تواصل السلطات العراقية جهودها في إبعاد البلاد عن الصراع الدائر في لبنان وغزة، ورغم ذلك، فإن تداعيات الحرب قد تضر بالاقتصاد العراقي الذي سيتأثر بـ"التأكيد" نتيجة الظروف الإقليمية المحيطه باالبلاد، بحسب العديد من المختصين.
وفي حديث لمختصين في الشأن العراقي لـمنصة "الجبال"، رأوا بأن العراق يحتاج إلى "تعزيز مؤسساته الاقتصادية واتخاذ سياسات حكيمة للتعامل مع تداعيات الصراع على المدى الطويل"، مؤكدين على "ضرورة اعتماد سياسات داخلية قوية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، لاسيما وان التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي سيتأثران بتلك التوترات".
العراق في قلب الأحداث
ويؤكد المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، أن العراق يقع في قلب الجغرافيا السياسية في منطقة الشرق الأوسط، لذا فإنه يتأثر بما يجري من حرب في غزة ولبنان واليمن وسوريا وإيران.
وتعد تلك التوترات عاملًا رئيساً في تشكيل مستقبل اقتصاد العراق، وفق صالح، سواء من حيث تأثيرها "المباشر على أسواق النفط العالمية أو من حيث تأثيرها كذلك على البيئة الاستثمارية وتدفقاتها".
وبحسب حديث صالح لـمنصة "الجبال"، فإن "العراق يعتمد وبنسبة 90% على الصادرات النفطية في تمويل نفقات الموازنة العامة، إذ يشكل الإنفاق الحكومي ايضاً قرابة 50% من مكونات الناتج المحلي الإجمالي، وعليه يعتمد العراق بشكل كبير على إيرادات النفط"، مبيناً أن "أي اضطراب في منطقة الشرق الأوسط توثر على إمدادات النفط وأسعاره، مما يؤدي إلى تقلبات في إيرادات البلاد (إيجاباً أو سلباً) ولاسيما ما يحدث حالياً من قفزات سعرية في النفط".
ارتفاع أسعار النفط
ورجح المستشار الحكومي أن تؤدي التوترات الراهنة إلى ارتفاع أسعار النفط لتأثيرات بشكل مؤقت، مقدراً وصول سعر برميل النفط الواحد إلى " ٩٥ دولاراً أو أكثر"، وهو ما سينفع البلاد كدولة مصدرة للنفط.
ولكنه ينوه إلى ضرورة الانتباه لـ"نطاق الاضطرابات وتوسع الحرب ما قد يؤثر على صادرات النفط في بلادنا، وبلدان الخليج كافة، والتي تساهم جميعها بنسبة 50% من إجمالي الصادرات العالمية للنفط".
وأكمل، لذا فإن الحذر هو بيد السياسة الاقتصادية في العراق لمواجهة هذه التأثيرات باعتماد "سياسات داخلية قوية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي دون أن نغفل إن التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي سيتأثران بتلك التوترات إذا ما تفاقمت الأوضاع الجيو بولتيكية"، حينها "سترتفع بلاشك تكاليف عمليات النقل والشحن المتبادل مع العالم، حيث أخذت أسعار الشحن البحري والتامين بالتصاعد حالياً، وهو العامل الأكثر تحسساً في مثل هكذا اضطرابات اقتصادية".
أرباح مؤقتة
في حين، يرى أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، بأن الصراع الحالي في الشرق الأوسط يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد العراقي، لأن العراق دولة تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط لذا "سيتأثر بشدة بأي اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية".
وعلى الرغم من أن أسعار النفط قد ارتفعت في البداية مع بداية الصراع، إلا أنها عادت إلى مستويات ما قبل الصراع، بسبب استقرار الطلب العالمي وعدم تأثر الإنتاج مباشرة.
ولكن استمرار الصراع أو تصاعده يمكن أن يعيد رفع الأسعار، ما قد يحقق أرباحاً مؤقتة للعراق كمنتج للنفط، ولكنه قد يسبب أيضاً تقلبات كبيرة في الإيرادات بسبب عدم الاستقرار في الأسواق العالمية.
