مشروع "إقليم البصرة"، بدأ دستورياً منذ 2005، وظهر سياسياً في عام 2008، ثم خفت قبل أن يعود بقوة بعد عام 2018 ليصل مؤخراً إلى مرحلة جديدة يعتبرها مراقبون أنها أكثر جدّية، وذلك بعد إطلاق مفوضية الانتخابات العراقية استمارة طلبات تشكيل "إقليم البصرة"، ليتنقل بذلك المشروع من الشعارات والاحتجاجات المطالبة بإنشائه، إلى سكّة الإجراءات الرسمية، وسط تحذيرات من التشتت والانقسام.
في السياق: بعد نقاش "إقليم البصرة".. كيف يتمّ إنشاء الأقاليم دستورياً في العراق؟
في هذا السياق، قال مسؤول منظمة "بدر" في البصرة، خلف البدران في حديث لمنصّة "الجبال" إن "قضية إقليم البصرة تعتمد على عاملين أساسيين قبل اتخاذ أي خطوات عملية، أولها مرتبط بمدى ملاءمة التوقيت، والظرف السياسي والاقتصادي الذي يمر به البلد حالياً"، مشيراً إلى أن "الاستعجال في هذا الملف قد يؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم ترافقه ظروف مناسبة".
وأضاف، أما "العامل الثاني: فهو رأي الجمهور البصري نفسه اتجاه هذا الفعل وقناعته"، مؤكّداً أن "الأغلبية تُعدّ المرجع الأساسي في أي قرار يتعلق بمستقبل المحافظة وأنهم كجهة سياسية يحرصون على احترام إرادة المواطنين البصريين ومواقفهم سواء أكانت مؤيدة لمشروع الإقليم أم متحفظة عليه لأن أي تحرك دون توافق شعبي واسع قد يضعف فرص نجاح المشروع ويزيد من الانقسامات داخل المجتمع المحلي".
من جانبها، أعربت عضوة مجلس محافظة البصرة زهراء السلمي عن كتلة "صادقون" في حديث لمنصّة "الجبال"، عن موقفها "الحذر"، إزاء قضية "إقليم البصرة"، واصفة بعض التصريحات والتطلعات المتعلقة بتحويل المحافظة إلى إقليم بأنها "اضغاث أحلام"، في ظل الظروف الراهنة.
وأشارت السلمي إلى، أن "الحديث عن مشروع الإقليم في هذا الوقت غير مجدٍ"، لافتة إلى أن "التركيز يجب أن ينصب على معالجة المشكلات الحقيقية التي تواجه المواطنين على الأرض بدل الانشغال بمسارات سياسية قد لا تتسق مع الواقع المحلي".
وأوضحت السلمي، أن "أي نقاش حول الإقليم يجب أن يكون محسوباً ويستند إلى توافق شعبي وسياسي واضح وإلا فإنه قد يزيد من حالة التشتت والانقسام داخل مجلس المحافظة والمجتمع البصري".
في المقابل، بيّن مستشار "ائتلاف دولة القانون"، عباس الموسوي، في تصريح لمنصّة "الجبال"، أن "قضية إقليم البصرة تتطلب التعامل معها وفق آلية دستورية محددة"، مشدداً على أنه "لا يحق لأي طرف أن يتجاوز هذه الإجراءات القانونية أو يتصرف بشكل منفرد، إذ أن العملية تخضع لأطر محددة نص عليها الدستور العراقي".
وأضاف الموسوي، أن "العراق بلد ديمقراطي يقوم على أسس التصويت والاستفتاء الشعبي، وأن أي نقاش حول الإقليم يجب أن يأخذ بعين الاعتبار رأي المواطنين بشكل أساسي وليس المواقف السياسية الفردية"، مؤكدًا أن "احترام إرادة القانون يأتي في المقام الأول".
وأشار الموسوي إلى، أن "الأولوية حالياً تكمن في اكتمال الحكومة وتشكيلها بشكل كامل"، معتبراً أن "أي خطوات نحو الفيدرالية أو الإقليم قبل تحقيق هذا الشرط قد تكون غير مجدية أو مسببة للاختلال السياسي، وهو ما يستدعي دراسة معمقة ومراعاة السياق السياسي العام".
