مر قرابة عام كامل على بدء الحديث الحكومي عن تحويل أكثر من 500 بناية ومنشأة حكومية للعمل على الطاقة الكهربائية المولدة من الشمس، فأسطح البنايات الحكومية العالية وكذلك المهملة في الغالب، بالإضافة إلى كون الدوائر تعمل خلال النهار فقط، جميع هذه العوامل اجتمعت ليكون خيار قطع الدوائر الحكومية عن المنظومة الوطنية وعزلها بمنظومة طاقة شمسية منفردة، "خياراً مثالياً".
ليست المعطيات الفنية فحسب، بل جدوى اقتصادية أيضاً من الممكن أن تحقق هذه الخطوة في حال تمت، بالرغم من كونها "لا تخلو من الإشكاليات وإمكانيات التلاعب" بحسب عديدين، لكن عزل الدوائر الحكومية عن المنظومة الوطنية ربما تحل واحدة من أهم المشاكل التي تواجهها وزارة الكهرباء مع الوزارات والمؤسسات الحكومية والمتمثلة بعدم تسديد أجور الكهرباء لتبقى كديون لسنوات طويلة، بلغت 4.5 تريليون دينار، وهو الأمر الذي اعتبرته وزارة الكهرباء "أحد أسباب التأثير في عمل وزارة الكهرباء باعتبارها تعتمد على التمويل والإيرادات المتحققة من الجباية"، خصوصاً وأن هذا المبلغ "قادر على سد استيراد الغاز من إيران لعام كامل، أو ما يعادل قرابة نصف موازنة وزارة الكهرباء".
السبب الآخر الذي يجعل فصل المؤسسات الحكومية عن المنظومة الوطنية مجدياً، هو أن الوزارات والمؤسسات الحكومية تعد ثاني أكبر مستهلك للطاقة بعد الصنف المنزلي، فمن بين حوالي 64 مليون ميغا واط باعتها وزارة الكهرباء العام الماضي 2023، 55% منها ذهبت للاستهلاك المنزلي، و18% منها للاستهلاك الحكومي، وو10% للاستهلاك الصناعي، و7% للاستهلاك التجاري، و1% للاستهلاك الزراعي، وفقاً لبيانات رسمية تتبعتها "الجبال".
تضارب في الأعداد والمبالغ
ومنذ بدء الحديث عن مشروع "تشميس" البنايات الحكومية وجعلها تعمل بالطاقة الشمسية وذلك أواخر العام الماضي 2023، قالت مقررة المبادرة الوطنية رئيس قسم إدارة الجودة في وزارة الكهرباء شيماء مظهر، إن المشروع يستهدف تحويل 550 مبنى حكومياً من بينها 290 مدرسة في بغداد والمحافظات.
لكن في شهر أيلول 2024، قال وزير الكهرباء كذلك المتحدث باسم وزارة الكهرباء إن المشروع يستهدف 535 مبنى حكومياً وبكلفة 65 مليار دينار، لكن في شهر تشرين الأول الجاري، خرج المتحدث باسم الكهرباء برقم جديد في العدد والكلفة، مشيراً إلى أن "المشروع يستهدف 546 مبنى حكومياً وتم تخصيص 90 مليار دينار للمشروع".
ومن المؤشرات المريبة الأخرى، تشير وزارة الكهرباء إلى أن المؤسسات الحكومية ستكون لها حرية الاختيار والتعاقد مع الشركات المجهزة لمشاريع منظومات الطاقة الشمسية على أسطح بناياتها، أي أن الأمر لن يكون مركزياً وستكون كل مؤسسة معنية باسم ونوع وكلف الشركة، وهذا ربما "قد يقود لعمليات فساد متفرعة وغير مسيطر عليها، حيث سيكون هناك مئات العقود متوزعة بين المؤسسات الحكومية ولا توجد مراقبة مركزية عليها".
هل تعكس الكلفة كمية الطاقة؟
لا يوجد تفصيل واضح من الجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارة الكهرباء عما إذا كانت هذه الكلفة البالغة 90 مليار دينار، هي الكلفة الشاملة للمشروع بالكامل أم أنها لمرحلة أولية أو تغطي جزءاً بسيطاً فقط من المؤسسات قبل إتمام عدد البنايات البالغ أكثر من 500 بناية؟
لكن، وفق الكلفة المعلنة، تحاول "الجبال" التوصل إلى كمية الطاقة التي من الممكن أن يوفرها هذا المبلغ عبر الطاقة الشمسية، فبمراجعة أسعار كلف منظومات الطاقة الشمسية، يتضح أن سعر الواط الواحد في أحسن الأحوال يبلغ 2 دولار، هذا يعني أن الـ90 مليار دينار والتي تعادل حوالي 68 مليون دولار، ستنتج 34 مليون واط، أو ما يعادل 34 ألف كيلو واط.
وبحسب نظام التوليد وفقاً لمواقع مختصة بالطاقة، فإن كل منظومة بقدرة 10 كيلو واط تنتج 12 ألف كيلو واط بالساعة، هذا يعني أن المنظومات بالسعر المحدد من الدولة والتي ستكون بقدرة 34 ألف كيلو واط، ستنتج أكثر من 40 مليون كيلو واط في الساعة، أو ما يعادل 40 ألف ميغا واط بالسنة، وفقاً لحسابات أجرتها "الجبال".
ولفهم أكبر، عند مقارنة هذه الكمية من الطاقة مع ما تستهلكه مؤسسات الدولة من طاقة، فإن المؤسسات الحكومية استهلكت أكثر من 11 مليون ميغا واط في العام 2023، لذا فإن المبلغ المخصص يكفي لتوليد 0.03% فقط من إجمالي الطاقة الكهربائية التي تحتاجها مؤسسات الدولة، وإذا كان سعر المنظومات أقل، أي بنوعيات أقل كفاءة وبسعر 1 دولار لكل واط واحد، فإن المبلغ المخصص سينتج طاقة تعادل 1% من إجمالي ما تستهلكه مؤسسات الدولة في أحسن الأحوال، وهي نسبة قليلة وغير مجدية، إلا إذا كان المبلغ سيكون مخصصاً لجزء من المشروع ولا يتوزع على جميع البنايات المستهدفة بالكامل.