفاً من تأثير ذلك على مكانتهم الاجتماعية"، مؤكداً أن "بعض الحالات تُسجل بشكل مضلل، حيث يقدم الطرف المعتدي بلاغاً كاذباً لتجنب تبعات الشكوى المقدمة ضده، مما يؤدي إلى تشويه الإحصائيات وعدم دقتها".

 

ويتابع جمعة حديثه قائلاً إن "ما يتم الإبلاغ عنه من حالات تعنيف ضد الرجال غالباً ما يكون نتيجة رد فعل على شكوى مقدمة من الزوجة، إذ يسعى الزوج المعتدي لتقديم دعوى مضادة لتخفيف المسؤولية القانونية عنه"، مبيناً أن "هذه الممارسات تؤدي إلى ضبابية في فهم الظاهرة، وإلى تزايد حالات التعنيف غير المبلغ عنها".

 

وبحسب دراسة أجرتها الحكومة العراقية العام الماضي، فإن عدد الإناث اللواتي تعرضن للعنف الأُسري أعلى من الذكور، فكانت نسبة الاعتداء على الإناث 73%، فيما بلغت نسبة الذكور المتعرضين للعنف الأسري 27% ضمن احصائيات الدعاوى المسجلة.

 

وتخلص الدراسة إلى أن أكثر أنواع العنف شيوعاً هو العنف الجسدي، وقد بلغت نسبته 43%، بينما كانت أقل نسبة هي الاعتداء الجنسي حيث بلغت 16%.

 

دور المجتمع المدني

 

وفيما يتعلق بدور المجتمع المدني، شدد جمعة على ضرورة أن تتبنى المنظمات المدنية دوراً أكبر في التصدي لهذه الظاهرة. وبيّن أن المجتمع المدني عليه مسؤوليتان أساسيتان: الأولى: التوسط بين الضحية والجهات الحكومية، لضمان تحقيق العدالة وتيسير وصول المتعرضين للعنف إلى الهيئات المعنية بمتابعة قضاياهم. والثانية: نشر الوعي المجتمعي بأهمية الإبلاغ عن حالات العنف، مع التأكيد على أن التبليغ لا يؤثر على مكانة الضحية في المجتمع.

 

ويختتم جمعة حديثه بالتأكيد على أن "معالجة هذه الظاهرة تتطلب تعزيز ثقة المواطنين بالقانون، وتكثيف جهود المجتمع المدني لنشر الوعي، مع ضرورة محاربة ثقافة العنف المتجذرة في بعض العادات والتقاليد".

 

وفي العام 2024، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، تسجيل قرابة 14 ألف دعوى عنف أُسري خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، معتبرة أن هذا الرقم "بسيط" مقارنة مع تعداد السكان في البلاد والذي يصل إلى نحو 44 مليون نسمة.

 

ووفقاً للمتحدث باسم الوزارة، العميد مقداد ميري، الذي تحدث خلال مؤتمر صحفي، فقد سجل العراق خلال فترة الأول من شهر كانون الثاني/ يناير ولغاية الأول من شهر آيار/ مايو من العام 2024 أكثر من 13 ألفاً و857 دعوى عنف أسري.

 

أسباب وحلول بشأن "الظاهرة"


ووفقاً لحديث بعض المعنفين "من الرجال"، فإن حالات العنف التي تعرّض لها الرجال، تنوعت ما بين العنف الجسدي والنفسي والجنسي بالإضافة إلى الضرب والطرد من البيت والخيانة الزوجية مع تدخل أقرباء الزوجة في العلاقة الزوجية ومنع الزوج من رؤية الأطفال.

 

ويقول باحثون اجتماعيون، خلال حديثهم لمنصة "الجبال"، إن "ظاهرة العنف ضد الرجال في العراق أصبحت مشكلة متزايدة تستدعي تسليط الضوء عليها ومعالجتها بشكل جدي"، فيما أوضحوا أن "العنف ضد الرجال لا يقتصر على العنف الجسدي فحسب، بل يشمل أيضاً العنف النفسي والاقتصادي الذي يتعرض له الرجال داخل الأسرة أو في بيئات العمل".

 

ويشير الباحثون، إلى أن "هناك عدة أسباب وراء انتشار هذه الظاهرة في المجتمع العراقي، أبرزها الأوضاع الاقتصادية، والعادات والتقاليد، فضلاً عن التحولات الاجتماعية وضعف الدعم النفسي"، مبينين أن "الحد من انتشار هذه الظاهر يحتاج إلى إطلاق حملات توعية لتعزيز الوعي بمفهوم العنف ضد الرجال وأشكاله من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية".

