في ظل انخفاض أسعار النفط، والقلق المستمر من تداعيات "الأزمة" المالية، يرجّح متخصصون لجوء العراق لتطبيق "الورقة البيضاء"، والتي تتضمن بنوداً تتعلق بالرواتب وسعر صرف الدولار وغيرها من الأمور التي تمسّ المواطن بشكل مباشر أو غير مباشر، بينما تنفي اللجنة المالية النيابية، وجود توجّه حكومي يهدف لخفض الرواتب وإلغاء البطاقة التموينية ورفع الدولار، الأمور التي يرى متخصصون أنها ضمن أولويات تطبيق "الورقة البيضاء" التي يتبناها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بإدارة الأزمات الاقتصادية في البلدان النامية.
في هذا السياق، يشير الخبير في الشؤون الاقتصادية حيدر الشيخ، إلى تطبيق "الورقة البيضاء"، في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، من جراء انخفاض أسعار النفط، الأمر الذي جعل الحكومة في حينها عاجزة عن تأمين الرواتب، بينما رجّح تطبيقها من قبل الحكومة المقبلة حال انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل.
الشيخ وفي حديث لمنصّة "الجبال"، قال إن "الورقة البيضاء أطلقت في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، لإصلاح الوضع الاقتصادي والمالي في العراق نتيجة انخفاض أسعار النفط وعجز الحكومة في حينها على صرف رواتب الموظفين".
هل ستلجأ الحكومة المقبلة لـ"الورقة البيضاء"؟
وبيّن الشيخ، أن "الحكومة الحالية أو المقبلة قد تلتجئ إلى تطبيق الورقة البيضاء، إذا انخفض سعر برميل النفط دون 60 دولاراً، كما أن رفع سعر صرف الدولار من ضمن المقترحات الموجودة؛ للمساهمة في تعزيز الإيراد المالي وإنعاش الاقتصاد وتأمين صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين وشبكة الحماية الاجتماعية، كما حدث في عهد حكومة مصطفى الكاظمي".
وأضاف، أن "الإيراد المالي في هذا العام انخفض إلى دون 120 تريليون دينار، بعد أن كان أكثر من 130 تريليون دينار يسجل سنوياً، وإذا انخفض سعر برميل النفط دون 60 دولاراً فإن الايرادات المالية للعراق ستنخفض دون 100 تريليون دينار، وهنا ستكون المشكلة الحقيقة للعراق".
وتابع الخبير في الشؤون الاقتصادية، أن "انخفاض الإيرادات دون 100 تريليون سيدفع الحكومة للجواء إلى الورقة البيضاء ورفع سعر صرف الدولار الرسمي"، مبيناً أنه "برفع سعر الصرف، سيفقد الدينار قيمته، وتنخفض قيمة رواتب الموظفين والمتقاعدين بالنسبة للدولار".
قرار التطبيق سيسبقه تشاور مع البرلمان
في المقابل، نفت اللجنة المالية في البرلمان العراقي - المنتهية ولايته - حقيقية وجود توجه حكومي يهدف الى خفض الرواتب وإلغاء التموينية ورفع الدولار خلال المرحلة المقبلة.
وقال عضو اللجنة مصطفى خليل الكرعاوي، في حديث لـ"الجبال"، إن "الحكومة لا تمتلك أي خطة حالية أو مستقبلية تستهدف خفض الرواتب أو إلغاء الدعم التمويني، أو رفع سعر صرف الدولار، فهذه الأمور لا تزال خارج جدول الأولويات الحكومية".
وبيّن الكرعاوي، أن "الحكومة ملتزمة بالحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين وضمان استمرار الدعم التمويني وفق الخطط المعتمدة، وأي قرارات بهذا الشأن ستتم بالتشاور مع البرلمان وبما يخدم مصلحة الشعب".
وختم حديثه بالقول، إن "الحديث عن خفض الرواتب أو أي تغييرات في الدعم المالي، مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة، وعلى وسائل الإعلام والجمهور الاعتماد على التصريحات الرسمية لتجنب البلبلة وإشاعة القلق بين المواطنين".
