أخطر الملفات التي تهدد حياة العراقيين.. لماذا لا تجد أزمة المياه أي مكان في الخطاب الانتخابي؟

أخطر الملفات التي تهدد حياة العراقيين.. لماذا لا تجد أزمة المياه أي مكان في الخطاب الانتخابي؟ تدني مستوى الأنهار في العراق

رغم أن الملف المائي والتغيّرات المناخية باتا من أخطر التحديات التي تواجه العراق اليوم، مهددين آلاف العوائل بخطر الجفاف والتصحر والتلوث البيئي، إلا أن هذا الملف يكاد يكون الغائب الأكبر عن الخطاب الانتخابي فبينما تتكدّس الوعود حول الإعمار والخدمات، تُترك قضية المياه التي تمسّ حياة الناس ولقمة عيشهم  في الهامش، دون أن تحظى بما تستحقه من اهتمام أو التزام فعلي من المرشحين.

 

ويُرجع مراقبون هذا التجاهل إلى حسابات انتخابية ضيّقة إذ "يفضّل المرشحون تحريك الملفات التي تجلب أصواتاً أكثر لا تلك التي تتطلب حلولاً علمية وإصلاحات طويلة الأمد وهكذا تُستبعد أزمة الماء والمناخ من الحملات الدعائية لصالح شعارات آنية وشعبوية".

 

ومع أن الخبراء يحذرون من أن التصحر والتلوث وتراجع المياه الجوفية ظواهر تمسّ مستقبل الأمن الغذائي والبيئي في البلاد، إلا أن الصوت الانتخابي ما زال يبحث عن الوعود السريعة لا الخطط الاستراتيجية، في مشهد يختصر الفجوة بين الخطاب السياسي واحتياجات المواطن، بحسب عديدين. 

 

وكان وزير الموارد المائية وفي تصريح سابق كشف عن أن العراق يواجه أزمة حادة في المياه وأن الخزين المائي لا يتجاوز الـ8% من الطاقة الخزنية الكلية وأن الازمة بدأت تتضح بشكل حاد وتنعكس مباشرة على حياة المواطنين، لا سيما في المحافظات الجنوبية، الموقع الجغرافي وضع البلاد في موقف صعب كونه وادياً منخفضاً يتأثر بشدة في التغيرات المناخية والانحباس الحراري.

 

وأشار إلى أن "أكثر من 70% من الموارد المائية للعراق تأتي من تركيا عبر نهري دجلة والفرات وإن قلة الأمطار والثلوج في السنوات الأخيرة، إلى جانب إنشاء الجارة تركيا مشاريع وسدوداً وخزانات ضخمة، تسبب في تراجع حصة العراق المائية بشكل كبير".

 

المرشح عن كتلة بدر، داخل عبد الحسين، بيّن في تصريحٍ خاص لمنصة "الجبال" أن "معظم المرشحين ابتعدوا عن تناول ملف المياه والتغيّرات المناخية في برامجهم الانتخابية رغم خطورته وتأثيره المباشر على حياة المواطنين".

 

وأوضح أن "محافظة ذي قار وحدها شهدت نزوح 10500 عائلة بسبب الجفاف وتدهور الواقع البيئي، ومع ذلك ما زال هذا الملف يُستبعد من الخطاب الانتخابي، لصالح قضايا أكثر شعبية مثل التربية والخدمات والبطالة التي تُعدّ أقرب إلى اهتمامات الناخب اليومية".

 

وأضاف عبد الحسين أن "الملف المائي ملف سيادي وحساس للغاية، ويجب أن يكون في صدارة أولويات البرلمان القادم، لأنه يمسّ الأمن المعيشي والبيئي للبلاد".

 

من جانبه، انتقد الناشط البيئي،، رعد الأسدي غياب الرؤية الواقعية في معظم البرامج الانتخابية، مشيراً إلى أن "الكثير من المرشحين يخلطون بين الدور التشريعي والوظيفة التنفيذية، فيقدّمون وعوداً خدمية لا تدخل ضمن صلاحياتهم الدستورية".

 

الأسدي قال إن ملف التغيرات المناخية والمياه يكاد يكون غائباً تماماً إلا في حالات نادرة، إذ تفتقر حملات المرشحين إلى الشمولية والاستراتيجية، فهم يتحركون فقط ضمن حدود الدائرة الانتخابية التي تضمن لهم الأصوات، لا ضمن مسؤولية وطنية أوسع.

