كشفت مؤسسة الشهداء، تفاصيل عمليات البحث والتنقيب عن المقابر الجماعية في العراق، لافتة إلى "وجود آلاف الرفات"، مؤكدة أنها ستسلم رفات مقبرة "تل الشيخة" في السماوة إلى الطب العدلي اليوم لغرض إجراء المطابقة عليها.
وفي حديث للوكالة الرسمية، أوضح مدير عام المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء، ضياء كريم، اليوم، أن "في أواخر عام 2018 تم الإعلان عن اكتشاف مقبرة جماعية في منطقة تل الشيخة من قبل مكتب رئيس الجمهورية حينها، بعدها توجهت الفرق الفنية المتخصصة التابعة لمؤسسة الشهداء إلى الموقع وتم تقييم الموقع، وفعلاً كانت آثار مقبرة جماعية موجودة هناك".
وأضاف أنه "تم فتح القبر الأول في تموز عام 2019، وكان بمساحة مترين في 16 متراً، جميع الضحايا هم من النساء والأطفال، وبلغ عدد الضحايا منه 172 ضحية"، مبيناً أنه "خلال العمل تم تحليل الصور الجوية للمنطقة بشكل كامل في تل الشيخة، وتم تشخيص بعض المتغيرات على سطح التربة".
خنادق اختبارية
وقال مدير المسؤول عن المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء إنه "تم إجراء خنادق اختبارية، عثرنا خلالها على مقبرتين أخريين بالاضافة إلى وجود مواقع أخرى ما زلنا بصدد إجراء التقييم الفني لها"، مشيراً الى أن "كوادر المؤسسة باشرت قبل 8 أيام بفتح أحد القبرين المؤكدين، وتم الإعلان بشكل رسمي عن الانتهاء من أعمال التنقيب وليس رفع الرفات، لأن الرفات أصبحت واضحة وبشكل جاهزة للرفع وستكون هناك أعمال رفع تبدأ من صبيحة اليوم الاثنين".
وأوضح كريم أن "الرفات جميعها ظهر أنها لنساء وأطفال حيث يرتدي الضحايا الزي الكوردي وتعود إلى ثمانينيات القرن الماضي"، منوهاً بأن "مساحة القبر تكاد تكون مقاربة للمساحة السابقة التي هي 2 متر في 16 متراً وعمق لا يزيد على متر وربع المتر، حيث النساء يرتدين الزي الكردي الربيعي مما يدل على أن عملية الإعدامات كانت في فصل الربيع".
وأشار الى أن "عملية القتل تمت في ذات الحفرة، إذ تم ضبط أظرفة فارغة وظهور آثار إطلاق رصاص نارية على الضحايا"، مؤكداً أن "العمليات أصبحت كاملة من قبل فريق مؤسسة الشهداء وفريق الطب العدلي وبدعم من اللجنة الدولية لشؤون المفقودين ICMB، وهناك دعم مباشر من قبل رئيس مؤسسة الشهداء أيضاً".
وتابع: "ستبدأ عمليات رفع الرفات، اليوم الإثنين، بعد الانتهاء من عمليات الحفر"، مؤكداً أنه سيتم صرف الحفار إلى إحداثيات أخرى وفحص المتغيرات لغرض العثور على مقابر أخرى".
قانون المقابر الجماعية
في نفس السياق، قال كريم إن " قانون المقابر الجماعية رقم 5 لسنة 2006، كان يسري فقط على مقابر ضحايا جرائم حزب البعث، إلا أن الظروف التي مر بها العراق بعد 2003 وما شهده من حرب طائفية من قبل القاعدة وداعش دفعنا إلى تعديل القانون كي يتسع نطاق سريانه فيشمل المقابر التي حصلت بعد عام 2003"، مبيناً أنه "بموجب القانون فإن مؤسسة الشهداء ملتزمة بالبحث والتحري عن مواقع المقابر الجماعية وتثبيتها فضلاً عن أخذ عينات دم من عوائل المفقودين مقابل نماذج عظمية لإجراء المطابقة والتحديد لهوية الضحايا، وهذا ما يهدف إليه القانونين بتحديد هوية الضحايا وإعادتهم لذويهم، سواء كانت مقابر حزب البعث أو ضحايا داعش الإرهابي".
ونوّه: "عدد الرفات المستخرجة حتى الآن تقدّر بالآلاف سواء من جرائم حزب البعث أو سبايكر أو سنجار أو الموصل أو بادوش".
