أبو حسين ذو الـ 54 سنة وهو مزارع لأرض تتجاوز الخمس دونمات في كرمة بني سعيد جنوب الناصرية يتحدث وهو ينظر إلى السماء بعد أول زخّة مطر محدثاً نفسه بأنه الخير والبركة وبدأت الأرض تدب بها الروح "إحنا في ذي قار إذا ما تجينا شتوية زينة فوضعنا ما يصير زين، والمطر هو اللي يفتح النفس ويخلّي الأرض تتنفس بعد سنة كلها عطش".
أما أبو كرار وهو مزارع ايضاً يتحدث لمنصة "الجبال" وهو ينظر الى تربة أرضه المبللة والتي بدأ بزراعتها بمحصول الحنطة مؤخراً، ويقول: "هذه الأمطار هبة سماوية تكفينا كثيراً وتوفّر علينا جهد وكلفة السقي، إذا استمرت الأمطار بهالشكل.. ما راح نحتاج نرجع نروي لا من النهر ولا من القنوات الحديثة، هذا السقي رباني، نازل من السماء".
ثم يضيف قائلاً: "الناس في المدينة قد لا يدركوا أهمية هذه الأمطار، فالمطرة الواحدة توقّف خسارة موسم كامل لنا كفلاحين نعرف ويصحّح مسار الزراعة كلها".
وبدا أن الفلاحين كانوا ينتظرون الأمطار بشغف، بعد أن يأسوا من حل مشكلة الجفاف من قبل السلطات.
من جانبه، كشف مدير الموارد المائية في ذي قار، هاشم محيبس، لمنصة "الجبال" عن ارتفاع ملحوظ في المناسيب المائية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، مؤكداً أن موجة الأمطار الأخيرة لعبت دوراً مهماً في تعزيز الإطلاقات المائية وإنعاش مناطق الأهوار.
وقال محيبس إن المنطقة الحدودية في الهويشيلي الواقعة بين محافظتي ذي قار والمثنى شهدت ارتفاعاً في المنسوب المائي من 31 سنتيمتراً قبل أيام إلى 39 سنتيمتراً اليوم، "ما يعكس تحسناً تدريجياً في كميات المياه الواردة".
وأوضح أن المحافظة سجلت خلال اليوم الأخير كميات أمطار "متفاوتة"، وأن معدل الكميات التي هطلت في 6 وحدات إدارية تقدر ارتفاعها 10 ملم، مبيناً أن "هذه الكمية تُعد كافية لتأمين ريّة كاملة للخطة الزراعية الحالية".
وأشار مدير الموارد المائية إلى أن تأثير الأمطار لم يقتصر على الأراضي الزراعية فحسب، بل امتد ليشمل أهوار الجبايش التي شهدت ارتفاعاً في منسوب مياه الفرات الداخل إليها، إذ ارتفع المنسوب من 45 سنتيمتراً يوم أمس إلى 47 سنتيمتراً اليوم، مشيرا الى أن "هذه الزيادة ما تزال في بدايتها، لا سيما أن معظم كميات الأمطار التي هطلت خلال الساعات الماضية كانت في المناطق الوسطى من البلاد، ومن المتوقع أن تصل تأثيراتها تدريجياً إلى الجنوب مع تحسن الإطلاقات المائية".
الى ذلك، أكد مدير زراعة ذي قار محمد عباس، لمنصة "الجبال" أن "موجة الأمطار الأخيرة مثّلت فرصة إنقاذ حقيقية للموسم الزراعي الشتوي الذي تأخر انطلاقه هذا العام بسبب شحّ المياه وتراجع الإطلاقات المائية، فالموسم كان من المفترض أن يبدأ منتصف تشرين الثاني إلا أن الظروف المائية القاسية دفعت إلى تأجيل الزراعة حتى مطلع كانون الأول".
وأوضح أن الأمطار التي هطلت خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية شكّلت "الريّة الأولى" للمساحات المتأخرة عن الزراعة، الأمر الذي خفف الضغط على الخطة الزراعية ودعم الفلاحين الذين كانوا ينتظرون أي تحسن في الظروف المائية لإطلاق أعمالهم.
وأشار مدير الزراعة إلى أن الكميات المتراكمة من الأمطار لن تنعكس فقط على الأراضي الزراعية، بل ستسهم أيضاً في إنعاش مناطق الأهوار التي تأثرت بشكل واضح بانخفاض المناسيب خلال الأشهر الماضية، مؤكداً أن تأثيرات الأمطار ستظهر تدريجياً خلال الأيام المقبلة.
وشهدت محافظة ذي قار كميات كبيرة من الأمطار في الساعات الماضية، وقال مدير الأنواء الجوية في الناصرية أحمد كريم إن الأرقام المسجلة لديهم "كانت متفاوته" بين الشدّة والمتوسطة وتأثيرها على مناطق المحافظة.
وأوضح كريم أن مدينة الناصرية سجّلت كمية أمطار بلغت 13 ملم، فيما كانت ذروة الهطول في قضاء قلعة سكر الذي تصدّر القائمة بمعدل وصل إلى 85 ملم، وهو الأعلى منذ بداية الموسم ويُعد مؤشراً على حالة مطرية استثنائية شهدها شمال المحافظة.
وأضاف أن قضاء الرفاعي جاء في المرتبة الثانية بمعدل أمطار بلغ 40.6 ملم وتليه الشطرة بـ 36.3 ملم ومن ثم الغراف بـ 30 ملم في حين سجّلت الفضلية أقل كمية هطول بواقع 11.8 ملم فقط.
وأكد مدير الأنواء أن "هذه الأرقام تعكس تبايناً واضحاً في المسار المطري للحالة الجوية التي أثرت على ذي قار"، مشيراً إلى أن تأثيراتها الإيجابية قد تظهر خلال الأيام المقبلة على مستوى الزراعة والمسطحات المائية، وسط توقعات باستمرار المتابعة الدقيقة لأي تغيّرات جوية مرتقبة.


الناصرية خلال الموجة المطرية الاخيرة