في ظل احتدام الصراع السياسي في البصرة على 25 مقعداً نيابياً يتنافس عليها أكثر من 571 مرشحاً من مختلف المناطق، تتكشف خروقات غير مألوفة في المشهد الانتخابي المقبل أبرزها عمليات شراء الأصوات بأساليب جديدة تتجاوز الشكل التقليدي للرشوة الانتخابية إذ تحوّل ملف الدرجات الوظيفية إلى أداة نفوذ سياسي.
وبعدما أعلن محافظ البصرة أسعد العيداني في أيلول 2025 موافقته على إكمال إجراءات التعاقد ضمن ما عُرف بملف "801 .19" ألف درجة، رغم أن الموافقة المالية اللاحقة كشفت عن توسّع غير مبرر تجاوز الأرقام الرسمية ليبلغ أكثر من 35 ألف وظيفة "وهمية" خُصصت لمصالح انتخابية شخصية في سباق محموم على كسب الشارع قبل صناديق الاقتراع في أطراف البصرة ومركزها)، كشف الشاب محمد علي من أبناء قضاء الزبير خريج كلية التربية الرياضية في حديث خاصّ لمنصّة "الجبال" أنّه أحد الذين صبروا سنوات طوال على وعد التعيين الذي أُلقي عليهم كسراب في صحراء الانتظار ضمن ما يُعرف بـ«ملف 19 ألف درجة وظيفية».
ورغم إدراج اسمه في القوائم الأولية تفاجأ لاحقاً بأن اسمه قد تم بيعه "دون خجل أو رادع" مقابل مبلغ مالي فاق 40 ألف دولار، على يد أحد السماسرة العاملين مع مكاتب المرشحين، ليُستبدل باسم آخر في "فضيحة" تكشف "فساد" النظام الإداري وتواطؤه مع مصالح انتخابية شخصية.
وفي إطار البحث لتقصّي الحقائق، وبالاعتماد على الأرقام والإحصاءات، تبيّن وجود ما يُعرف بـ«ملف الشاغل» ضمن ملف الذي يضم أكثر من 600 اسم "تم توزيعها بين محافظ البصرة والنائب عدي عواد" وفق ما أفاد به مصدر مطلع لـ"الجبال"، وهو "يكشف شبكة نفوذ وتوزيع مصالح انتخابية واضحة على حساب الحقوق القانونية للخريجين والمستحقين".
وفي حديثٍ خاص لمنصّة "الجبال" أفاد علي حسام، وهو مالك أحد مكاتب الاستنساخ في قضاء سفوان جنوب غربي البصرة أن "أحد المرشحين من كتلة سياسية كبيرة عقد معه اتفاقاً يقضي بنشر إعلان رسمي يوحي بوجود تعيينات ضمن ملف 19 ألف درجة وظيفية مقابل إملاء استمارات التسكين الخاصة بالمرشح من قبل المواطنين، بغرض تحديد حجم جمهورهم وقياس مدى شعبيتهم في الشارع وعرضها لأصحاب الكتلة".
وبهذا الخصوص، أوضح مدير مكتب مفوضية الانتخابات بالبصرة، حيدر السيلاوي، في تصريحٍ لـ "الجبال" أن المفوضية لم تتلقَّ حتى الآن أي شكاوى رسمية تتعلق بملف الـ19 ألف درجة وظيفية، مبيناً أن "ما يجري تداوله حول الملف يقتصر على أحاديث متفرقة عن تعثر الإجراءات وضعف الانسيابية في تنفيذها".
وفي إشارة لافتة إلى ملف 19 ألف درجة وظيفية يواصل المشمولون بالتعيين ممن استُوفيت إجراءات قبولهم اعتصامهم المفتوح أمام مديرية تربية البصرة منذ أسبوع مطالبين بإصدار الأوامر الإدارية التي تأخّر صدورها خشية العبث بالقوائم أو استبدال الأسماء عقب الانتخابات من أجل مرتب لا يتجاوز 300 ألف دينار لكل شهر، بحسب ما أفاد به المتظاهر علي عدنان لمنصة الجبال.
وأكدت عضو لجنة التربية النيابية وجدان التميمي للجبال أن "اللجنة تتابع ملف الـ19 ألف درجة وظيفية في البصرة بدقة عالية"، مشيرةً إلى أنها "سترفع جميع التظلمات والشكاوى المقدمة من المواطنين إلى المحافظ البصرة".
وأضافت إن اللجنة لا تمتلك صلاحية الإضافة أو التعديل أو الحذف في الأسماء "لكنها تسعى لضمان أن تُشغَل الدرجات من قبل المحاضرين والإداريين المجانيين الذين عملوا لسنوات طويلة دون أي أجور"، مبينة أن "الملف تضمن أسماء حرفيين وأشخاصاً من غير حملة الشهادات بأعداد كبيرة مقارنةً بالفئة المستهدفة والمستحقة التي خُصصت لها هذه الدرجات".
في جانب آخر، أعرب مدير قسم تربية الزبير، أحمد صباح، عن استغرابه من طبيعة الأسماء التي شملها ملف الـ19,000 درجة وظيفية مبيناً أن "الحصة المخصصة لقضاء الزبير بلغت نحو 2,000 اسم أغلبهم من فئة الحرفيين، في حين تحتاج المدارس إلى كوادر تعليمية وإدارية متخصصة".
وأوضح صباح في حديث لـ"لجبال" أن "بعض المدارس تضم أكثر من 3 حرفيين وحراساً بنظام التناوب، فيما تعاني نقصاً حاداً في عدد المعلمين والإداريين"، مردفاً بأن "اعتماد الأسماء جرى وفق آلية تقديم قديمة لم تعد مناسبة لاحتياجات المؤسسات التعليمية في القضاء".
مدير تربية الزبير أشار إلى أن "هناك سماسرة مرتبطين ببعض المرشحين يروجون في المقاهي والدواوين العشائرية والندوات الانتخابية لوجود فرص تعيين ضمن هذا الملف مقابل مبالغ مالية أو تبادل منافع انتخابية، من خلال منح كل اسم أكثر من 50 بطاقة اقتراع"، مؤكداً أن "هذه الادعاءات عارية عن الصحة وأن من ظهرت أسماؤهم سيُنسّبون إلى مدارس وأقسام التربية في البصرة بعد الانتخابات بشكل رسمي".

جانب من تظاهرة المواطنين في البصرة