حين يسير المواطن في شوارع أربيل، تلتقط عيناه صور المرشحين تحيط بها مشاريع الطرق الواسعة، الجسور الحديثة، والمباني الحكومية المتقنة التي تشهد على انتظام الحياة والبنية التحتية المتقدمة. المقابل في بغداد، تظهر صور المرشحين وسط أحياء منهكة، ازدحام مروري خانق، وانقطاع للخدمات الأساسية، لتصبح الصور نفسها شهادة على الفشل الإداري وانتشار الفساد.
تلك الصورة الرمزية تعكس واقعًا أوسع: أربيل، رغم حصار بغداد المالي وقطع الرواتب، نجحت في إنجاز آلاف المشاريع، تطوير شبكات المياه، مواجهة الفيضانات، وتنفيذ خطط بيئية مستدامة، بينما بغداد، المركز التقليدي للثروة والقرار، غرقت في تجميد المشاريع، استشراء الفساد، والجفاف، ليصبح المواطن الخاسر الأكبر.
عندما نستعرض الأرقام، يتضح الفارق بشكل أكثر وضوحاً. حكومة مسرور بارزاني أعلنت تنفيذ أكثر من 5,000 مشروع خدمياً خلال خمس سنوات، بتكلفة إجمالية تجاوزت 4.66 تريليون دينار عراقي، واستقطبت في النصف الأول من عام 2025 استثمارات بلغت 1.254 مليار دولار عبر 79 مشروعاً تشمل قطاعات السكن، الصناعة، الزراعة، والبنية التحتية، إضافة إلى تنفيذ أكثر من 600 مشروع طريق وجسر بطول 2,681 كيلومتراً، ساهمت في خفض نسبة الفقر إلى 8.6% مقابل نحو 19.5% في بقية العراق.
على النقيض، بغداد شهدت تجميد أكثر من 1,400 مشروعاً خدمياً أو استثمارياً، مع توقف 1,471 مشروعاً على الأقل، رغم امتلاكها مركز القرار والموارد الهائلة. الفشل الإداري في بغداد لم يكن مجرد إخفاق تقني، بل انعكاس مباشر للفساد المالي والإداري، حيث تربح شبكة تهريب الوقود نحو 1 مليار دولار سنوياً، وسُجلت سرقات بقيمة 3.3 مليار دينار من مديرية المرور، إضافة إلى 61 مليون دينار من احتيال معاشات في كربلاء، ومتابعة 184 قضية فساد كبرى بين أغسطس 2022 ويوليو 2023 بحسب UNDP، فضلًا عن صفقات مشبوهة بمشاريع المجسرات تزيد قيمتها على 300 مليار دولار لم تحقق سوى ازدحامات مستمرة دون فائدة حقيقية.
لا يقتصر الفرق بين أربيل وبغداد على مشاريع الطرق والإعمار، بل يمتد إلى المياه والبيئة. في أربيل، أنشأت الحكومة سدود حصاد مياه الأمطار لمواجهة الفيضانات، وأنشأت شبكات حديثة لمعالجة مياه الشرب، ما أدى إلى تقليل الاعتماد على الآبار القديمة، وأطلقت مشروع حزام أربيل الأخضر بزراعة 7 ملايين شجرة لتحسين المناخ وتقليل التصحر، إضافة إلى مشروع روناكي للطاقة المستدامة الذي دعم ضخ المياه وتحسين توزيعها، ما ساهم في توفير مياه نظيفة وتحسين جودة البيئة.
بالإضافة إلى ذلك، تعرضت أربيل لمحاولات استهداف حقيقية شملت حقول النفط ومرافق الطاقة الحيوية، واستهداف منازل رجال الأعمال في محاولة لشل الحركة الاقتصادية وإرباك الحياة اليومية، لكن الإقليم صمد بوجه هذه الضغوط واستمر في تنفيذ مشاريع حيوية، ما يعكس قوة الإدارة المحلية ومرونتها في مواجهة الضغوط السياسية والمالية والإعلامية.
أما بغداد، فهي لا تزال تعتمد على شبكات مياه متهالكة، مع انقطاعات متكررة، وتلوث متصاعد نتيجة الصرف الصحي غير المنظم، والفيضانات تتكرر بلا سدود ولا تخطيط مستنير، ما يجعل المواطن يتعرض لخطر مستمر على مستوى المياه والصحة العامة.
إن الإنجازات في أربيل انعكست أيضاً في السياسة الانتخابية؛ ففي انتخابات برلمان إقليم كوردستان لعام 2024، تجاوزت نسبة المشاركة 72%، بينما في بغداد ومناطق أخرى بلغت حوالي 41%، ما يعكس تفاوت الثقة بين المواطن والنظام السياسي، ويبرز أثر الأداء الفعلي على المشاركة الشعبية.
من حيث الإدارة والقيادة، نجح مسرور بارزاني في تحويل فلسفة “دولة الإنتاج والخدمة” إلى واقع ملموس، مع بنية تحتية متطورة، خدمات عامة متكاملة، ومشاريع شفافة متاحة للمواطنين عبر دائرة الإعلام والمعلومات، فيما فشلت حكومة محمد شياع السوداني في تنفيذ وعودها، وبقيت المشاريع الحيوية متوقفة، وازداد فساد الموارد، مع تفاقم الجفاف وأزمات المياه، لتصبح الدولة في بغداد أشبه بـ “جهاز صرف رواتب” لا أكثر، حيث استُهلكت موارد الدولة على رواتب الموظفين وشركات النفط دون استثمار أو إعادة إعمار، وسط استهداف سياسي وإعلامي لإضعاف حقوق الإقليم.
في سياق الطرق والجسور، نفذت أربيل 1,119 مشروع طريق حتى أكتوبر 2025، منها 718 مشروعاً مكتملاً، في حين سجلت بغداد 4,816 مشروعاً متوقفاً أو متأخراً بقيمة تقدر بنحو 20.16 مليار دولار منذ سنوات، ما يوضح الفارق الكبير في الإدارة وكفاءة التنفيذ. هذه الأرقام توضح بجلاء كيف يمكن للحصار المالي أن يكون دافعاً للإنتاج، بينما الوفرة في الموارد تتحوّل إلى فرصة للفساد والهدر.
من كل ذلك، يتضح أن الفيدرالية التنفيذية في كوردستان وفرت بيئة إنجاز: مشاريع شفافة، إدارة مالية مسؤولة، بنية تحتية متقدمة، مشاركة شعبية عالية، وحماية للموارد الطبيعية والمياه، بينما بغداد، المركز التقليدي للثروة والقرار، ما زالت تغرق في الفساد والتأخر، لتصبح المدينة رمزاً لفشل الدولة في تحقيق التنمية والخدمات، ويظل المواطن العراقي الخاسر الأكبر، ويؤكد الحاجة الملحة إلى تغييرات جذرية وإدارة رشيدة تحمي المال العام والمستقبل البيئي والمعيشي للعراق.
افتتاح أعلى جسر في إقليم كوردستان في منطقة سوران