تعد قضية الديون الداخلية والخارجية واحدة من أبرز الملفات الاقتصادية التي تواجه الحكومة العراقية، حيث تشكل هذه الديون تحدياً يتطلب إدارة حذرة ورؤية لضمان استقرار الاقتصاد الوطني في المستقبل.
رغم أن الدين الخارجي ليس بالأرقام الكبيرة وفقاً للرواية الحكومية إلا أن الدين الداخلي، الذي يتجاوز 45 مليار دولار، يمثل عبئاً مختلفاً كونه مرتبطاً بمؤسسات حكومية محلية مثل المصارف والبنك المركزي.
ومع التزام الحكومة بتسديد جزء كبير من هذه الديون خلال العام الحالي، تبقى التساؤلات قائمة حول تأثير هذا الملف على النمو الاقتصادي، والاستثمارات، وقدرة البلاد على تحقيق التوازن بين الوفاء بالتزاماتها المالية ودفع عجلة التنمية.
ديون العراق وصلت إلى 65 مليار دولار
بيان سابق لصندوق النقد الدولي، جاء فيه أن "الاختلالات الداخلية في العراق تفاقمت بسبب التوسع المالي الكبير وانخفاض أسعار النفط"، مشيراً إلى أن "العراق بحاجة لتصحيح أوضاع المالية العامة تدريجياً لتحقيق الاستقرار في الديون على المدى المتوسط وإعادة بناء الاحتياطيات المالية".
كما حث الصندوق، العراق، مؤخراً على زيادة الإنفاق الرأسمالي وزيادة الإيرادات غير النفطية، عبر إصلاح قطاع الكهرباء، والجبايات وفرض ضرائب جديدة وغيرها.
ويقول مصدر حكومي رفيع، مقرب من رئيس مجلس الوزراء، لمنصة "الجبال" إن "الدين الخارجي للعراق يشكل أقل من 30% من الناتج المحلي الإجمالي"، مشيراً إلى أن "هذه نسبة جيدة جداً وهي قليلة وفقاً للنسبة المعيارية والآمنة المحددة بـ 60% وفق معايير الاتحاد الأوروبي".
وحسب المصدر، فإن الحكومة العراقية تعمل وفق خطة محكمة لتسديد هذه الديون، حيث سيتم تسديد ما يقارب ثلث الدين الخارجي خلال العام 2024، وأوضح أن الدين الداخلي يتجاوز 45 مليار دولار، ويمثل الجزء الأكبر من إجمالي الديون.
يشير المصدر، الذي اشترط عدم الكشف عن أسمه، إلى أن "98% من الدين الداخلي عبارة عن ديون بين الحكومة، المصارف الحكومية والأهلية، مع البنك المركزي العراقي، ووزارة المالية"، مضيفاً أن "الحكومة تركز بشكل خاص على الدين الخارجي، نظراً لأهميته في العلاقات الاقتصادية الدولية، وهي ملتزمة بتسديده وفق جدول زمني محدد".
وأكد المصدر في ذات الوقت أن "الحكومة وضعت خططاً مستقبلية، في إطار برنامجها الحكومي لتسوية الديون الداخلية والخارجية، بصورة لا تشكل أي عبء على الاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة"، مبيّناً أن "هذه السياسات تعكس التزام العراق بإدارة ملف الديون بكفاءة عالية، بما يعزز استقراره المالي ويدعم التنمية المستدامة".
وفي وقت سابق من العام الجاري، أقرّ مجلس الوزراء توصية المجلس الوزاري للاقتصاد (24207) لسنة 2024، المتضمنة إقرار توصية لجنة الأمر الديواني 23942، المتعلقة بالديون الخارجية، حيث تضمنت التوصية قرارات عديدة أبرزها إلغاء القروض المتلكئة بقيمة 1.05 مليار دولار، واستكمال المشاريع المهمة من مصادر التمويل الحكومية.
كما تضمنت القرارات إلغاء طلبات اقتراض بقيمة 5.8 مليار دولار، لمشروعَي تحلية مياه البصرة، والقطار المعلّق. وتمويل المشروع الأول من موازنة تنمية الأقاليم، والمشروع الثاني بطرحه للاستثمار. فضلاً عن تخفيض الدين العام الخارجي الحالي البالغ 10.5 مليارات دولار، إلى 8.9 مليارات دولار.
العراق قادر على الإيفاء بالديون
عضو اللجنة المالية النيابية في مجلس النواب، جمال كوجر، كشف في وقت سابق أيضاً عن وجود معلومات لدى البرلمان تفيد بأن "الدين الخارجي الحالي هو (دين ميت) يتعلق بحرب الخليج، وهذه الديون تعود لأكثر من 30 عاماً والدول لا تطالب بها، بالتالي فهي ليست ديون حقيقية"، لافتاً إلى أننته "في حال طالبت الدولة العراقية بإسقاطها فإنها تسقط".
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي، إن "الوضع المالي للعراق يتمتع بالاستقرار حالياً"، مبيناً أن "الدين الخارجي الحالي لا يتجاوز 20 مليار دولار، في حين يبلغ الدين الداخلي حوالي 50 مليار دولار، وهو ما يشكل نسبة تتراوح بين 30% إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي".
وفي حديث لمنصة "الجبال"، قال الشيخلي، إن "الجهات الدائنة الخارجية للعراق تقتصر على الدول المانحة التي تقدم استثمارات آجلة، بينما تبلغ ديون العراق لدى صندوق النقد والبنك الدوليين أقل من ملياري دولار".
ووفقاً للشيخلي، فإن "العراق لا يعاني من أي تراكم للديون، إذ يتم تنظيمها وفق خطط إنفاق مسبقة ومدروسة"، مؤكداً أن احتياطيات العراق المالية تغطي هذه الديون بالكامل.