ويضيف السعدي في حديثه لـمنصة "الجبال"، أنّ حالة عدم اليقين الناتجة عن الصراع تؤثر على "الثقة الاقتصادية في المنطقة بما في ذلك العراق". وهذا يؤثر على القرارات الاستثمارية، بحسب السعدي، حيث يصبح المستثمرون أكثر تحفظاً. ويضيف: "وقد يؤدي هذا إلى تراجع في الاستثمار الأجنبي المباشر والتأخير في تنفيذ المشاريع الكبرى، مما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي في العراق".
أعباء النازحين
وبحسب السعدي، فهناك مشكلة أخرى، وهي أن يؤدي استمرار الصراع إلى "زيادة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في العراق نتيجة لزيادة تدفق اللاجئين من الدول المجاورة المتأثرة بالصراع، مثل سوريا ولبنان"، هذا يرتب ضغوطاً إضافية على البنية التحتية والخدمات العامة ويزيد من تحديات الحكومة في التعامل مع الأزمات الإنسانية.
وبشكل عام، يقول السعدي إن "التأثير المستمر للصراع سيعتمد بشكل كبير على مدى انتشاره وطول مدته، وإذا ما تمكن المجتمع الدولي من التوصل إلى تسوية دبلوماسية".
العراق، مثل أي دول أخرى في المنطقة، سيحتاج إلى تعزيز مؤسساته الاقتصادية واتخاذ سياسات حكيمة للتعامل مع تداعيات الصراع على المدى الطويل، وفقاً لأستاذ الاقتصاد الدولي.
سيناريوهات الحرب
في المقابل، توقع الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، أن تصل أسعار النفط إلى قرابة "200 دولار للبرميل الواحد"، إذا توسعت الحرب في المنطقة لتشمل دول الخليج، وخصوصاً في حال قيام إيران بإغلاق مضيق "هرمز"، مما سيؤدي إلى انقطاع تدفق نحو "20 مليون برميل" من النفط يومياً إلى الأسواق العالمية.
واستعرض المرسومي على صفحته عبر "فيسبوك" سيناريوهين محتملين لحرب النفط القادمة إذ شمل الاحتمال الأول: استهداف إسرائيل منافذ تصدير النفط الإيرانية، خاصة جزيرة "خرج" التي تمر عبرها 90% من صادرات النفط الإيرانية، ما يعني حذف 1.5 مليون برميل من النفط الإيراني يوميا من السوق، مما سيرفع الأسعار بنحو 5 دولارات للبرميل لتصل إلى مستوى 82 دولارا. لكن هذا السيناريو، وفق المرسومي، سيؤدي إلى قطع أهم مصادر التمويل لإيران، فيما رجح تدخل "أوبك بلس" حيث ستقوم بألغاء قيود الإنتاج الطوعية والإلزامية لتعويض الفاقد من النفط الإيراني، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار وعودتها إلى نطاق 70 دولارا للبرميل.
أما الاحتمال الثاني، بحسب الخبير الاقتصادي، فهو اتساع الحرب لتشمل محطات ضخ وتصدير النفط في الخليج، مما سيؤثر على الصادرات النفطية الخليجية، وخاصة السعودية.
في هذا السيناريو، يقول المرسومي " قد ترتفع أسعار النفط إلى مستويات تتجاوز 100 دولار للبرميل".
وذكر المرسومي أن "إيران سبق لها أن أكدت أنها ستمنع تصدير النفط من مضيق هرمز إذا تم منعها من تصدير نفطها"، مبيناً أن إغلاق المضيق سيعني "انقطاع نحو 20 مليون برميل يوميا من الإمدادات العالمية، مما قد يدفع أسعار النفط إلى مستويات تصل إلى 200 دولار للبرميل، كما سيتأثر تصدير شحنات الغاز الخليجية التي تمر من خلال المضيق".
وختم المرسومي تحليله بالإشارة، إلى أن أي ضربة إسرائيلية قد تركز على استهداف المنشآت النفطية الإيرانية، خصوصا المصافي، مما قد يؤدي إلى" إخراج ما بين 300 إلى 400 ألف برميل يوميا من الصادرات الإيرانية".
ولكنه أكد أن هذه الخسارة قد لا يكون لها تأثير كبير على أسعار النفط العالمية، خاصة بعد عودة مستويات إنتاج النفط الليبي إلى طبيعتها.