 

بالإضافة إلى تطوير التشريعات، كما يقول الباحثون، الذين أكدوا "لابد من الدعم النفسي والاجتماعي من خلال إنشاء مراكز استشارية تقدم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للرجال المتضررين وتعزيز ثقافة الحوار عبر تشجيع أفراد الأسرة على تبني أسلوب الحوار".

 

ويختم الباحثون بدعوتهم على تشجيع المجتمع على كسر حاجز الصمت المحيط بموضوع العنف ضد الرجال، مؤكدين أن "معالجة هذه الظاهرة سيساهم في بناء مجتمع أكثر تماسكاً واستقراراً".

 

ويقول مدير مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري في وزارة الداخلية، اللواء عدنان حمود سلمان، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية وتابعته منصة "الجبال"، إن "معدل حالات اعتداء الزوج على الزوجة ضمن ظاهرة العنف الأسري في العام 2023، بلغ 57% من إجمالي الحالات، أما اعتداء الزوجة على الزوج فقد بلغت نسبته 17%‎ واعتداء الأبوين على الأطفال وصلت نسبته إلى 6% والاعتداء على كبار السن كالجد والجدة بلغ 2%‎ وما تبقى نسبته 18%".

 

أين قانون العنف الأسري في العراق؟

 

سبق أن أقرّت الحكومة في العام 2020، مشروع قانون مناهضة العنف الأسري داخل مجلس الوزراء وأرسلته إلى البرلمان العراقي الذي لم يتمكن من إقراره لسنوات عديدة وسط تجاذبات وصراعات من قبل الكتل السياسية المتنفذة تنطلق من أيديولوجيات دينية.

 

وفي هذا الصدد، يقول علي التميمي، الخبير في الشؤون القانونية، لمنصة "الجبال"، إن "ظاهرة العنف الأسري تشهد تصاعداً مقلقاً في العراق، لتصبح أزمة اجتماعية تهدد بنية الأسرة والمجتمع، في ظل غياب تشريع قانوني واضح لحماية الضحايا، تتفاقم معاناة الأطفال والنساء وحتى الرجال ما يدعو إلى نقاش جاد حول الحاجة لتشريع قانون الحماية من العنف الأسري".

 

وبحسب التميمي، فإن المادة 41 من قانون العقوبات العراقي تمثل إحدى أبرز العقبات أمام تحقيق العدالة في قضايا العنف الأسري، إذ تتيح هذه المادة للزوج، الآباء، والمعلمين ممارسة "حق التأديب" في حدود الشرع والقانون، لكنها تترك مجالاً واسعاً للتفسير الخاطئ، ما يؤدي إلى استغلال النص وإفلات مرتكبي العنف من المحاسبة، وعلى الرغم من الطعون المقدمة لإلغاء هذه المادة باعتبارها مخالفة للدستور العراقي، رفضت المحكمة الاتحادية تلك الطعون.

 

على الصعيد الدولي، والكلام للتميمي، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من تزايد حالات العنف الأسري في العراق، لا سيما ضد الأطفال، خاصة بعد جائحة كورونا التي فاقمت سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

 

ويضيف أن "القوانين العراقية تحتوي أيضاً على مواد تمييزية بين الرجل والمرأة، مثل المادة 377 التي تعاقب الزوجة على الزنا سواء داخل المنزل أو خارجه، بينما يُحاسب الزوج فقط إذا زنا في المنزل، كذلك المادة 409 تخفف العقوبة على الزوج في جرائم (غسل العار)، بينما تُشددها على الزوجة"، معتبراً أن "هذه النصوص لا تتعارض فقط مع مبادئ العدالة والمساواة بل تناقض أيضاً الشريعة الإسلامية التي ترفض التمييز".

 

ويرى الخبير العراقي أنه "مع استمرار هذه الظاهرة، أصبح من الواضح أن تشريع قانون الحماية من العنف الأسري لم يعد خياراً، بل ضرورة لحماية الأسرة، وإنقاذ الأطفال والنساء والرجال من دوامة العنف، والالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق الإنسان".

 

وتنص المادة 41 من قانون العقوبات العراقي، على "لا جريمة إذا وقع الفعل (الضرب) استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً".

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في السبت 18 يناير 2025 01:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.