"مجهولو النسب" في العراق.. أطفال في الشوارع دون رعاية رسمية

8 قراءة دقيقة
"مجهولو النسب" في العراق.. أطفال في الشوارع دون رعاية رسمية مجهولو النسب في العراق

لدى القانون العراقي معالجات لمجهولي النسب

 

في أحد تقاطعات العاصمة بغداد، يقف حاملاً صندوق المياه بيد وعلبة "كلينكس" بيد أخرى، تضاريس وجهه تبدو وكأنها لرجل عاش الويلات، لكنه بعمر 12 عاماً، مؤمل حميد (اسم مستعار)، الذي يتوقع أنه ضحية علاقة غير شرعية دفعت به إلى العيش كمتشرد في الشوارع.

 

بعد سؤاله عن هويته وسكنه، تخوف من الإجابة وقال، "لا أعلم من هو أبي ولا أدري من هي أمي.. ولدت وسط ناس غرباء، ولا أذكر من طفولتي غير التقاطعات المرورية".

 

حميد، وجد على باب أحد المساجد في العاصمة بغداد وتبناه رجل فقير يسكن بالقرب من المسجد، عاش ظروفاً مأساوية بدأت من استغلاله في التسول مع زوجة الرجل الذي تبناه، الى أن وصل إلى مرحلة العمل بمفرده مقابل السكن والمأوى في بيت من تبناه، وفق روايات سمعها من جيرانه.

 

صعوبة إخراج الأوراق الثبوتية تمنعه من التعليم

 

لم يتمكن الطفل حميد من التسجيل في المدرسة، وذلك بسبب امتلاكه أوراق ثبوتية، والتي شكلت له بمرور الزمن صعوبة في مراجعة المراكز الصحية، بالإضافة إلى تأثيرها على حالته النفسية وشعوره بأنه "غريب".

 

"ليس المهم أن تكون لي أوراق تثبت بأني مواطن عراقي، بقدر أن أعيش حياة حرة كريمة"، يقول حميد ويضيف في حديث لـ"الجبال" إنّ "مستقبلي مجهول وضائع، لا اعرف إلى متى أبقى أعمل كالمتسول في الطرقات".

ويذكر مصدر مسؤول في وزارة الداخلية رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بوظيفته لـ"الجبال"، إنّ "عدد الأطفال الذين ولدوا نتيجة علاقات غير شرعية قليل جداً ولم يصل إلى مرحلة الظاهرة"، معتبراً أن "الخوض في مثل هكذا تفاصيل يهدد الأمن المجتمعي".

ويستبعد المصدر، وجود احصائية دقيقة بأعداد مجهولي النسب في العراق، فيما لفت إلى أن "هناك عادات وتقاليد اجتماعية تدفع العديد منهم لرفض الإعلان عن أنفسهم".

وفي العام 2014، قررت هيئة رعاية الطفولة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية إطلاق صفة "كريم النسب" على من لا أبوين له بدلا من "مجهول النسب"، للتخفيف من قساوة الوضع بفقدان هوية الوالدين.

لم تتحول إلى "ظاهرة"

 

وعند الذهاب إلى هشام الذهبي، رئيس مؤسسة البيت العراقي للإبداع، وهي هيئة غير حكومية تأسست عام 2004 وتهدف إلى إيواء الأطفال المشردين والأيتام في بغداد، أردنا التعرف على تفاصيل أوسع، حيث قال الذهبي إن "دور الدولة تقوم بعملية ضم للأطفال مجهولي النسب الذين لا تزيد أعمارهم عن سنة واحد، قبل أن تتبناهم إحدى العوائل".

ويضيف الذهبي في حديث لـ"الجبال"، إن "بقية الاعمار من سنة فما فوق، تستخرج لهم الدولة هويات (كريمي النسب)"، مبيناً أنّ "الأطفال ذات الأعمار التي لا تزيد عن سنة يُسجلون بأسماء العوائل التي تتبناهم".

ويتابع، أن "باقي الاعمار يسجلون مجهولي النسب، لكن هوياتهم الوطنية لا تختلف عن هويات العراقيين الاخريين"، مستدركاً بالقول: "لا أحد يعرف الفرق بين البطاقات سوى مصدر الهوية".

ويوضح الذهبي، أنّ "هناك من لديهم أمر قاض، وما يزالون بانتظار أمر ضم من قبل دور الايتام منذ عشر سنوات"، مشيراً إلى أن "هذا دليل على أن مجهولي النسب، لم يصلوا إلى مرحلة الظاهرة أو المشكلة الاجتماعية".

 

 دور الهوية في المجتمعات العشائرية

 

إلى ذلك، يرى مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية قاسم حسين صالح، إن "الأطفال مجهولي يتعلقون بأهم قضيتين سيكولوجيتين في شخصية الفرد هما: (الهوية) و (تقدير الذات)".

ويضيف صالح في حديث لـ"الجبال"، أنّ "الهوية لها دورها الاجتماعي، فالإنسان يولد بلا هوية، وتقوم العائلة بمنحه اسماً، وتقوم الدولة بمنحه هوية شخصية يقدم بها نفسه للمجتمع بأنه فلان ابن فلان".

 

ويوضح، أنّ "الهوية دورها أكبر وأخطر في المجتمعات العشائرية، ففيها يتباهى الأفراد بانتمائهم للعشيرة، أو للعائلة وأنه من القبيلة الفلانية والعائلة الفلانية".

