تتجه انظار المهتمين بالاقتصاد نحو واشنطن وسط تساؤلات حول مستقبل الدينار العراقي وإمكانية عودة العقوبات، لا سيما مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية وتأثيره المحتمل على السياسات النقدية العالمية، الأمر الذي يطرح سؤالين في العراق: هل سيؤدي فوز ترامب إلى تفاقم أزمة الدينار؟ أم أن الحكومة العراقية قادرة على إدارة هذا الملف الشائك؟
وأثار فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، القلق في ظل تأثير السياسات النقدية الأميركية على الدول ذات الاقتصادات الناشئة، حيث يعتبر العراق من بين الدول الأكثر تأثراً بتقلبات أسعار صرف الدولار، نظراً لاعتماده الكبير على العملة الأميركية في التجارة الخارجية والاحتياطات النقدية.
ويرى محللون اقتصاديون أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تؤدي إلى سياسات أكثر تشدداً تجاه الشرق الأوسط، والتي قد تتضمن فرض عقوبات جديدة أو إعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية، مما قد يفاقم الضغط على الدينار العراقي ويزيد من صعوبة توفير الدولار في السوق المحلية.
إجراءات احترازية
ويقول الخبير الاقتصادي، مصطفى حنتوش، إن "السياسات النقدية الأميركية بشأن تعاملها مع العراق لا يمكن تغيرها عند تغيير أي رئيس كون الخطط دائماً ما تكون طويلة الأمد خصوصاً وأن بغداد وواشنطن ترتبطان باتفاقية الإطار الاستراتيجي".
الجهات الاقتصادية المسؤولة عن ملف الدولار، وبحسب حنتوش، مطالبة بوضع خطط لمنع ذهاب الدولار إلى المعاقبة والأمر الذي سيسمح للولايات المتحدة التقليل من القيود المفروضة على العراق بهذا الجانب.
وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف حنتوش، أنّ "البنك المركزي فشل فشلاً ذريعاً بشأن السيطرة على أسعار الدولار في الأسواق المحلية"، مبيناً أنّ "السوق الموازي الذي نشا في العام 2022 أصبح الآن يسيطر على سعر الصرف".
ويشير حنتوش إلى أن "البنك المركزي يصرف ملايين الدولارات على المسافرين الذي يذهب أغلبه للسوق السوداء"، داعيا "المركزي الى وضع خطة لمعالجة الاخطاء في السوق الموازي بدلاً من اعتقال ومضايقة أصحاب مكاتب الصيرفة".
ويعتمد العراق بشكل كبير على الإيرادات النفطية التي تُحتسب بالدولار، وبالتالي فإن أي تغييرات في السياسة الأميركية تجاه المنطقة قد تؤثر بشكل مباشر على احتياطاته النقدية وقدرته على استقرار سعر الصرف، حسب الخبراء الاقتصاديين.
وبحسب تصريح سابق لمنصة "الجبال"، فإن البنك المركزي يمتلك نحو 115 مليار دولار، و140 طناً من الذهب، بالإضافة إلى 43 مليار دولار كسندات الخزينة المركزية، و36 مليار دولار متراكم في الادخارات في الفدرالي المودعة في (جي بي مورغان).
هل سيرتفع الدولار إلى 2000 دينار؟
إلى ذلك يقول المستشار في البنك المركزي العراقي، محمود داغر لمنصة "الجبال"، إن "فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية لا يؤثر على السياسية النقدية (الدولار)، بالنسبة للعراق كون واشنطن لديها مؤسسات مثل الخزانة والبنك الفيدرالي هي المسؤولة عن هكذا ملفات".
ووفقاً لحديث داغر، فإن قضية ارتفاع الدولار إلى أسعار تصل إلى 200 ألف دينار لكل 100 دولار كما يروج في وسائل الإعلام لا يمكن أن يحدث إلا إذا دخل العراق في حرب كما يحدث في لبنان وفلسطين وإيران.
ويضيف داغر، أن "الحكومة الحالية وبحسب المعطيات قادرة على إدارة ملف الدولار، إلا في حال دخول العراق بطوارئ اقتصادية فبالتالي لا يمكن السيطرة على هذا الملف مطلقاً"، مبيناً أن "التعويل الآن ليس على الجانب الأميركي بشأن الدولار وإنما التعويل على الإدارة العراقية في تسيير قضية الدولار".
ويختم داغر حديثه قائلاً إن "أي ارتفاع في أسعار الصرف بالأسواق المحلية سيلقي بظلاله على الواقع المعيشي للعراق من ناحية ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية في عموم المحافظات".
وصادق مجلس الوزراء العراقي في (7 شباط 2023)، على قرار مجلس إدارة البنك المركزي بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، بما يعادل 1300 دينار للدولار الواحد بعد أن كان 1480 دينارا لكل دولار، الأمر الذي تسبب بحسب المراقبين بتراجع قيمة الدينار العراقي في الأسواق بشكل ملحوظ.
وبحسب الإجراءات الجديدة، فإن المصارف العراقية أصبحت ملزمة بتقديم تحويلات بالدولار على منصة جديدة على الإنترنت مع البنك المركزي العراقي، والتي تتم مراجعتها بعد ذلك من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي.
سياسيات ترامب القادمة
في الأثناء، يرى أحمد صدام، وهو باحث في الشأن الاقتصادي إن "فوز ترامب سيكون له تأثير على سعر صرف الدولار بشكل غير مباشر"، مبيناً أن "هذا الأمر سوف يتبين بعد استلام الرئيس المنتخب الإدارة رسمياً في نهاية كانون الثاني من العام القادم 2025".
ويتجسد ذلك من خلال تصريحات ترامب حول العراق، فاذا كان موقفه داعماً للحكومة سيساعد في استقرار سعر صرف الدولار، فضلاً عن وعود الرئيس الامريكي بانهاء حروب المنطقة فهي أيضاً تؤثر في اسعار الصرف ايجاباً، على وفق ما يقوله الباحث بالشأن الاقتصادي.
ويرى صدام، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، أن "السيناريوهات الأكثر توقعا تذهب نحو انهاء الأزمات وبالتالي من الصعب رفع سعر صرف الدولار إلى حدود 200 الف دينار".
ويرتفع سعر صرف الدولار بالعراق بسبب هشاشة الاقتصاد وحجم الاستيرادات الكبير لا سيما من دول لا يتم تسوية معاملاتها عن طريق منصة البنك المركزي مثل إيران وسوريا إذ تقدر حجم تجارة العراق مع إيران 25 مليون دولار يومياً يتم تمويلها من السوق الموازي، وفقاً لحديث صدام.
ويتابع صدام، قائلاً إن "تأثر العراق بارتفاع سعر صرف الدولار من خلال ارتفاع أسعار السلع المستوردة حتى وان يتم تسويتها بالسعر الرسمي للبنك المركزي فإن معظم التجار يعرضون سلعهم حسب سعر الصرف في السوق الموازي".
ويشير إلى أن "الحكومة العراقية لا تستطيع السيطرة على سعر صرف الدولار على المديين القصير والمتوسط، ولكن يمكن للحكومة أن تسيطر على اسعار الصرف في المدى البعيد إذا استطاعت ان تحفز الاستثمار المحلي وترفع من مستوى الانتاج غير النفطي وتقلل من الاستيرادات".
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال العام الماضي، في تقرير إن العملة العراقية فقدت نحو 10 بالمئة من قيمتها، بعد إجراءات غامضة بالنسبة للكثير، تتعلق بفرض قواعد امتثال على تعاملات البنك المركزي العراقي مع تجار العملة في ما يتعلق بالدولار الأميركي.