أوضح النائب المستقل في البرلمان العراقي، باسم خشان، تفاصيل دعوى قضائية رفعها ضد كل من رئيس مجلس النواب بالإنابة، محسن المندلاوي، ونائبه الأول، ورئيس الجمهورية، ووزير العدل، تتعلق بـ"التلاعب" والتعديلات التي طرأت على جداول الموازنة بعد التصويت عليها في البرلمان.
وأشار خشان لـ"الجبال"، إلى أن "الجداول التي صوّت عليها مجلس النواب ليست هي نفسها التي قدّمتها الحكومة، إذ تم التعديل عليها لاحقاً"، مما دفعه إلى رفع هذه الدعوى.
وتقدّم خشان بدعوى قضائية أمام المحكمة تطالب بـ "الحكم ببطلان جداول الموازنة المصطنعة واعتماد الجداول التي صوّت عليها مجلس النواب، الحكم بإنهاء عضوية النائب الأول لرئيس البرلمان محسن علي أكبر (محسن المندلاوي)، وإصدار أمر ولائي يلزم المدعي عليهما الثالث والرابع (رئيس الجمهورية ووزير العدل) بنشر جداول الموازنة التي صوّت عليها مجلس النواب".
وستعقد المحكمة المختصة جلستها الأولى بهذا الشأن يوم غد الثلاثاء 29 تشرين الأول، وقال خشان لـ"الجبال" إنه "سأمثل أمام المحكمة الاتحادية غداً للمرافعة في هذه القضية".
واعتبر النائب باسم خشان في أوقات سابقة، أن ثبات التلاعب بالموازنة قد ينهي عضوية رئيس البرلمان بالإنابة محسن المندلاوي عبر تقديم دعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا، كونه هو من وقع على قرار تصويت البرلمان والجداول المرسلة للحكومة.
وفي 3 حزيران الماضي، صوت مجلس النواب على جداول موازنة 2024، وقال حينها إنه "تمت الموافقة على تقديرات جداول الموازنة العامة لسنة 2024 ومرفقاته وجداول تمويل العجز، ومنح مجلس الوزراء صلاحية مناقلة مبلغ (2) ترليون دينار من تخصيصات الموازنة الاستثمارية للوزارات وإضافتها إلى تخصيصات تنمية الأقاليم للمحافظات غير المنتظمة بإقليم وتوزع حسب النسب السكانية ونسب الفقر في كل محافظة".
وفق صيغة بيان المجلس باستخدام جملة "تمت الموافقة على تقديرات الجداول"، يمكن قراءة البيان بأنه "تمت الموافقة على الجداول كما وردت من مجلس الوزراء"، إلا أن البيان حمل عبارة "تم التصويت على جداول قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (13) لسنة 2024 المعدلة"، ومن غير المعروف ماذا يقصد البرلمان بمفردة "المعدلة"، وهل أنها معدلة من قبل البرلمان بعد ورودها من مجلس الوزراء، أم يقصد المعدلة من مجلس الوزراء مقارنة بجداول موازنة 2023 على اعتبار كونها موازنة ثلاثية؟
وبعد أسبوع فقط من ذلك، في 11 حزيران، تناقلت وسائل إعلام محلية تصريحات للمتحدث باسم وزارة العدل أحمد لعيبي، جاء فيها أنّ "وزارة العدل خاطبت مجلس النواب لغرض إرسال جداول الموازنة لنشرها في جريدة الوقائع الرسمية"، في حين تحدثت مصادر عن إعادة الجداول من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب "لغرض إجراء تدقيق في بعض مواد وفقرات القانون".
وعقب شهر، في 11 تموز، صدرت تصريحات من النائب باقر الساعدي، قال فيها إنّ هناك بعض الملاحظات البسيطة على الموازنة لذلك تمت إعادتها إلى البرلمان، وسيتم إجراء التعديلات عليها من لجنة مختصة بعد العاشر من محرم وترسل إلى مجلس الوزراء مجدداً.