وبما أن "الطفل من هؤلاء لا عائلة ينتمي لها ولا عشيرة تنتمي لها عائلته فإنه يشعر بأنه "منبوذ اجتماعياً ومحتقر أمام من يعرف حقيقته، ينجم عنها أن (تقدير الذات) الذي يعني تقييم الفرد لنفسه وشعوره بالاحترام والقيمة والكفاءة، سيكون محتقراً لنفسه أيضاً"، بحسب صالح.

ويبين، أنه "بتفاعل هاتين القضيتين السيكولوجيتين عند الطفل المجهول الهوية (اللقيط) فأنه يحقد ليس فقط على من كان السبب بل وعلى المجتمع ايضا الذي ينظر له بدونية".

ووفق صالح، فإنّ "الحقد يتنامى بحتمية سيكولوجية إلى انتقام، هؤلاء الأطفال سيتوزعون حين يكبرون بين غالبية يتحولون إلى مشروع مجرم، أو سارق، أو قاتل، او يوجه الانتقام لذاته بتعاطي المخدرات، أو متسولين او ضائعين".

ودعا رئيس الجمعية النفسية العراقية، وزارتي العدل لـ"إيجاد طريقة لمنحهم الهوية من دوائر النفوس، والعمل والشؤون الاجتماعية برعايتهم في دور خاصة، وأن تسهم المنظمات الخاصة بالطفولة ومنظمات حقوق الإنسان بدورها المادي والتربوي والنفسي بإلقاء محاضرات تعدهم لأن يكون حالهم حال أقرانهم في تطوير المجتمع وبناء الوطن".

 

كيف يتعامل القضاء مع "مجهولي النسب"؟

 

وتُعرف صحيفة القضاء العراقية، "مجهول النسب" بأنه الشخص الذي لم يلحق بابيه وأمه أو بأحدهم أو هو الذي لا يعرف أبويه أو أحدهم، ولم يرد تعريف له في المنظومة القانونية العراقية.

ووفق الصحيفة، فإن تنظيم أحوال الشخص مجهول النسب في هذه الحالة له اتجاهان، الأول قضائي المتمثل بالإجراءات التي تقوم بها المحكمة، والآخر الإجراءات الإدارية التي تقوم بها دائرة الأحوال المدنية وبعض الجهات التنفيذية مثل دور الدولة المودع فيها الحدث مجهول النسب وتختلف تلك الإجراءات تبعاً لعمره.

وإذا كان الطفل صغيراً لم يتم التاسعة من العمر أو حدثاً أتم التاسعة من العمر ولم يتم الثامنة عشر من العمر وعلى وفق حكم المادة (3) من قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل، وكان أحدهم قد ثبت فقده للرعاية الأسرية فعلى قسم الرعاية الأسرية في دور الرعاية الاجتماعية التي ينظم أحكامها قانون الرعاية الاجتماعية رقم 126 لسنة 1980 المعدل أن تصدر هوية له، وأن يطلب من محكمة الأحداث استصدار قرار لإيداعه في إحدى دور الدولة.

وبحسب الصحيفة، إذا كان هؤلاء الصغار والأحداث لا يملكون وثائق تعريفية ولم يثبت وجود وثائق لهم تتولى دائرة الإصلاح ذلك الأمر وفق حكم المادة (32/أولا) من قانون الأحوال المدنية التي جاء فيها الآتي (على محكمة الأحداث أن ترسل بصورة سرية نسخة من القرار اللازم بتعيين اسم اللقيط أو مجهول النسب وتاريخ ومحل ولادته والمؤسسة التي آوته وتاريخ العثور عليه إلى المديرية العامة).

وبينت، أن المادة (20/أولا) من قانون البطاقة الوطنية نصت على أن (تقوم محكمة الأحداث وبصورة سرية بإرسال نسخة مـــن القرار الخاص باختيار اسم اللقيط أو مجهول النسب وتاريخ ومحل ولادته والمؤسسة التي آوته وتاريخ العثور عليه إلى المديرية وفقاً لنموذج يعد لهذا الغرض).

وإذا أكمل السابعة من العمر ولم يبلغ الخامسة عشر عام تصدر المحكمة المختصة حجة بناءً على طلب يقدمه وصي مؤقت تنصبه المحكمة لهذا الغرض فقط وعلى وفق حكم المادة (32/2) مكررة من قانون الأحوال المدنية والمادة (20/سادساً) من قانون البطاقة الوطنية.

وإذا بلغ الخامسة عشر من العمر له الحق شخصياً في طلب إصدار حجة مجهول النسب ويقدم الطلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة بقضايا المسلمين أو المواد الشخصية لغير المسلمين وتتم المباشرة بعد ذلك بعملية استصدار بطاقة له.

وتوضح، أن "إجراءات المحكمة لإصدار حجة مجهول النسب تكون بعد تقديم الطلب أو ورود كتاب من دائرة رعاية الأحداث أو دور الدولة إلى محكمة الأحوال الشخصية أو المواد الشخصية لإصدار الحجة يتولى قاضي المحكمة التأشير عليها ومفاتحة الجهات ذات العلاقة للتحقق والتحري عن الشخص طالب الحجة أو المطلوب إصدار الحجة له، مثل دائرة الأحوال المدنية والدوائر الأمنية".

حسين حاتم صحفي عراقي

نُشرت في الثلاثاء 16 يوليو 2024 06:12 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.