تدريجياً، تتصاعد التهديدات الإسرائيلية للعراق، والحديث عن ضربات عراقية بدأت تحدث تأثيرات، حيث تتزايد قدرات ما يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" في إيقاع خسائر بشرية ومادية لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي احتمالية لا تقتصر على أحاديث التحليل الأمني أو التقارير الإعلامية فحسب، بل هو تفكير جدي لدى الحكومة العراقية التي تحاول التهيّؤ للضربة ـ بحسب عديدين ـ بالإضافة إلى الحديث في الصحافة الإسرائيلية عن إمكانية توجيه ضربة للعراق.
صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، نقلت عن مصادرها إن إسرائيل وفي سياق الاستعداد للرد على إيران، تفكر أيضاً بالتحرك على "الفصائل العراقية"، وهو أحدث تطور متصاعد للنقاشات الإسرائيلية حول الرد على التهديد القادم من العراق، بعد أن تمكنت مسيّرة عراقية من قتل 2 وإصابة 24 من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، في أول خسائر بشرية توقعها المسيرات العراقية، بعد أن تمكنت من إصابة شخصين في ميناء إيلات قبل حوالي 10 أيام.
في الأول من أكتوبر الجاري، زار رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني مقر قيادة العمليات المشتركة في بغداد، للتأكد من "مستوى الجهوزية، لدرء أي مخاطر وكل ما من شأنه أن يعكر صفو الأمن والاستقرار"، فيما وجّه "ببذل أقصى الجهود اللازمة لضبط الأمن في جميع أرجاء البلاد، وتعزيز قدرات القوات الأمنية، وتطوير آليات التدريب لرفع مستوى الجهوزية أمام المخاطر التي قد تهدد البلد".
قبل ذلك، في 18 أيلول/سبتمبر الماضي، وعلى خلفية أحداث "انفجار أجهزة البيجر"، شدّد السوداني خلال ترؤسه اجتماعاً للمجلس الوزاري للأمن الوطني، على المنافذ الحدودية باتخاذ الإجراءات الضرورية والوقائية لتجنب أي حالة اختراق محتملة، والتدقيق الأمني على المستوردات، وبشكل مكثف قبل التعاقد عليها والتعامل مع الشركات الرصينة قبل عملية الاستيراد في ما يخص الأجهزة الإلكترونية".
إذن، العراق وعلى صعيد حكومته، يتعامل رسمياً مع إسرائيل بأنه "عدو متربص" وكأنه في حالة حرب معها، وهو ما أكده عدد من النواب بإجراء السوداني اجتماعات طارئة خلال اليومين الماضيين مع القيادات الأمنية لأخذ كافة الاستعدادات لضربات إسرائيلية محتملة، خصوصاً مع وجود تقارير تحدثت عن معلومات عراقية تشير إلى تحديد 35 هدفاً عراقياً على قائمة "الانتقام الإسرائيلي".
أجواء من التسعينيات
يمكن وصف هذه المرحلة التي يعيشها العراق بأنها "أجواء من التسعينات"، فطوال الـ20 عاماً الماضية، وخلال النظام العراقي الجديد، كان الشغل الشاغل للعراق على الصعيد الأمني هو الاستعداد لتهديد وحيد والمتمثل بـ"حروب العصابات"، حيث خاضت القوات الأمنية العديد من المعارك والتحديات الأمنية.
وفقاً لذلك، فإن تركيبة الجيش العراقي والقوات الأمنية العراقية عموماً، عبارة عن قوة تمرّست على "قتال العصابات" أو المسلحين غير النظاميين، سواء في معارك البصرة وصولة الفرسان، أو معارك التنظيمات الجهادية والإرهابية، آخرها الحرب مع "داعش"، ما يجعل الاستعدادات لحرب مع "جيوش نظامية" أو قوات تمتلك الطائرات، لم يكن بحسبان العراق الجديد، خصوصاً وأن النظام الحالي كان قائماً على أساس "التصالح والانفتاح" على جميع دول العالم، في محاولة للتخلص من "لعنة العراق المخاصم" الذي خاض الحروب مع دول في المنطقة والخصومة مع العالم الغربي، والتي أدّت بالتالي إلى سقوطه.
