أثارت زيارة رئيس الحكومة محمد السوداني الأخيرة إلى كوردستان ردود فعل متباينة حول قدرته على حل الإشكالات بين بغداد والإقليم من جهة، وبين القوى الكردية الرئيسية من جهة أخرى.
وتعرض السوداني لاتهامات بمحاولة "حشد الدعم" للحصول على ولاية ثانية، أو تشكيل حلفاء بسبب الضغوط التي يتعرض لها من "الإطار التنسيقي"، كما يقول داعموه.
واختتم السوداني مساء أمس زيارته السريعة إلى كردستان، التي امتدت لأقل من 24 ساعة، والتقى خلالها بنحو 10 زعماء وقيادات سياسية، بحسب بيان حكومي.
وتهدف الزيارة، وفقاً لبيانات رئاسة الحكومة، إلى دعم حوارات تشكيل حكومة الإقليم، وكذلك بحث قضايا الرواتب، واستئناف ضخ النفط إلى تركيا، والأوضاع الإقليمية.
دور بغداد
وفي هذا الشأن، يقول إبراهيم الصميدعي، مستشار السوداني، إن "الحكومة تتعرض لضغط شديد" يشبه ما كانت تتعرض له أربيل إبان التحالف الثلاثي مع مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، قبل عامين.
وقال الصميدعي لمنصة "الجبال" إن "بغداد تتحمل جزءاً من التصدع داخل إقليم كوردستان، إذ يبدو أنها تعمل على تشتيت السنة والكرد ليسهل على ائتلاف شيعي طائفي أن يحكم".
ومع ذلك، يشير إلى أن السوداني لا يتفق مع هذه النظرية، إذ يرى أن "بغداد مسؤولة عن إعادة لحمة البيت الكردي"، على حد قول مستشار رئيس الحكومة.
وأضاف: "بغداد، وبغياب وسيط محايد ونزيه، هي الأقدر على إعادة نوع من التفاهم للبيت الكوردي لتشكيل حكومة الإقليم، وهي سابقة تُسجل لبغداد لأول مرة".
وبيّن الصميدعي أن "السوداني يحظى بثقة واحترام لدى الحزبين"، معتبراً أن تشكيل حكومة الإقليم يعني "المضي على طريق لإنهاء الخلافات بين الحزبين الكورديين الرئيسيين (الديمقراطي والاتحاد الوطني)".
وتواصلت "الجبال"، مع مصدر حكومي مقرب من السوداني، حيث أشار إلى أن "التقارب الأخير بين السوداني والحكومة في أربيل هو نتيجة للتغيرات في المنطقة بعد وصول دونالد ترامب مجددا إلى البيت الأبيض، وتراجع الدور الإيراني".
وأضاف: "إذا ضعف الدور الإيراني، فهذا يعني أن دور الاتحاد الوطني (اليكتي) سيضعف، مما سيجعلهم يعتمدون على أربيل".
وتحدث عن أن "ما يجري هو قراءة دقيقة من السوداني والبارزاني لأوضاع المنطقة، وتعاون بين الطرفين للخروج من الأزمات".
وقد التقى السوداني خلال زيارته لأربيل، التي بدأت صباح يوم أمس، بزعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، ورئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، ورئيس الحكومة مسرور بارزاني، فضلاً عن بافل طالباني.
وأكد رئيس الوزراء الاتحادي، خلال لقاءاته التي شملت أيضاً أحزاباً أخرى فائزة في الانتخابات في عاصمة كوردستان، على ضرورة الإسراع في التفاهمات السياسية لتشكيل حكومة الإقليم.
ضوء أخضر
وفي الأثناء، يعتقد كفاح محمود، مستشار زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني، أن السوداني "لديه كارت أخضر للتحرك في الإقليم بسبب مقبوليته لدى الحزبين الرئيسيين".
وأكد محمود لمنصة "الجبال" أن "رئيس الوزراء، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الحزب الديمقراطي، لديه أيضاً قبول لدى قيادات الاتحاد الوطني، فضلًا عن نفوذه داخل الإطار التنسيقي، مما يمنحه دوراً ديناميكياً لتقريب وجهات النظر".
