"إيران هي المستفيد والمسيطر".. هل تتحول صفقة الغاز مع تركمانستان إلى عبء جديد على العراق؟

9 قراءة دقيقة
"إيران هي المستفيد والمسيطر".. هل تتحول صفقة الغاز مع تركمانستان إلى عبء جديد على العراق؟ حقل بترول في العراق/ تعبيرية

تتجه الأنظار إلى صفقة استيراد الغاز التركمانستاني عبر إيران، والتي أثارت جدلاً واسعاً بشأن جدواها الاقتصادية وأبعادها السياسية خصوصاً وأنها أدخلت إيران كطرف مهم في العملية، بالإضافة إلى أن العراقيين يبحثون عن حلول سريعة لأزمة الكهرباء، وفي كل صيف تعاد المعاناة مع الحرارة الشديدة. 

 

يواجه العراق تحديات كبيرة لضمان استقرار تدفق الغاز، مع تسريبات تتحدث عن "أنابيب متهالكة" وأجور ترانزيت مرتفعة تُفرض لصالح إيران، وسط مخاوف من تحكم طهران الكامل بهذه الإمدادات الحيوية، وإمكانية استغلالها كورقة ضغط سياسي في أي وقت.

 

وفي (19 تشرين الأول 2024)، وقعت وزارة الكهرباء اتفاقية مع تركمانستان لتوريد الغاز إلى العراق بكميات تصل إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، فيما أشارت إلى أن شركة "لوكستون إنرجي" السويسرية ستورد الغاز من تركمانستان للعراق عبر شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية باستخدام آلية المبادلة لتيسير النقل.

 

يذكر أن رئيس مجلس محمد شياع السوداني قد رعى، في (7 تشرين الأول 2024)، توقيع مذكرة تفاهم لاستيراد الغاز من تركمانستان، بينما قال السوداني في وقتها إن "هذه الخطوة تندرج ضمن رؤية حكومته لتنويع مصادر الطاقة بهدف ضمان استمرارية إنتاج الكهرباء في البلاد".

 

إيران هي المسيطرة على الصفقة

 

ويقول فرات الموسوي، مدير مركز العراق للطاقة، في حديث لمنصة "الجبال" إن "العراق يعاني من أزمة كهرباء خانقة منذ ديسمبر الماضي، نتيجة انقطاعات واسعة النطاق في التيار الكهربائي، حيث تعود الأزمة بشكل رئيس إلى توقف إمدادات الغاز الطبيعي من إيران وانخفاض إنتاج الغاز المحلي، ما أدّى إلى تعطل العديد من محطات توليد الطاقة، لا سيما في العاصمة بغداد".

 

ويضيف الموسوي أن "العراق يعتمد بشكل كبير على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، حيث تزود إيران البلاد بنحو 50 مليون متر مكعب يومياً، ما يغطي حوالي ثلث احتياجات العراق من الطاقة، لكن هذا الإمداد لا يكفي لتلبية الطلب المتزايد، خاصة خلال موجات البرد الشديدة والحرارة العالية في فصل الصيف".

 

في المقابل، والكلام للموسوي، لا يزال العراق يواجه تحديات في زيادة إنتاج الغاز المحلي، إذ تتطلب خطط تطوير هذا القطاع سنوات إضافية بسبب تأخر استكمال جولات التراخيص، والتي من المتوقع أن تؤتي ثمارها بعد نحو ثلاث سنوات.

 

وفي ظل الأزمة، لجأ العراق إلى تنويع مصادره عبر توقيع اتفاقيات جديدة مع تركمانستان، ففي أكتوبر 2023، وقّعت بغداد اتفاقاً لجلب الغاز التركمانستاني عبر إيران، وفي أكتوبر 2024 أعلنت عن صفقة جديدة لاستيراد 10 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً في الشتاء و20 مليوناً في الصيف، باستخدام آلية المبادلة (SWAP) عبر شبكة الأنابيب الإيرانية، وفقاً لحديث الموسوي.