وأكد، أن "أي بحث حول مشروع الفيدرالية يجب أن يبدأ بعد استقرار الحكومة، وأن التعاطي مع هذا الملف يتطلب الوعي الكامل بالضوابط الدستورية واحترام إرادة الشعب لضمان أن أي تحرك نحو الإقليم أو الفيدرالية يكون قانونياً وديموقراطيًا ويخدم مصالح المواطنين في المقام الأول".
من جانبه، رأى الناشط البصري المؤيد لقضية "الإقليم"، عمار الحلفي، أن "تحويل البصرة إلى إقليم يكاد أن يتحقق بالمعجزة نظراً لأهمية المحافظة كونها سلة العراق الاقتصادية ومصدراً رئيسياً للإيرادات الوطنية ".
وأكد الحلفي في حديث لمنصّة "الجبال"، أن "من حق أبناء البصرة دستورياً المطالبة والإصرار على دعم هذا المشروع"، مشيراً إلى أن "هذا الحق لا يعني تقليداً لتجربة إقليم كوردستان حيث رغم محدودية الإيرادات كان الاستقرار السياسي واضحاً".
وأضاف، الحلفي أن "النقاش حول الإقليم يشتد عادة عند حدوث أي ثغرة أو أزمة في المحافظة حيث يُطرح كحل وحيد للمشكلات"، داعياً إلى "مراعاة التوازن بين الطموح الدستوري والواقع العملي لضمان أي خطوات مستقبلية نحو المشروع".
ورفضت بعض الجهات داخل مجلس محافظة البصرة، الإدلاء بأي تصريحات لمنصة "الجبال" في إطار مشروع "إقليم البصرة"، مكتفية بـ"التحفّظ"، وذلك بسبب عدم اكتمال الرؤية داخل المجلس وتشتّت أعضائه بعد تشكيل كتلة سياسية جديدة تصدّر المشهد كمعارضة للكتلة الأكبر؛ ما يعكس حالة من الحذر.
واليوم الخميس، أطلقت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، استمارة طلبات تشكيل "إقليم البصرة".
وصرّح مدير مكتب انتخابات البصرة، حيدر محمد، قائلاً إن "القانون حدّد الجهات التي تملك حق تقديم الطلب الرسمي والمباشر في المادة (2)، وهي محصورة بجهتين فقط: (مجالس المحافظات عبر طلب مقدم من ثلث الأعضاء، والناخبون عبر طلب مقدم من عشر الناخبين في المحافظة)".
وبيّن محمد أن "منظمات المجتمع المدني لا تتمتع بصفة رسمية لتقديم هذا الطلب باسمها ككيان معنوي، لكن أعضاءها بصفتهم ناخبين يمكنهم التحرك ضمن المسار الشعبي"، موضحاً أن "توضيح المسار القانوني لنسبة 2% يتم إذا أرادت مجموعة من المواطنين، بمساعدة منظمة مثلاً، تفعيل خيار الرغبة الشعبية".
ونبه مدير مكتب المفوضية في البصرة إلى، أن "القانون رسم المسار في المادة (4) عبر تقديم الطلب الأول من قبل 2% من الناخبين إلى مكتب المفوضية في المحافظة، متضمناً شكل الإقليم المراد تكوينه".
ولفت إلى أن "المفوضية تعلن عن الطلب خلال ثلاثة أيام في وسائل الإعلام، ثم تفتح سجل الرغبات لمدة لا تقل عن شهر، لمراجعة بقية المواطنين الذين تتوفر فيهم شروط الناخب والتوقيع في سجل مُعدّ لذلك لإكمال نسبة 10% المطلوبة قانوناً للانتقال إلى مرحلة الاستفتاء".
وأشار محمد إلى، أن "دور المنظمة ينتهي عند حدود الحشد والتمثيل القانوني للأفراد، فيما تبقى الإجراءات الرسمية من تصويت وتوقيع في السجلات والاستفتاء محصورة بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وفق المادة (10)، مع قيامها بالتحقق من الهويات والسجلات"، مؤكداً أن "المفوضية زودت استمارات لجمع تواقيع 2% من ناخبي محافظة البصرة، وبعد تدقيقها، وفي حال صحتها، يتم فتح مراكز تسجيل لاستقبال طلبات 10% من الناخبين".
وذكر أنه "بعد تدقيق صحة الطلبات، يتم رفع طلب إلى مجلس الوزراء لتحديد موعد الاستفتاء حول تشكيل إقليم البصرة".
محتجون ينظمون وقفة مطالبة بإنشاء "إقليم البصرة" (مواقع التواصل)