لذلك، فإن الاستعدادات الحالية تعد استعدادات هجينة على الوضع العسكري العراقي حديثاً، فبعد سنوات من الانشغال، انعكس ذلك حتى على إمكانيات العراق للدفاع الجوي.
بالمقابل، يقول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة يحيى رسول، إن العراق يمتلك القدرة على مراقبة الأجواء ومتابعة الطائرات التي تدخل وتخرج، حيث اتخذت القوات العراقية كافة الإجراءات اللازمة لحماية الأجواء العراقية وتم اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتأمينها، وتعاقدنا على منظومات دفع جوي كورية تتطلب وقتاً لإكمال المنظومة.
ماذا يمتلك العراق من دفاعات؟
مع وجود أشكال عديدة لتصادم الدول وحروبها، إلا أن الحديث عن إسرائيل والعراق، يعني الحديث عن ضربات جوية تنفذها تل أبيب في العراق، ومن هنا، تستعرض "الجبال" ما يمتلكه العراق من دفاعات جوية.
كان لدى العراق منظومة دفاع جوي جيدة ما قبل معركة "عاصفة الصحراء" في عام 1991، والتي أدت إلى تدمير كبير في أنظمة الدفاع تلك، إذ كان العراق يمتلك 7 آلاف صاروخ أرض-جو وحوالي 9 آلاف مدفع مضاد للطائرات و60 بطارية صاروخ أرض-جو.
ليس فقط الدمار الذي حل بمنظومة الدفاع الجوي في ذلك الحين أوجبت أن يدخل العراق أنظمة دفاع جوي جديدة، بل التقدم في صناعة الأسلحة الجوية والطائرات والصواريخ طوال الـ30 عاماً الماضية. لذلك، وفي عام 2013، طلبت العراق شراء 40 وحدة إطلاق نار من طراز "أفينجر"، و681 صاروخ "ستنغر"، و13 راداراً من طراز "سنتينل"، و3 بطاريات "هوك" و216 صاروخ "هوك"، والكثير من الصواريخ الأخرى المستخدمة في أنظمة الدفاع الجوي التي طلبتها من واشنطن وبقيمة 2.4 مليار دولار وكان التخطيط أن يتم نشر هذه الأنظمة بحلول عام 2020، لكن المعلومات مفتوحة المصادر تشير حتى آلان إلى أن العراق لم يتسلّم سوى 8 أنظمة "أفنجر" حتى الآن، ولا تزال بقية الصفقة معلقة.
أما من روسيا، فطلب العراق منذ 2012، 48 نظام دفاع جوي من طراز بانتسير-إس 1 بمدى اشتباك يبلغ 12 كيلومتراً، مع 1200 طلقة صاروخية مرتبطة، و 500 نظام دفاع جوي محمول من طراز إيغلا-إس محمولة على الكتف ومركبة، غير أن مختصين يؤشرون ضعفاً في هذه الأنظمة بمواجهة الطائرات الاسرائيلية، فحتى النظام S300 الروسي، لم يتمكن من صد المقاتلات الإسرائيلية.
وحتى عام 2023، يمتلك العراق في دفاعه الجوي قوة عملياتية تضم 5 الآف فرد، تنقسم إلى كتيبة صواريخ أرض-جو "سام" تعمل بأنظمة بانستر الروسية، وكتيبة أخرى مجهزة بأنظمة "أفينجر" الأميركية، وكتيبة ثالثة تستخدم أنظمة "لاغا-إس" السوفيتية المطورة، بالإضافة إلى ذلك، تضم القيادة كتيبة مدفعية مضادة للطائرات "ADA" تستخدم مدافع مضادة للطائرات من طراز ZU-23-2 و S-60.
وتعد منظومتا "أفينجر" و"لاغا-إس"، حلول دفاعية نقطية، في حين يتم استخدام وحدات "بانستر" الروسية، كدفاع جوي قصير ومتوسط المدى، وعلى صعيد المدافع المباشرة المضادة للطائرات تستخدك القيادة مدافع ZU-23-2 عيار 23 ملم من الحقبة السوفيتية ومدافع S-60 عيار 57 ملم.
