في حوض نهر الفرات وسط الناصرية، لا يبدو الخطر دائماً مرئياً فعشبة صغيرة ذات مظهر جميل تُعرف بـ "زهرة النيل" تحوّلت خلال الأشهر الماضية إلى واحدة من التهديدات البيئية التي تواجه الواقع المائي في محافظة ذي قار، فهذه النبتة الدخيلة التي اجتاحت نهر النيل في إفريقيا قبل عقود، وجعلت عدداً من الدول يُعلن "الطوارئ البيئية" لمكافحتها، باتت اليوم تزحف نحو مجرى نهر الفرات، مستنزفة الماء وخانقة التنوع البيولوجي، ومهددة الأمن الغذائي المحلي.
وقد اتخذت الدوائر الحكومية المختصة إجراءات لمنع تمددها نحو جنوب المحافظة بامتداد الفرات، إذ قامت مديرية صيانة مشاريع الري والبزل في ذي قار بإطلاق حملة لمواجهة انتشار زهرة النيل في مجرى نهر الفرات، مؤكدة أن الإصابات تراجعت بعد سلسلة من إجراءات العزل والتنظيف التي نُفذت منذ شهر آب الماضي.
وقال مدير القسم، حسين عبد الرضا، لمنصة "الجبال" إن "الإصابات وصلت إلى المحافظة عبر نهر الفرات قادمة من محافظة المثنى بسبب عدم وجود مصدّات تمنع انتقال النبات الدخيل من المثنى ذاتها الأمر الذي دفع الكوادر الهندسية إلى التحرك بشكل عاجل لوضع مصدات رئيسية تحدّ من انتشارها وتمنع وصولها إلى الأهوار الجنوبية".
وأوضح أنه "تم نصب المصد الأول قرب الجسر الحديدي في الناصرية لعزل المنطقة المصابة ومنع انتقال زهرة النيل إلى بقية المناطق، فيما جرى نصب مصد ثانٍ قرب جسر فهد على الطريق الدولي، وهو المقطع الذي يمتد لمسافة تقارب 30 كيلومتراً".
وأضاف عبد الرضا أن "الفرق الفنية تعمل حالياً على نصب مصد ثالث في منطقة الهويشيلي على الحدود مع المثنى بهدف إيقاف أي إصابات جديدة قد تأتي من جهة السماوة كما تم رفع كميات كبيرة من زهرة النيل التي كانت متجمعة قرب جسر الزيتون في الناصرية نتيجة وجود ركائز حديدية متقاربة ونمو القصب وأعمال الإنشاءات الجارية في الجسر، ما جعل الموقع بيئة مناسبة لاحتجاز النباتات.
بيّن المدير أن "الجهد الهندسي المتواصل شمل نشر آليات ثابتة ومتحركة في جسر فهد لمواصلة تنظيف المجرى"، مؤكداً أن "الإصابات أصبحت محدودة حالياً، ولم تبقَ سوى مسافة تمتد بنحو 25 كيلومتراً بين جسر فهد ومنطقة الهويشيلي المحاددة مع المثنى لتعمل الآليات على تنظيفها بشكل تدريجي".
وأكد عبد الرضا أن "المديرية مستمرة في مراقبة مجرى النهر يومياً لضمان عدم عودة الإصابات، مشدداً على أن حماية الأنظمة المائية في ذي قار تتطلب عملاً متواصلاً ووعياً بيئياً مشتركاً بين الجهات المختصة والمواطنين".
في جانب آخر، حذّر الخبير في الشأن الزراعي الدكتور صالح هادي، في حديث لمنصة "الجبال" من الآثار البيئية الخطيرة الناجمة عن انتشار زهرة النيل في مجرى نهر الفرات، مؤكداً أن "هذا النبات الدخيل يشكل تهديداً مباشراً للثروة المائية والتوازن البيئي في المنطقة، ما يتطلب تحركاً عاجلا للحدّ من انتشاره والتخلص منه بطرق علمية فعّالة".
وأوضح هادي أن "زهرة النيل تمتلك قدرة عالية على امتصاص كميات كبيرة من المياه، الأمر الذي يفاقم مشكلة الشحّة ويؤثر على حصص الري والزراعة كما أنها تعمل على حجب أشعة الشمس عن المياه، مما يمنع دخول الضوء والأوكسجين إلى الأعماق، وهو ما يؤدي إلى ضعف كميات الهواء للكائنات المائية وتدهور النظام البيئي للحوض النهري".
وأضاف أن "هذا النبات يُعد بيئة مناسبة لاحتضان العديد من الأمراض والطفيليات التي قد تصيب الأسماك والكائنات الحية الأخرى، ما يشكل تهديداً للثروة السمكية ويُضعف الأمن الغذائي المحلي".
وأكد هادي أن التخلص من زهرة النيل ضرورة ملحّة، مشيراً إلى أن "الطريقة الأكثر فعالية هي الإزالة الميكانيكية باستخدام الآليات والبرمائيات المتخصصة التي تقوم بتجميع النبات ورفعه من مجرى النهر"، لكنه لفت أيضاً إلى "إمكانية الاستفادة من النباتات المزالة عبر تجفيفها وطحنها وتحويلها إلى سماد عضوي عالي القيمة، نظراً لكونها نباتات غنية بالعناصر المفيدة للتربة".
وشدّد على أن المواجهة الفعالة تتطلب تنسيقاً مشتركاً بين الجهات الحكومية المختصة، والمزارعين، والفرق البيئية، للحدّ من انتشار هذا النبات وحماية مصادر المياه في المحافظة.
بالمقابل، ذكر المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال في تصريح صحفي أن "العراق لديه اليوم أقل خزين مائي في تاريخه" و"يتلقى أقل من 35% من الحصة المائية التي يُفترض أن يتسلمها" من دجلة والفرات.
فيما كشف عضو مجلس النواب العراقي، حسن ورويوش الأسدي، في تصريح سابق لـ"الجبال" في مطلع تشرين الثاني الماضي عن تفاقم أزمة الجفاف في البلاد، مؤكداً أن العراق يمرّ بـ"أسوأ موسم جفاف" منذ تأسيس الدولة العراقية، في ظل تراجع خطير في الخزين المائي للسدود والخزانات إلى نحو 4 مليارات متر مكعب فقط.
وأوضح الأسدي أن هذه الكمية غير كافية لتأمين مياه الشرب، لا سيما للمحافظات الجنوبية الواقعة في ذنائب نهري دجلة والفرات، محذراً من أن الوضع "خطير جداً" لتفادي أزمة إنسانية وبيئية واسعة.
وفي ظل هذه التحديات تبدو حماية نهر الفرات اليوم مسؤولية لا تتعلق بالبيئة فحسب بل بمستقبل الأمن الغذائي والإنساني للعراقيين وفي حال لم تُتخذ إجراءات أوسع وأكثر جذرية قد تتحول زهرة النيل من تهديد بيئي إلى رمز لأزمة أشمل تضرب شريان الحياة في ذي قار وقد تصل لبقية مدن الجنوب.





عمليات لمكافحة زهرة النيل - الجبال