ليأتي بعد ذلك، في 13 تموز، أول كشف رسمي عن وجود تلاعب بجداول الموازنة، على لسان عضو اللجنة المالية النيابية معين الكاظمي، الذي أكد أن الموازنة عادت إلى مجلس النواب لإجراء بعض التعديلات، بعد أن اكتشف مجلس الوزراء وجود اختلاف بنسخة الموازنة المرسلة من مجلس النواب إلى مجلس الوزراء، بالرغم من أن مجلس النواب صوت على الجداول كما وردت من مجلس الوزراء دون تعديل، مشيراً إلى أن الاختلاف رفع الموازنة من 211 تريليون دينار إلى 226 تريليون دينار.
ويتضح من تصريح الكاظمي، أنه تمت إضافة 15 تريليون دينار على جدول نفقات الموازنة، غير أنه من غير المعروف على أي أبواب تمت إضافة هذه المبالغ، التي ترفع حجم النفقات بنسبة تبلغ 7%. لكن معلومات متسربة تشير إلى أن الإضافات تضمنت زيادة مبلغ البطاقة التموينية 5 ترليون دينار إضافية، وزيادات مالية لوزارة الكهرباء وبعض المحافظات.
ولم تلتزم الحكومة الصمت، إلا أنها تأخرت بإرسال كتاب استفهامي إلى مجلس النواب حتى مرور قرابة الشهر، فبينما تم التصويت على الموازنة في 3 حزيران، وتم إرسال الموازنة إلى مجلس الوزراء في 10 حزيران، أرسل مكتب السوداني في 1 تموز كتاباً استفهامياً إلى مجلس النواب، غير أن هذا الكتاب لم يتسرب للإعلام حتى 20 تموز.
وتضمن الكتاب أن قرار مجلس النواب يقول إنه تم التصويت على جداول الموازنة كما وردت من الحكومة، لكن النسخة الورقية المرفقة مع كتاب مجلس النواب الذي أكد "التصويت على الجداول كما وردت"، تختلف عن الجداول التي أرسلت بالفعل من الحكومة إلى مجلس النواب، كما أن النسخة الالكترونية الموجودة في القرص المدمج تختلف هي الأخرى عن نسخة الحكومة وعن النسخة الورقية المرسلة من مجلس النواب.
وفقاً لذلك، هذا يعني وجود نسخة حكومية لجداول الموازنة من المفترض أن البرلمان صوت عليها كما هي، فضلاً عن وجود نسختين "ورقية والكترونية" واردة من البرلمان، كلاهما يختلفان عن النسخة الأصلية للحكومة والتي من المفترض أن البرلمان صوت عليها كما هي.
وبقي الحديث منذ 20 تموز وحتى الآن، عن قصة التلاعب بجداول الموازنة، يظهر ويخفت بين الحين والآخر، واتهمت بعض الصفحات النائب مصطفى سند وعدي عواد ومحمد نوري بالتلاعب في الجداول، بالمقابل رد سند على ذلك بنفي تدخله بهذا الشأن، مشيراً إلى أن ما حدث هو أن بعض النواب ربما كتبوا "جداول خاصة بهم وأجروا مناقلات بإضافة أموال إلى محافظاتهم أو أبواب أخرى كاقتراحات"، لكن قرار رئيس البرلمان كان التصويت على الجداول كما وردت من الحكومة وهذا يغلق الباب على أية إضافات أخرى من النواب، معتبراً أنّ "الأمر لا أثر له والحكومة ضخمت القضية".
وكان استمرار الحديث عن "التلاعب بجداول الموازنة"، وورود اسم المندلاوي في القصة، دفع الأخير لإصدار بيان عبر الموقع الرسمي لمجلس النواب، وعاد للتأكيد على أن الجداول تم التصويت عليها كما وردت من الحكومة، فيما حمل البيان غضباً واضحاً، شدد من خلاله على أنه "متابع لكافة ما ينشر ويبث من أحاديث غير دقيقة من بعض وسائل الإعلام"، مهدداً بأنه "ستتعرض للمساءلة القانونية أي جهة تحاول تضليل الرأي العام من خلال إخفاء الحقائق والنقل غير الأمين للوقائع، لتحقيق مآرب غير مشروعة بعيداً عن أمانة النقل الحيادي والموضوعية التي ينبغي أن تتحلى بها".