كما نفى الشيخلي، وجود أي قيود سياسية أو اقتصادية على العراق بسبب الديون، ولفت إلى أن "الجهات الدائنة تدرك تماماً قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها بفضل قوة احتياطياتها واستقرارها المالي".
واختتم الخبير الاقتصادي حديثه قائلاً إن "هذه المعطيات تعكس مرونة الاقتصاد العراقي في مواجهة التحديات المالية وتعزز الثقة بقدرة البلاد على جذب الاستثمارات ودفع عجلة التنمية".
وفي منتصف العام الجاري، كشف المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، عن انخفاض الدين الخارجي إلى نحو 9 مليارات خلال العام الحالي، مبيناً أن الحكومة اتخذت سلسلة من الإجراءات التنفيذية، وتبنّت حزمة من القرارات المالية، انتهت إلى تقليل الدين العام الخارجي بنسبة تتجاوز الـ 50%، لينخفض الدين من 19.729 مليار دولار أواخر عام 2022، إلى 15.976 مليار دولار في عام 2023، وصولاً إلى ما يقارب 8.9 مليار دولار في العام الحالي.
الأرقام الحكومية غير دقيقة 100%
وفي هذا الصدد، يقول عامر الجواهري، الباحث الاقتصادي، لمنصة "الجبال" إن "أبرز الجهات الدائنة للعراق هي صندوق النقد الدولي، والقرض الألماني، فضلاً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، والقرض الياباني".
ويضيف الجواهري أن "المؤشرات تذهب إلى أن الدين على العراق يتجاوز الأرقام التي تكشف عنها الحكومة"، و"الخوف الحقيقي يكمن في ذهاب العراق إلى الاقتراض الدولي مرّة أخرى لسد العجز المالي كون البلاد تعتمد على النفط فقط".
يعتمد الاقتصاد في العراق بشكل رئيس على القطاع النفطي حيث يكوّن 95% من إجمالي دخل البلاد من العملة الصعبة (الدولار)، مما يجعل الاقتصاد متأرجح بتذبذب أسعار النفط العالمي، وهذا ما يجبر الحكومات بشكل مستمر للذهاب نحو القروض الخارجية والداخلية لسد عجز الموازنات المالية.
وبحسب الجواهري، فإن الدين الداخلي يتجاوز الآن الـ 80 مليار دينار عراقي، و"هذه هي الفقرة الأكثر تأثيراً على اقتصاد العراق على مدار السنوات المقبلة".
المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، تحدث العام الماضي عن أن الدَّين العام للبلاد يبلغ 70 مليار دولار، من بينها ديون داخلية تقدر بـ50 مليار دولار، مؤكداً أن أغلب الديون الداخلية تعود للمصارف الحكومية الثلاثة (الرافدين والرشيد والتجاري العراقي) بفائدة سنوية تتراوح بين 2-3%.
أرقام واحصائيات صادمة غير معلنة
بلغ إجمالي ديون العراق، الداخلية والخارجية، حوالي 96 تريليون دينار عراقي، توزعت بين 19.5 تريليون دينار أي (ما يعادل 15 مليار دولار) ديوناً خارجية و77 تريليون دينار ديوناً داخلية، والكلام لنبيل التميمي، المتخصص في الشأن الاقتصادي.
ووفقاً لحديث خص به التميمي منصة "الجبال"، فإن الديون الخارجية تمتاز بأنها ذات فوائد منخفضة وتُوجه بشكل رئيس لمؤسسات الإقراض الدولية والأجنبية.
وأضاف التميمي أن "ديون العراق الخارجية تشمل قروضاً لصالح مؤسسات مثل البنك الدولي، مؤسسة التمويل الدولية، صندوق النقد الدولي، إضافة إلى الصناديق التمويلية في دول مثل ألمانيا، بريطانيا، واليابان، كما تشمل بقايا ديون لصالح دول نادي باريس وبعض الدول الأخرى المرتبطة بتركة ما قبل عام 2003".
فيما تبلغ الديون الداخلية 77 تريليون دينار، بحسب التميمي، الذي تابع قائلاً "منها حوالي 52 تريليون دينار لصالح البنك المركزي العراقي الذي مول الحكومة في أوقات سابقة عبر إصدار نقدي غير مباشر، إلى جانب قروض داخلية واجبة الدفع، تُقدر بحوالي 25 تريليون دينار لصالح المصارف التجارية والسندات الوطنية".
وتابع التميمي: "يُقدر الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنحو 250 مليار دولار، ما يجعل نسبة الديون الخارجية تشكل حوالي 6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة منخفضة بالمقاييس العالمية، أما نسبة الديون الإجمالية الواجبة التسديد، باستثناء ديون البنك المركزي، فتصل إلى 22% من الناتج المحلي، وتبقى في نطاق النسب المقبولة دولياً".
يُشير التميمي إلى "وجود نوعين من الديون غير المشمولة بالحسابات الرسمية أولهما ديون دول الخليج التي تُقدر بحوالي 45 مليار دولار، وهي مرتبطة بتمويل الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينات. وثانيهما يتمحور حول ديون الاتفاقية العراقية-الصينية التي لم تُكشف تفاصيل هذه الديون بعد، سواء فيما يتعلق بحجم الفوائد أو الضمانات المقدمة".
وبحسب التقديرات التي تصدر سنوياً عن مجلس النواب العراقي، فإن نحو 70% من الموازنة التشغيلية في العراق تذهب إلى رواتب الموظفين الذي يتجاوز عددهم الـ 3 ملايين وبواقع تخصيصات تصل إلى 60 تريليون دينار.