خلال الأيام الأخيرة، شهدت الأوساط السياسية والإعلامية نقاشات واسعة بين الكتل والأطراف السنية والشيعية، حول ملف الإعدامات التي تطال عدداً كبيراً من المعتقلين داخل السجون العراقية، بالتوازي مع ملف "قانون العفو العام"، بالوقت الذي يحذر فيه خبراء ومراقبون من تحول النقاش إلى استقطاب طائفي جديد، وذلك بعد مصادقة رئيس الجمهورية، عبد اللطيف رشيد مؤخراً على أحكام بالإعدام تشمل عشرات المسجونين.
"السيادة يتحدث عن حراك لإيقاف تنفيذ الإعدامات"
كشف تحالف السيادة، وهو أحد التحالفات السياسية السنية في العراق، اليوم، عن تحركات سياسية تهدف الى إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام بحق بعض السجناء.
وقال القيادي في التحالف، إبراهيم الدليمي، لـ"الجبال"، إن "هناك حراك مكثفاً يجري منذ أيام يهدف إلى إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام بحق بعض السجناء"، مبيناً أن "هناك مظلومين كثر، واتخذ بحقهم هكذا حكم بسبب انتزاع الاعترافات منهم بالقوة والتعذيب وبعضهم بسبب المخبر السري سيء الصيت".
وأضاف الدليمي أن "هذا التحرك يهدف لإيقاف الظلم، مع حراك لتشريع تعديل قانون العفو، بهدف إعادة المحاكمات وكذلك التحقيقات، فهناك مظلومون، ويجب رفع الظلم الواقع على أغلب السجناء منذ سنوات طويلة"، مردفاً: "نحن مع إطلاق سراح الأبرياء حصراً، ومع إنزال أقصى العقوبات بحق أي شخص متورط بأي أعمال إرهابية".
صادقون مؤيدة لـ"الإعدامات"
من جانبها، أكدت كتلة صادقون البرلمانية، التابعة لحركة عصائب أهل الحق، اليوم الأربعاء، أن تنفيذ الإعدامات في العراق ملف "قضائي – قانوني"، ويجب أن يكون بعيداً عن أي تدخلات سياسية.
وقال النائب عن الكتلة، رفيق الصالحي، لـ"الجبال"، إن "هناك ضرورة للإسراع في تنفيذ أحكام الإعدام بحق الإرهابيين، الذين صدرت بحقهم تلك الأحكام بشكل نهائي"، مضيفاً: "لا يمكن بقاء هؤلاء الإرهابيين دون تنفيذ الأوامر القضائية، خاصة وأنهم يكلفون خزينة الدولة أموالاً يومية".
وبيّن الصالحي في حديثه أن "ملف الإعدامات وتنفيذها ملف قضائي قانوني بحت، ويجب أن يبقى هذا الملف بعيداً عن التدخلات السياسية"، مشدّداً أنه "لن نسمح بأي تدخلات، لتعطيل تنفيذ تلك الأوامر القضائية. فلا مبرر ذلك، يجب تنفيذ القرارات".
واتهم النائب عن صادقون "البعض بأنهم يريدون استغلال هذا الملف للمزايدات السياسية بهدف كسب بعض الجمهور، بعد فقدانهم الكثير من شعبيتهم".
"إعدامات جماعية متسارعة"
ومنذ أيام، وقع رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف رشيد، على أوامر إعدام صدرت بحق متهمين محتجزين في السجون منذ سنوات، يقول ذووهم إنهم "اعترفوا تحت التعذيب"، فيما أثارت الخطوة ضجّة واسعة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وعلّق "مرصد أفاد" الحقوقي المعني بتسليط الضوء على الانتهاكات ضد حقوق الإنسان في العراق، في بيان نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، على الأمر قائلاً: "أقدمت السلطات العراقية على تنفيذ واحدة من أوسع عمليات الإعدام في البلاد منذ عام 2003".
وبحسب المرصد، "تم تسليم ما لا يقل عن 50 معتقلاً لذويهم خلال شهر أيلول 2024، أعدِموا شنقاً في سجن الناصرية المركزي جنوبي البلاد. وهناك حركة إعدامات جماعية متسارعة بعضها لكبار سن، وأخرى تمت بطريقة بشعة".
ويرى عدد كبير من السياسيين والنشطاء هذه الإعدامات أنها "مسيّسة"، ويحذرون من دفعها باتجاه استقطاب طائفي جديد في البلد.
وأكد عضو مجلس النواب العراقي، علاء الركابي، في تصريح أنه "تواصلت مع قضاة وأعضاء بجهاز الإدعاء العام وقالوا لي نحن على قناعة تامة إن هناك محكومين بالإعدام هم أبرياء، وقالوا إن عملية نطق الحكم عليهم كانت بأدلّة غير صحيحة أو بالمخبر السري أو التعذيب"، مضيفاً: "نحن على قناعة أن هناك ناس مظلومة أكلت سجن مؤبد أو إعدام وهم أبرياء".
وردّت رئاسة جمهورية العراقي على ما وصفته بـ"الهجوم الذي تتعرض له"، عبر بيان، قالت فيه: "تداولت بعض الصفحات المشبوهة، العائدة لبعض المطلوبين للقضاء وضباط المخابرات في زمن النظام السابق ممن تلطخت أيديهم بدماء العراقيين، خبراً مفاده صدور مراسيم جمهورية بالجملة للمصادقة على أحكام الإعدام الصادرة على المحكومين بالجرائم الإرهابية"، مؤكدة أن "رئاسة الجمهورية لن تتوانى عن القيام بواجباتها في المصادقة على أحكام الإعدام على الإرهابيين الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين الأبرياء بعد أن يستوفي الحكم الإجراءات القانونية كافة من تمييز وإعادة محاكمة وعرض على لجنة العفو الخاص".
في المقابل، أثار بيان رئاسة الجمهورية استياء هيئة العلماء المسلمين في العراق، التي أكدت رفضها للاتهامات التي أطلقتها رئاسة الجمهورية على المعارضين لحملة الإعدامات، مبينة أن "النظام يقوم بتنفيذ هذه الحملات والمسارعة فيها اعتماداً على مزاعم واهية ومحاكمات صورية، وإجراءات تعسفية، تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان". وقالت إن "بيان رئاسة الجمهورية دل دلالة واضحة على انسياق رئيس الجمهورية لرغبات القوى السياسية المتسلطة وصاحبة النفوذ المطلق في العراق بالتعاون مع المليشيات الإجرامية التي تمارس جرائمها بدوافع طائفية مقيتة، وابتعاده عن خيار التعامل بالسوية مع جميع أفراد الشعب".
وأمس الثلاثاء، تجمعت عشرات من أمهات وذوو المعتقلين في بغداد، مطالبة بـ "إيقاف حملات الإعدامات وإعادة محاكمة أبنائهن بواسطة لجان قضائية مختصة بعيداً عن أسلوب التعذيب والترهيب".
وناشدت الأمهات "الجميع للتدخل من أجل وقف الإعدامات تلك بعد مصادقة رئيس الجمهورية عليها"، واصفات الأمر بـ "الظالم".