بالمقابل، يمتلك العراق "رادارات متطورة" قادرة على كشف الطائرات والصواريخ في سماء العراق، مثل نظام "ثاليس" الفرنسي" ورادار "تي بي اس-77" الأميركي، لكن هذه الرادارات حتى لو كانت قادرة على كشف الطائرات، إلا أنها لا تحتوي على قدرات الإسقاط المطلوبة ضد الطائرات المتطورة.
وباتجاه معاكس، تمتلك إسرائيل الطائرة F-35 "الشبحية"، وتعرف بهذا الاسم لأنها قادرة على التخفي وتخطي أنظمة الرادار وأنظمة الدفاع الجوي.
وفي مقارنة بين القوة العسكرية لكل من العراق وإسرائيل، تأتي إسرائيل في المرتبة 17 عالمياً بالقوة العسكرية مقارنة بالمرتبة 45 للعراق، وضمن 8 معايير تتضمن القوة البرية والجوية والبحرية والموارد والخدمات اللوجستية والجغرافة، تتفوق إسرائيل في 3 معايير، مقارنة بتفوق العراق بـ5 معايير، وهي عدد المقاتلين وقوة الأرض والخدمات اللوجستية والجغرافية والموارد الطبيعية، فيما تتفوق إسرائيل بالقوة الجوية والبحرية والمالية فيما يتعلق بالإنفاق على المعدات العسكرية.
وتمتلك إسرائيل قرابة 700 ألف مقاتل أصلي واحتياط، مقابل حوالي 300 ألف للعراق، أما على صعيد الطائرات، تمتلك إسرائيل 612 طائرة بين مقاتلة وهيليكوبتر وطائرات نقل، فيما يمتلك العراق 370 طائرة فقط، وعلى صعيد الطائرات المقاتلة لوحدها، تمتلك إسرائيل 241 طائرة مقاتلة، بينما يمتلك العراق 26 طائرة مقاتلة فقط، ما يعني أن طائرات إسرائيل المقاتلة تعادل حوالي 10 أضعاف طائرات العراق المقاتلة.
ماهي الأهداف المتوقعة؟
في حال شنت إسرائيل هجوماً متوقعاً على العراق، وهو ما أكده نتنياهو بنفسه بعزمه الرد على الهجمات من اليمن وسوريا ولبنان والعراق، فإن التساؤلات تطرح حول طبيعة الرد وأهدافه؟ وفي حين تقصف الطائرات الإسرائيلية بالفعل سوريا ولبنان واليمن، إلا أنها لم تقدم على خطوة مماثلة في العراق حتى الآن، فيما يتوقع مراقبون أن ذلك يعود إلى الوجود الأميركي في العراق، والذي يجعل الرد على العراق مؤجلاً بعض الشيء، لكن معطياته تتصاعد.
واحتمالات الرد الاسرائيلي في العراق، بالرغم من كونه ذهب في الأذهان إلى "احتمالية حرب" أو قصف منشآت حكومية، إلا أن من المتوقع أن تطال الضربات مقرّات أو أماكن تابعة للفصائل ومصانع للطائرات المسيرة أو مواقع إطلاق طائرات مسيرة لا سيما على الحدود العراقية السورية حيث من المتوقع أن الطائرات المسيرة تنطلق منه صوب أهداف إسرائيلية.
لكن في نظرة على الضربات الإسرائيلية على اليمن، يرتفع مستوى القلق من إمكانية تكرار ما يحصل مع الحوثيين في العراق، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية محطات كهربائية ومنشآت نفطية، إلا أن هذا الأمر قد يكون مستبعداً في العراق، كون الحوثيون يسيطرون على منطقة حكم مستقلة وجميع المنشآت هي تابعة لهم بالفعل، لكن في العراق، تعد جميع المنشآت مملوكة للحكومة العراقية وليست للفصائل، ما يعني أن الضربات ستطال ربما مقرات ومنشآت تصنيع وتخزين طائرات مسيرة، أو اغتيال شخصيات مسؤولة عن تصنيع وتطوير الطائرات المسيرة، كما حصل في منطقة جرف الصخر وأدّى إلى مقتل قيادي حوثي مسؤول عن تطوير قدرات الفصائل العراقية في صناعة المسيرات قبل أسابيع.