"معدّلة وراثياً لتنسجم مع الجنس الإنساني".. مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير لبيع أعضائها للبشر

5 قراءة دقيقة
"معدّلة وراثياً لتنسجم مع الجنس الإنساني".. مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير لبيع أعضائها للبشر مجموعة خنازير/ تعبيرية

خلف سياج عال في واد أخضر، يربّي ديفيد اياريس وفريقه خنازير معدلة وراثياً لبيع أعضائها لمرضى بشر بحاجة إلى عمليات زرع، لقاء ما يصل إلى مليون دولار.

 

وتشهد الأبحاث المتعلقة بزرع الأعضاءالحيوانية للبشر المعروفة بـ "الطعوم المغايرة Xenotransplantation"، تقدماً سريعاً في الولايات المتحدة. وقد أُخذ من أحد خنازير هذه المزرعة المخبرية الواقعة بجبال شرق البلاد، كلية زُرعت في تشرين الثاني 2024 للمريضة(توانا لوني)، في عملية أُعلن عنها الثلاثاء وتشكل تجربة جديدة بعد تجارب عدة هي الأولى من نوعها في العالم.

 

ويقول رئيس شركة "ريفيفيكور" ديفيد اياريس، في حظيرة خنازيره المعقمة "إنها ليست مجرد خنازير مزرعة"، مضيفاً وهو يحمل خنزيراً بين ذراعيه "لقد أُنفقت ملايين الدولارات" للحصول إلى هذا الجينوم المعدل وراثياً وتجنّب رفض الجسم البشري له.

 

وبحسب فرانس برس إن هذه الشركة تجري منذ أكثر من 20 عاماً أبحاثاً في "بلاكسبورغ" في "فيرجينيا"، لجعل زراعة الأعضاء من الحيوانات إلى البشر مسألة مُطبّقة لا مجرّد فكرة من الخيال العلمي، وإثبات أن زرع (كلى) أو (قلوب) خنازير بدلاً من أعضاء بشرية ممكناً ويمثّل حلّا لمواجهة النقص الكبير في الأعضاء البشرية المتوافرة للزرع.

 

وفي الولايات المتحدة وحدها، تضم قوائم الانتظار للخضوع لعمليات زرع أكثر من 100 ألف شخص، فيما يموت 17 منهم يومياً من دون أن تُجرى لهم هذه العمليات، غالبيتهم يكونون بحاجة إلى كلية، بحسب السلطات الصحية.

 

"مختبر"

 

لحلّ هذه المشكلة، أجرى عدد كبير من الجراحين الأميركيين منذ العام 2021 عمليات زرع كلى وقلوب خنازير معدلة وراثياً للبشر. وقد أجريت التجارب الأولى على أشخاص متوفين دماغياً، قبل أن تُنفَّذ لعدد قليل من المرضى المصابين بأمراض خطرة.

 

إلا أنّ هؤلاء توفوا بعد شهر أو شهرين من العملية لكنّ أجسامهم لم ترفض الأعضاء بشكل سريع، مما يمثل نجاحاً فتح المسار لدراسات سريرية.

 

وتولت المزرعة المخبرية لـ"ريفيفيكور" توفير كل الأعضاء لهذه العمليات، باستثناء عملية واحدة كان العضو المُستخدم فيها من شركة "إي جينيسيس".

 

في مكان قريب من المزرعة، وداخل غرفة مظلمة تشكل مختبراً، يحدّق المسؤول عن بيولوجيا الخلية في "ريفيفيكور" تود فوت في المجهر. وباستخدام ماصة، يحرّك بويضات من خنازير غير معدلة وراثياً جُمعت في مسلخ.

 

تتمثل مهمة فوت في إزالة مادتها الجينية ثم استبدالها بخلية مستنسخة "تحتوي على كل ما يلزم للحصول خنزير معدل وراثياً"، على ما يوضح.

 

وبعد ساعات قليلة، يتم إدخال هذه الخلايا في رحم خنازير بديلة ستضع بعد أربعة أشهر صغار خنازير ذات حمض نووي معدل.

 

لا تحمل المجموعة الأولى من الخنازير سوى تعديل واحد فقط للجينوم، مما يجعل الخنزير يتوقف عن إنتاج مادة تؤدي إلى إلرفض الفوري للعضو المزروع لدى البشر.

 

أما المجموعة الثانية من الخنازير فتضم عشرة جينات معدلة، ستة منها تأتي من الحمض النووي البشري لتحسين التوافق البيولوجي.

 

"الجانب الأخلاقي"

مع هذه المجموعة الثانية، تضع "يونايتد ثيرابيوتيكس"، الشركة الأم لـ"ريفيفيكور"، أهدافاً طموحة.

 

وفي آذار 2024، افتتحت الشركة المُدرجة في البورصة "مصنعاً للأدوية يستند إلى الخنازير"، وفق الناطق باسمها ديوي ستيدمان، الذي يشدد على أنّ الشركة تتخذ تدابير صحية مشددة لتجنب تعرّض حيواناتها البالغ عددها مئتين لأي إصابة.

 

في نهاية ممر أبيض توجد غرفة عمليات جديدة. ويقول ستيدمان لوكالة فرانس برس "ستُحضر الخنازير إلى هنا، ثم تُجمع أعضاؤها" وتُنقل بصورة عاجلة "إلى الجرّاح والمريض المتلقي"، على غرار ما يحصل في عمليات زرع أعضاء بين البشر.

 

أما بقايا الخنازير النافقة، فيتم التخلص منها لأنها غير قابلة للاستخدام.

 

ويتمثل هدف الشركة في البدء بدراسة سريرية عام 2025 على مرضى خضعوا لعمليات زرع كلى من هذه الخنازير، لكي تفتح المجال أمام بيع الأعضاء اعتباراً من سنة 2029 في حال حصلت على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (أف دي أيه).

 

وتعتزم "ريفيفيكور/يو تي" التي تتوقع الحصول على موافقة "اف دي ايه"، البدء بعمليات التصنيع، إذ أن تكلفة إنشاء مزارع صناعية تتراوح بين مليار إلى ملياري دولار للمزرعة، وهي أكبر بعشر مرات من المزرعة التي أُنشئت حديثاً بالقرب من بلاكسبرغ.

 

قد يكون مردود هذا الرهان كبيراً، إذ تدرس "يونايتد ثيرابيوتيكس" تسعير الكلية بما يصل إلى مليون دولار، وهو مبلغ قريب من تكلفة غسيل الكلى لعشر سنوات في الولايات المتحدة، بحسب ستيدمان.

 

يثير هذا "النموذج" تساؤلات لدى عالمة الاجتماع الفرنسية كاترين ريمي، مُعدّة كتاب "إيبريد" الذي يتمحور على هذه المسألة. وهي تتحدث عن التناقض بين "التقارب" بين الإنسان والحيوان الذي ينطوي عليه نقل الأعضاء من كائن إلى آخر، وهذا "التصنيع" الأميركي القائم على فكرة أنّ الحيوان المتبرع هو "مخزون من قطع الغيار".

 

لكن في مختبره، يتجاهل ديفيد اياريس هذا الجانب الأخلاقي. ويقول: "أعتقد أن استخدام أعضاء الخنزير لإجراء عمليات زرع لبشر هو مهمة أنبل بكثير" من أن يكون مصير الحيوان مجرّد قطعة لحم.

الجبال

نُشرت في الأربعاء 18 ديسمبر 2024 02:35 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.