 

ويتابع الموسوي حديثه قائلاً إن "هذه الاتفاقية توفر حلاً مؤقتاً، إلا أنها تزيد من اعتماد العراق على شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية، حيث يتم استقطاع 30% من الغاز التركمانستاني لصالح إيران كأجور ترانزيت".

 

فيما يرى خبراء أن استمرار الاعتماد على الغاز الإيراني والتركيز على صفقات غير متنوعة قد يزيد من هشاشة أمن الطاقة في العراق، مؤكدين أن هذه الاتفاقيات تعزز النفوذ الإيراني في العراق وتجعل أمن الطاقة أكثر عرضة للتقلبات السياسية، في وقت يجب أن تسعى البلاد لتطوير مواردها الوطنية وتنويع مصادرها من الغاز.

 

ومع استمرار التحديات، يواجه العراق حاجة ماسة إلى وضع استراتيجية شاملة تستهدف زيادة إنتاج الغاز المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد لضمان استقرار الطاقة في المستقبل.

 

ودائماً ما تتوقف إمدادات الغاز من إيران لأسباب عديدة بينها سوء الأحوال الجوية أو تأخر بغداد في أرسال المستحقات المالية، حسب تصريحات الحكومة الإيرانية، الأمر الذي يؤثر سلباً على تجهيز الطاقة في عموم مناطق العراق.

 

أنابيب متهالكة والعراق في خطر

 

وبحسب التقديرات فإن العراق يستورد العراق نحو 70 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني في اليوم لتغذية محطات توليد الكهرباء في البلاد، بهدف توليد نحو 5000 ميغاواط من الكهرباء وبتكلفة تقدر بـ 4 مليارات دولار سنوياً.

 

ويقول مصدر مسؤول في وزارة النفط العراقية، إن "هناك مخاوف جدية بشأن التكلفة والاعتمادية في صفقة استيراد الغاز التركمانستاني عبر شبكة الأنابيب الإيرانية، والتي تم الاتفاق عليها مؤخراً"، مبيناً أن "الصفقة رغم أهميتها في تخفيف أزمة الكهرباء، قد تواجه تحديات تقنية وسياسية واقتصادية تجعل الاعتماد عليها محفوفاً بالمخاطر".

 

وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن نفسه، أن "تكلفة استيراد الغاز التركمانستاني ستكون مرتفعة بشكل ملحوظ، نظراً لأن إيران ستقتطع 30% من الغاز التركمانستاني المار عبر أراضيها كرسوم ترانزيت".

 

ووفقاً للمصدر، فإن هذه العمولة المرتفعة تجعل العراق يدفع ثمناً باهظاً مقارنة بمصادر بديلة قد تكون أقل تكلفة وأكثر استقراراً على المدى الطويل، مشيراً إلى أن شبكة أنابيب الغاز بين تركمانستان وإيران قديمة ومتهالكة، ما يزيد من احتمالية توقف الإمدادات في أي وقت بسبب أعمال الصيانة أو الأعطال الفنية.

 

"هذه البنية التحتية غير المحدثة قد تضع العراق في موقف صعب، خاصة خلال فترات الذروة، حيث يصبح أي تعطل كارثياً بالنسبة لمحطات الكهرباء"، بحسب تعبير المصدر.

 

ويشير المصدر إلى أن "إيران ستكون المتحكم الرئيس بوصول الغاز التركمانستاني إلى العراق، حيث تمتلك طهران شبكة الأنابيب التي تُستخدم لنقل الغاز، مما يضع العراق في موقف يعتمد بشكل كبير على قرارات الجانب الإيراني"، مؤكداً أن "هناك قلقاً حقيقياً من إمكانية استخدام إيران هذه السيطرة لأغراض سياسية، أو التحجج بظروف مناخية أو تقنية لوقف الإمدادات في أي وقت".