وبحسب كريم، ووفقاً لآثاريين وحقوقيين وأطباء عدليين ومصورين جنائيين وكيمياويين يعملون ضمن فرق البحث والتنقيب، فإن "النظام المباد كان يَجهِز على الضحايا من القومية الكوردية في المثلث الصحراوي ما بين السماوة والنجف والديوانية. وبالنسبة للضحايا الشيعة كان يقتلهم في منطقة الصقلاوية.. هذا كان منذ بداية الثمانينيات ولغاية الانتفاضة الشعبانية"، حيث لفت كريم إلى أنه "بعد الانتفاضة الشعبانية أصبح قتل العوائل في محافظتهم، أما الكورد فكانت عمليات قتلهم تنفذ وفق نموذجين، الأول البرزانيون يُقتلون في منطقة (أبوصية) أو (العفايف) المنطقة المحاذية للحدود السورية، بينما جماعة الاتحاد الوطني كانت عملية قتلهم في منطقة (نقرة السلمان) و(تل الشيخة)".
تحديات
أشار مدير شؤون المقابر الجماعية في حديثه الى أن "التحديات التي تواجه عمليات الاكتشاف والفريق كثيرة، منها على مستوى الكشف عن المقابر، إذ كان يفترض أن تكمل جميع التحقيقات وكشف الدلالة للجناة في النظام المباد ومن ثم الوقوف على هذه المواقع وتحديدها ومن ثم إشراك كوادرنا في عمليات كشف الدلالة والتعاون مع الجهات القضائية، إضافة الى الصور الجوية لكن بعضها محجوبة خصوصاً في فترة سيطرة داعش حيث حجبت بعض الصور الجوية من المواقع. فضلاً عن ذلك الكلفة المالية الكبيرة للحصول على بعض الصور الجوية من أيرباص أو ما شاكل ذلك، وهذا مكلف جداً بل حتى بعضهم يعزفون عن تزويدنا في هذه الصور".
وتعتبر "الفترة الزمنية الطويلة أيضاً من المؤثرات في موضوع الوصول لبعض المواقع، خصوصاً المواقع التي تقع بعمق الصحراء، فضلاً عن وجود تحديات على مستوى فرق البحث إذ أن بعضهم يعانون من الأمراض نتيجة التلامس المباشر مع الرفات لاسيما غير المتفسخة التي بعد 2003"، كذلك الصعوبة البيئية لوجود المقابر في مناطق نائية أو في مناطق ما زالت تشهد خروقات أمنية"، حسب قول كريم، هذا فضلاً عن "الخطورة الناجمة عن لدغات الأفاعي والعقارب خصوصاً بعض المناطق فيها الكثير من هذا النوع من الزواحف".
ومضى كريم بالقول: "هناك مشاكل أخرى تتعلق بالدعم المالي للفئة التي تعمل على فتح المقابر، حيث هناك تشكيلين: الأول من مؤسسة الشهداء والآخر من الطب العدلي، فكوادر الطب العدلي تأخذ مخصصات تصل لـ 200% بينما تحصل كوادر مؤسسة الشهداء على مخصصات تبلغ 50% وهذا يشكل إحباطاً، خصوصا بالنسبة للـ 50% قياساً للراتب الذي هو قليل جدا".
كوادر شبابية
واسترسل كريم في حديثه قائلاً: "نحن كدائرة ليست جاذبة للعمل، استحصلنا موافقة رئيس الوزراء على رفد الدائرة بكوادر شبابية، لأن العمليات التي تقوم بها صعبة جداً"، مشدداً على "ضرورة أن يكون هنالك اهتمام بمعدل أعمال الفريق، لقد عملنا على الفريق الحالي منذ عام 2008 وتم زجه في تدريبات بدول البوسنة والهرسك وأستراليا وأصبح يشار له بالبنان".
نصب تذكارية للضحايا
وبخصوص إقامة شواخص رمزية أو نصب تذكارية للضحايا، بين كريم أنه "توجد مديرية خاصة تسمى مديرية تخليد الضحايا، إضافة إلى دائرة العلاقات والإعلام التي رسمت خطة متكاملة لعمليات إقامة الشواخص والنصب في مواقع المقابر الجماعية"، منوهاً لأنه "قبل فترة تم فتح مقبرة (بئر علو عنتر) في الموصل، وتمت زيارة الموقع وتحديده بالشراكة مع الحكومة المحلية وأهالي ووجهاء المنطقة، وبالتالي هم يتفقون الآن على التصميم الذي تراعى به كافة الأذواق وكافة الأطياف الموجودة بهذه المنطقة".
لفت كريم إلى أن "السياسة التي تعتمدها المؤسسة في إقامة النصب والشواهد في كل مقبرة يتم فتحها، فهي مستعدة لإجراء إحداثية وبالتالي إنشاء النصب "، مبيناً أن "جميع الرفات التي تم رفعها ستسلم اليوم إلى كوادر الطب العدلي المرافقة لفرقنا، وهي بدورها ستنقل الرفات لما تسمى بالمشرحة الجافة في الطب العدلي، حيث ستتم عمليات التصنيف وأخذ نماذج عظمية من كل رفات لمطابقتها مع نموذج الدم لتحديد هوية الضحايا".