ويرى مستشار بارزاني أن نجاح السوداني في الإقليم سيكون "فرصة ذهبية لرئيس الوزراء لتقوية موقفه في بغداد، خصوصاً مع وجود تسريبات حول طموحه بالحصول على ولاية ثانية".
ويواجه رئيس الحكومة معارضة شديدة من حلفائه داخل التحالف الشيعي، بحسب ما يتم تداوله في الأوساط السياسية، لمنعه من تشكيل كتلة خارج "الإطار التنسيقي"، أو حتى الترشح قبل تقديم استقالته من منصبه قبل 6 أشهر على الأقل من موعد الانتخابات.
ما زالت الملفات عالقة
وخلافاً للرؤى المتفائلة بقدرة السوداني على تقديم وساطة بين الأحزاب الكردية، يرى سامان نوح، الكاتب والمحلل السياسي، أن رئيس الحكومة "لا يملك أدوات لحل النزاع الكردي".
ويقول نوح لمنصة "الجبال" إن "العلاقة بين بغداد والإقليم لم تشهد أي تطورات خلال السنتين الأخيرتين من وجود السوداني في السلطة، مبيناً "لم يحصل أي تقدم في ملف النفط والغاز، أو الشراكة، أو التوازن، أو التوافق، وما زالت تلك الملفات معطلة إلى حد كبير".
كما أشار نوح إلى أنه "لم يحدث تقدم في القضايا الخلافية الأكبر، مثل المادة 140 وتشكيل مجلس الاتحاد، لذا فهي ليست فترة ذهبية كما يسميها البعض".
واعتبر نوح أن ما يحصل هو "هدوء سياسي" وتقدم في بعض التفاصيل المالية، لكن لم يحدث تطور في الملفات المالية المعقدة، مثل العائدات الجمركية والرسوم والضرائب.
ووصف نوح زيارة السوداني إلى أربيل ثم إلى السليمانية بأنها ذات "بعد دعائي استعراضي"، لأن "الملفات المهمة لم تتحرك، ولم يحدث تطور في تعزيز وجود الكرد في مجلس الوزراء أو في الجهاز التنفيذي وفي الأجهزة الأمنية كالجيش والشرطة".
وقال إن "السوداني من خلال تلك الزيارة، يحاول تعزيز أو بناء علاقات شخصية تدعم موقفه السياسي لأنه بحاجة إلى الدعم الكوردي من أجل تحقيق تحالفات سياسية تبقيه في المشهد، خصوصاً وأن هناك مؤشرات ربما ليست بصالحه".
وتابع نوح أن "الزيارة المعلنة هدفها تقريب وجهات النظر بين الكورد لتشكيل الحكومة في الإقليم، وهي أهداف معظمها دعائية، لأن السوداني لا يملك الأدوات لتحقيق هذا الهدف، كما لا يملك القدرة على حل الملفات العالقة بين بغداد وأربيل".
وأكد نوح أن تلك الملفات تُحسم داخل "ائتلاف إدارة الدولة والبرلمان، وأن السوداني حضوره وتمثيله ضعيف في التحالف الحاكم وليس لديه كتلة في مجلس النواب ليتمكن من دفع تلك القضايا إلى الأمام".
كما ينفي نوح امتلاك السوداني "تأثيراً قوياً على الأحزاب الكوردية لإقناعها بالإسراع في تشكيل الحكومة. هو ربما يتطلع إلى ذلك"، على حد قوله.
وأشار الكاتب إلى أن حجم الخلافات الكوردية أو الخلافات بين بغداد وأربيل عميقة ولا يمكن حلها من خلال "زيارات سريعة تستغرق ساعات، حيث لا تتعدى حصة كل مسؤول كردي في الزيارة نصف ساعة أو ساعة".
وأضاف: "لا يمكن أن نتوقع من هذه الاجتماعات أي شيء غير البعد الاستعراضي. تحتاج تلك القضايا إلى اجتماعات طويلة تمتد لأسابيع، وليس مجرد أيام، وهي عادة تُحسم من القادة الفاعلين داخل البرلمان والدولة، وهذا غير متاح بالنسبة للسوداني".