 

كما يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، في تصريح صحفي إن "إيران هي المستفيد الأول من الاتفاقية، كما أن تكلفة استيراد الغاز التركمانستاني ستكون أغلى من الإيراني بحكم المسافة ووجود فرق تعرفة مرور الغاز، وإن كانت بقيم بسيطة مثل السنتات"، مبيناً أن "تلك السنتات قد تجعل غاز تركمانستان أغلى من الإيراني بنحو 15 – 20%".

 

وتشير دلالات هذه الاتفاقية، وفقاً للمرسومي، إلى أن الاكتفاء الذاتي من الغاز العراقي يحتاج مديات زمنية أطول مما أعلنته الحكومة والذي حددته عام 2027 لاستثمار كل الغاز.

 

لكن وزارة الكهرباء في نهاية الشهر الماضي، نفت ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من "مزاعم وادعاءات مغلوطة" حول اتفاقية الغاز مع تركمانستان، مبينة أن العقد لم يدخل حيز التنفيذ بعد، حيث لا تزال المفاوضات جارية بشأن تحديد الشركة الوسيطة التي تضمن وصول الغاز التركمانستاني إلى العراق دون انقطاع.

 

انتقادات لاذعة

 

سبق أن وافقت الولايات المتحدة الأميركية في العام 2023، على إصدار إعفاء العراق من دفع أموال إلى إيران مقابل إمدادات من الكهرباء رغم العقوبات الاقتصادية المشددة التي فرضتها واشنطن على طهران منذ سنوات.

 

ويرى خبراء الطاقة، خلال حديثهم لمنصة "الجبال"، أن "استيراد الغاز من تركمانستان، سيكلف البلاد مبالغ ضخمة نتيجة نفقات النقل والعبور، بالإضافة إلى سعر شراء الغاز"، مؤكدين أن "العراق يمكنه توجيه هذه الأموال نحو استثمارات داخلية لتطوير حقول الغاز المحلية وإنشاء بنية تحتية تعزز من إنتاج الغاز المصاحب والحر".

 

وبحسب الخبراء، فإن العراق يمتلك احتياطيات غاز هائلة غير مستغلة، لكنه بدلاً من تطوير هذه الموارد، يلجأ إلى حلول خارجية مكلفة تؤثر على اقتصاده وتزيد من الاعتماد على الخارج، مبينين أن "العراق ينتج كميات كبيرة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط، لكنه لا يستفيد منها بالشكل المطلوب، حيث يتم حرق نسبة كبيرة منه في عمليات الإنتاج".

 

كما يؤكد بعض الخبراء أن "استيراد الغاز التركمانستاني قد يؤخر الجهود الرامية لتطوير صناعة الغاز في العراق، حيث إن الاعتماد على الواردات غالباً ما يؤدي إلى تقليص الحافز للاستثمار المحلي"، معتبرين أن "الاستثمار في الغاز المحلي قد يخلق فرص عمل جديدة ويعزز الاقتصاد الوطني على المدى الطويل، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بالاعتماد على الغاز المستورد".

 

في ظل هذه الانتقادات، يدعو الخبراء الحكومة العراقية إلى "إعادة النظر في سياسات استيراد الغاز، ووضع استراتيجيات واضحة لتطوير القطاع المحلي بما يحقق الاكتفاء الذاتي. وأكدوا على أهمية العمل على بناء".

 

ونشرت صحيفة "تايمز أوف آسيا الوسطى"، تقريراً مفصلاً عن اتفاق العراق مع تركمانستان، مؤكدة أن الدولتين لا ترتبطان بأي خطوط أنابيب، لهذا فان تركمانستان ستشحن ما يصل إلى 10 مليارات متر مكعب من الغاز إلى إيران التي ستقوم بدورها بشحنه إلى العراق.

 

وفي نفس التقرير، أشارت الصحيفة إلى وجود خطين للأنابيب يربطان حقول الغاز في تركمانستان بشمال ايران، أولهما خط الأنابيب كوربيجي-كوردكوي بطول 200 كيلومتر الذي أطلق في العام 1997، والثاني هو خط أنابيب دولت اباد - ساراخس - خانجيران الذي أطلق في كانون الثاني 2010.

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الأربعاء 15 يناير 2025 02:40 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.