لم تكن المرة الأولى التي يتم حظر الموسيقى فيها فقط، سبق وأن تعالت أصوات ذات طابع ديني رافضة الحفلات الموسيقية والغنائية، لا سيما في المدن ذات الطابع "المحافظ"، لكن المختلف في الأيام الأخيرة، هو حظر الموسيقى الكترونياً، بعد أن شهدت محاولات المنع في الواقع.
بدأت القصة قبل عدة أيام، حيث نزلت الستارة بأمر من وزارة الاتصالات على تطبيق "ساوند الكلاود"، وهو تطبيق خاص بالموسيقى وسماع الأغاني، حجب مع مواقع أخرى في ما يبدو على أنه سياق هناك "إصرار" على تطبيقه.
وأثار الأمر، موجة من الغضب والاستياء بين المدونين والكتاب والصحفيين والنشطاء العراقيين، إذ رأى كثيرون فيه استهدافاً مباشراً للحريات الرقمية، حيث وصف الكاتب رسلي المالكي هذا الإجراء بأنه "لذر الرماد في العيون"، وإبعاد التركيز الإعلامي عن "فشل الوزارة في توفير الإنترنت بالأسعار والجودة المطلوبة".
واعتبر المالكي أن "عملية الحجب من أجل إرباك المشهد هي عملية بدأت تطال مواقع ليست ذات صلة بأي محتوى إباحي أو هابط"، مضيفاً أن "هناك العديد من الإجراءات التي على وزارة الاتصالات القيام بها لتحسين واقع الإنترنت في العراق، مثل تخفيض الأسعار، ومكافحة التهريب، وتوسيع نطاق التغطية في المناطق النائية"، بالإضافة إلى "منع قطعه أيام الامتحانات الوزارية خشية من محاولات الغش"، مؤكداً أن "حجب المواقع هو قمع للحريات الرقمية وتقييد للحق في الوصول إلى المعلومات".
ليس الموسيقى وحسب.. تقييم الأفلام والمسلسلات أيضاً
لم تنزل الستارة على موقع الموسيقى وحسب، فقد تم حجب موقع (Imdb) الخاص بتقييم الأفلام والمسلسلات، ما أثار موجة ساخرة على شبكات التواصل العراقية.
لكن وزارة الاتصالات أصرّت على تبرير أمر الحجب بأنه "جاء بناءً على رصد محتوى هابط وغير أخلاقي"، وفي هذا السياق يقول المالكي بأن "بعض المواقع التي حجبتها وزارة الاتصالات على العكس ترفع من قيمة المجتمع فعندما تحجب موقع مثل Internet Archive وهو موقع خاص بالمعلومات والبحوث والأطاريح، فهنا الوزارة قامت بمنع موقع يرفع من شأن المجتمع".
وتثير قرارات الحجب، تساؤلات حول مدى قانونية حجب المواقع الإلكترونية، خاصة تلك التي تقدم محتوى تعليمياً وبحثياً، كما أثارت تساؤلات حول الآليات التي تستخدمها الوزارة لتحديد ما يسمى بـ"المحتوى الهابط"، والمعايير التي تعتمد عليها في ذلك.
ويؤكد المحامي محمد جمعة في حديث لـ"الجبال"، أن "الأسرة هي المسؤولة الأولى عن حماية أبناءها، وأن وزارة الاتصالات ليس من واجباتها حماية المجتمع"، مشيراً إلى أن "هذا الإجراء يتعارض مع المادتين 38 و40 من الدستور العراقي، اللتين تكفلان حرية الإعلام والنشر وحرية الاتصالات الإلكترونية على حد سواء".
ويرى جمعة أن "الوزارة لا تملك صلاحية التوسع بحجب ومواقع تقييم أفلام وأغاني"، مبيناً أن "القضاء الإداري هو الجهة المخولة بمراجعة قرارات وزارة الاتصالات بشأن حجب المواقع الإلكترونية".
وأوضح أن "القضاء الإداري يمتلك الصلاحية القانونية للتدخل في مثل هذه القضايا، ولكن ذلك يتطلب قيام المتضررين بتقديم دعاوى قضائية".
وفي هذا السياق، يؤكد مصطفى ناصر أن "وزارة الاتصالات ارتكبت مخالفة دستورية صريحة وواضحة للمادة 40 من الدستور العراقي، وذلك بحجبها لمواقع وتطبيقات دون الحصول على قرار قضائي مسبق".
وأشار ناصر إلى أن "المادة الدستورية المذكورة تكفل حرية الاتصالات الإلكترونية، ولا تجيز مراقبتها أو حجبها إلا بوجود ضرورة قانونية وأمنية وبقرار قضائي".
وأضاف ناصر أن قرار المحكمة الاتحادية السابق بسلب وزارة الاتصالات صلاحيات الحجب وتفويضها لهيئة الإعلام والاتصالات يمثل مخالفة قانونية إضافية."
وبالوقت نفسه، يرى الكاتب رسلي المالكي أن "تراجع حرية الإنترنت مرتبط بتراجع حرية التعبير"، مشيراً إلى "وجود تضييق من قبل هيئة الإعلام والاتصالات على حرية التعبير والمعلومة"، مؤكداً أنه "يعد انتهاكاً وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
الاتصالات تسيّس الحجب لصالح "صراع الإطار".. والخاسر هو السوداني
ويرى ناصر أن "وزارة الاتصالات تحاول تسييس عمليات حجب المواقع الإلكترونية"، إذ أن "هذه الإجراءات تتجاوز المخالفات الدستورية وتخدم أجندة الصراع السياسي داخل الإطار التنسيقي".
ويقول ناصر إن "وزيرة الاتصالات، التابعة للإطار التنسيقي، تستغل منصبها لتنفيذ أجندة حزبها، بهدف إضعاف محمد شياع السوداني"، مضيفاً أن "هذه الإجراءات تساهم في زيادة عزلة السوداني شعبياً".
ويتطرّق ناصر إلى أن "عجز السوداني عن السيطرة على وزرائه أدى إلى تفاقم حالة الفوضى الإدارية والسياسية والاقتصادية في العراق"، مؤكداً أن "البلاد تشهد أسوأ فترة في تاريخها السياسي منذ عام 2003."
وختم ناصر بالتأكيد على أن "التعامل مع قضايا حساسة مثل حجب المواقع الإلكترونية بطريقة سياسية يؤثر سلباً على حياة المواطنين ويجرهم إلى صراعات لا علاقة لهم بها".