 

وأشار إلى أن "غياب الرؤية الاستراتيجية في معالجة هذا الملف يكشف ضعف الوعي بأهميته السيادية، فهو لا يتعلق بالبيئة فقط، بل بحياة الإنسان واستقرار المجتمع".

 

وكشفت منظمة الهجرة الدولية في بيانها لعام 2024 عن أرقام صادمة تتعلق بتداعيات التغيرات المناخية في العراق، إذ رصدت نزوح أكثر من 170 ألف شخص في اثنتي عشرة محافظة، كانت ذي قار في مقدمتها تلتها ميسان ثم الديوانية نتيجة تفاقم الجفاف وتراجع مناسيب المياه وازدياد التصحر.

 

ويُعدّ العراق بحسب الأمم المتحدة من بين أكثر خمس دول في العالم تأثراً بالتغيّر المناخي، وهو ما يضعه أمام تحدٍّ بيئي وإنساني متصاعد يهدد مصادر العيش والأمن الغذائي لمئات الآلاف من العوائل.

 

أما البنك الدولي فقد وجّه في نهاية عام 2022 تحذيراً واضحاً من أن البلاد تواجه أزمة مناخية عاجلة، تستدعي نموذج تنمية جديداً أكثر مراعاة للبيئة، مع تنويع اقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط والكربون.

 

وأشار البنك إلى أن العراق سيحتاج إلى نحو 233 مليار دولار من الاستثمارات المناخية حتى عام 2040، أي ما يعادل 6% من ناتجه المحلي الإجمالي السنوي، لتلبية احتياجاته التنموية الأكثر إلحاحاً وضمان استدامة موارده الطبيعية.

 

ويرى الدكتور علي العتابي، من "مركز البوصلة للحوار والدراسات" أن "ملف التغيرات المناخية لا يحظى باهتمام حقيقي في الحملات الانتخابية العراقية، لأن معظم المرشحين لا يعتبرونه قضية جاذبة أو مؤثرة على سلوك الناخبين".

 

وقال العتابي في حديث لـ"الجبال" إن "الناخب العراقي يبحث عن حلول سريعة لمشكلاته اليومية، من وظائف وخدمات ومعالجات فورية لأزماته المعيشية، في حين أن التغير المناخي قضية بعيدة المدى لا تلامس احتياجاته المباشرة، ما يجعلها خارج أولويات الحملات السياسية".

 

وأضاف أن "معظم المرشحين لا يمتلكون معرفة علمية كافية بطبيعة التغير المناخي وأسبابه وطرق معالجته"، مشيراً إلى أن "هذا الملف يتطلب جهداً مؤسسياً وخبرة فنية متخصصة، في حين تغيب الجهة المؤسسية القادرة على تبنّيه ضمن البرامج السياسية الحالية".

 

ختم العتابي حديثه بقول إن "طرح قضية المناخ في الخطاب الانتخابي، في ظل غياب أدوات الدولة الفاعلة، يتحوّل إلى استنزافٍ سياسي بالنسبة لهم، لأن معظم القوى تتجنب الملفات الكبرى التي تحتاج إلى رؤية وطنية عميقة لا إلى وعود آنية".

 

وقد أطلقت الأمم المتحدة والبنك الدولي سلسلة تحذيرات جديدة بشأن تفاقم تداعيات التغير المناخي في العراق، محذّرين من أن البلاد تقف على أعتاب أزمة بيئية وإنسانية غير مسبوقة.

 

وبحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2023 فإن العراق قد يفقد نحو 30% من أراضيه الصالحة للزراعة بحلول عام 2035، نتيجة الجفاف الحاد وتراجع مناسيب المياه وازدياد التصحر، ما يهدّد الأمن الغذائي لملايين السكان.

 

أما البنك الدولي، فأشار في تقاريره الأخيرة إلى أن "الهجرة الناجمة عن تغيّر المناخ قد تطال واحداً من كل خمسة عراقيين بحلول نهاية هذا العقد، إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة للحد من تدهور الموارد الطبيعية وتحسين إدارة المياه".

 

 

 


الجبال

نُشرت في الأحد 2 نوفمبر 2025 03:56 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.