وأمس الجمعة، تحدّث الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، عن تداعيات "الورقة البيضاء" التي يتبناها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإدارة الأزمات الاقتصادية في الدول النامية، والتي بدأ العراق في تطبيقها، بحسب قوله.
وقال المرسومي في تدوينة بعنوان "الخيار الأول للإصلاح الاقتصادي (الورقة البيضاء)"، "يعتقد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن الأزمات الاقتصادية في البلدان النامية ناجمة عن أخطاء السياسات الاقتصادية الكلية في البلدان النامية، وأن تصحيح ذلك يتطلب إحداث تغييرات جوهرية في هذه السياسات حتى ولو كان ذلك على حساب الأهداف الاجتماعية والفقراء".
وأضاف، "تتكون حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي يتبناها صندوق النقد الدولي من:
1. تخفيض سعر صرف العملة الوطنية ومن ثم تعويمها.
2. رفع سعر الفائدة وتحديد السقوف الائتمانية.
3. الخفض التدريجي للدعم الحكومي للسلع والخدمات الحكومية.
4. تخفيض الإنفاق العام على السلع والخدمات.
5. تخفيض فقرة الرواتب والحدّ من تعيين الخريجين في المؤسسات الحكومية.
6. إعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام الخاسرة وخصخصتها.
7. تخفيض بنود النفقات التحويلية ذات الطابع الاجتماعي لاسيّما فيما يتعلق بدعم أسعار السلع التموينية الضرورية.
8. رفع أسعار الطاقة إلى مستوى الأسعار العالمية.
9. رفع المعدلات الضريبية وزيادة حصيلتها وإعادة تنظيمها وإيجاد أوعية ضريبية أخرى أو فرض ضرائب مباشرة أو سياسيات خاصة بالضرائب غير المباشرة، فضلاً عن زيادة قاعدة الممولين والحدّ من الإعفاءات الضريبية وتطوير طرق التحصيل ومحاربة التهرب الضريبي.
10. تحرير الأسعار كافة وتحرير التجارة".
وأشار المرسومي، إلى أن "العراق بدأ فعلاً في تطبيق برنامج الإصلاح لصندوق النقد الدولي، تحت يافطة الورقة البيضاء في عام 2020 بعد انهيار أسعار النفط نتيجة لانتشار كورونا وإغلاق الاقتصاد العالمي، وكان من المفروض أن تطبق الورقة البيضاء الإجراءات الآتية:
1. تخفيض فاتورة الأجور والرواتب من 25% من الناتج المحلي الإجمالي الى 12.5% خلال ثلاث سنوات.
2. إعادة هيكلة سلم الرواتب العامة من خلال إيقاف عمليات التوظيف والاستبدال الجديدة في القطاع العام.
3. تطبيق ضريبة الدخل على مخصصات الموظفين والحوافز والعلاوات وغيرها.
4. تخفيض إجمالي الدعم الحكومي من 13% من الناتج المحلي الإجمالي الى 5% خلال ثلاث سنوات والذي يمتد من أجور الكهرباء والوقود إلى إلغاء البطاقة التموينية واقتصارها على المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية بعد تنقيدها، وهو ما يعني في النهاية ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والمواد الغذائية ومن ثم ارتفاع مستويات التضخم في الاقتصاد العراقي.
5. رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، وهو ما حصل فعلاً في العراق والذي انعكس سلبياً على الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة في العراق بعد أن رفعت الحكومة سعر صرف الدولار بنسبة 23% في مواجهة الدينار العراقي".
وختم المرسومي تدوينته بالقول: "على العموم، تترتب على تطبيق إصلاحات الورقة البيضاء كلفة اجتماعية باهظة يتحملها الفقراء وذوي الدخل المحدود وهذا سيدفعنا إلى نشر خيار آخر ممكن أن يكون خياراً وطنياً للإصلاح".
أموال عراقية (مواقع التواصل)