بعد الانفتاح الكبير في العلاقات بين العراق والمملكة العربية السعودية، والتسهيلات التي قدمتها الرياض للمسافرين من المعتمرين والحجاج في منفذ عرعر الحدودي بمحافظة الأنبار، فجأة أوقفت السلطات السعودية نحو 50 حافلة عراقية عند معبر عرعر الحدودي، بعد ضبطها مواد مخدرة بحوزة اثنين من الركاب، ما أدى إلى تشديد غير مسبوق في إجراءات التفتيش.
وبينما أكدت جهات رسمية أن الحادثة فردية، حذّر مختصون من تكرارها الذي قد يضع سمعة البلاد "على المحك"، ويفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة عن قدرته على ضبط حدوده، وحول التداعيات الأمنية والدبلوماسية التي قد تنعكس على علاقاته مع الرياض، في وقت تتوسع فيه تجارة المخدرات داخل البلاد بوتيرة مقلقة.
وتوجّه اتهامات إلى "فصائل مسلحة مقربة من إيران"، بأنها تسعى للسيطرة على الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية، لتعيد نشاطها التجاري، بعد خسارتها لسوريا، عقب سقوط نظام بشار الأسد.
تحركات ومنظومة مراقبة
وفي هذا الصدد يكشف مصدر أمني عن تحرك قوة من الفصائل المسلحة، وتحديداً في المنطقة الممتدة بين الحدود الأردنية، والحدود السعودية.
ولفت المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه في حديث لمنصة "الجبال" إلى أن "هذه القوة تجري تحركات في مناطق ناحية الوليد، والرطبة، والنخيب، وعرعر، وأقامت (ثكنات عسكرية) ونصبت منظومات مراقبة في ناحية المنطقة القريبة من المنفذ الحدودي مع السعودية، وأقامت مقرات هناك".
وأضاف أن "الفصائل المسلحة، تسعى للسيطرة بالكامل على المثلث الحدودي بين العراق من جهة، وبين السعودية والأردن وسوريا من جهة أخرى، وتقوم بتسيير دوريات مشتركة في الطريق الرابط بين عكاشات والرطبة، والنخيب".
من جهة أخرى، يؤكد الباحث في الشأن السياسي غانم العابد، أن الفصائل المسلحة، بعد فقدانها سوريا على أثر سقوط نظام بشار الأسد، خسرت إيرادات مالية كبيرة، كانت تحصل عليها من خلال تجارة المخدرات.
وبين العابد في حديث لـ "الجبال" إن "الفصائل المسلحة تسعى للاختفاء خلف تجار المخدرات، ولكن في الحقيقة هي من تقوم بحماية هؤلاء التجار، وهي المسؤولة عن عملية تجارة المواد الممنوعة، لكونها بحاجة مآسة للمال".
رغبة إيرانية لمنع الاستثمار السعودي
وأضاف العابد أن "انتشار الفصائل المسلحة على الشريط الحدودي، جاء تنفيذاً لرغبة إيرانية، التي ترفض أي وجود اقتصادي للسعودية على أرض العراق، حتى تبقى هي الجهة المسيطرة اقتصادياً على البلد"، منوّهاً أن "الشركات السعودية التي ترغب في الاستثمار العراق، لا تدفع نسبة الـ 20% التي تدفعها باقي الشركات العراقية، والشركات الصينية، وباقي الشركات للفصائل المسلحة، لكي تمول نفسها".
وشدّد على أن "الفصائل المسلحة ومن خلفها إيران، لا ترغب بأي وجود للسعودية على أرض العراق، سواءً سياسياً أو اقتصادياً، وهي من وقف أمام الاستثمار السعودي بمليارات الدولارات".
ويرى مختصون أن حادثة عرعر قد تُلقي بظلالها على مسار العلاقات بين بغداد والرياض، لاسيما أن البلدين عملا خلال السنوات الأخيرة على تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي.
إجراءات أمنية
من جانبه، يطالب عضو مجلس محافظة الأنبار سعد المحمدي بتشديد الإجراءات الأمنية في منفذ عرعر الحدودي، لمنع تكرار حادثة تهريب المخدرات والمواد الممنوعة إلى السعودية.
وأوضح البرلماني في تصريح لـ "الجبال" أن "العلاقات مع السعودية في أحسن صورها، والتعامل في منفذ عرعر مثالي، والسلطات الأمنية هناك تقدم تسهيلات كثيرة للمسافرين، وخاصة المعتمرين، وهذه الأفعال تعيق حركة المسافرين والتجار في المعبر".
واكتشفت السلطات السعودية في 13 أيلول الجاري، مواد مخدرة مخبأة داخل حقائب اثنين من المعتمرين العراقيين، وعلى الفور جرى اعتقالهما ووقف حركة العبور في منفذ عرعر، لتبدأ إجراءات تفتيش صارمة شملت جميع الحافلات القادمة من العراق، واستمرت عمليات التفتيش حتى صباح اليوم التالي، حيث خضع الركاب إلى فحص دقيق لجميع مقتنياتهم، وتم إنزال بعضهم من الحافلات لساعات طويلة، قبل أن يُسمح لهم بالعبور بعد أكثر من 18 ساعة من التوقف.
ووفقاً لصحيفة المدى فإن "فصائل مسلحة تمنع استثمارات سعودية في العراق قد تصل إلى 100 مليار دولار، لأسباب تتعلق بالصراع على المكاسب، والخشية من إنشاء (إقليم سني)".
وبحسب الصحيفة فإنه "يفترض أن المشروع العراقي – السعودي، الذي تم الاتفاق عليه قبل 7 سنوات، يمنح الرياض استثمار أراضٍ صحراوية على الحدود الغربية، على أن تمتد الاستثمارات إلى مجالات أخرى كقطاع الطاقة والبنى التحتية".
نكبة اقتصادية
المستشار الأمني في مجلس محافظة الأنبار عبد الله الجغيفي، يشير إلى أن انتشار الفصائل المسلحة على الشريط الحدودي مع المملكة السعودية يهدد العلاقات بين البلدين.
ويضيف في حديث لـ "الجبال" أن "الفصائل المسلحة تعرضت لنكبة اقتصادية بعد خسارتها تجارة المخدرات مع سوريا، التي كانت تدر أموالاً وعائدات تصل إلى 2 مليون دولار يومياً، وهي تسعى لإيجاد طرق بديلة، تحصل من خلالها على الإيرادات".
شدّد الجغيفي على أن "حماية الشريط الحدودي مع أي دولة يجب أن يكون تحت إشراف قوات حرس الحدود، وباقي القوات الرسمية، لمنع وقوع أي إحراج مع أي دولة، خاصة وأن أغلب الدول، لا ترغب بالتعامل مع تلك الفصائل".
وتُظهر بيانات وزارة الداخلية العراقية، أن ملف المخدرات أخذ بالاتساع بشكل مقلق خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغ عدد المحكومين في قضايا الاتجار والتعاطي خلال عام 2025 وحده أكثر من 2600 شخص، فيما تشير الإحصاءات الرسمية إلى ضبط ثلاثة أطنان من مادة الكبتاغون والكريستال، إضافة إلى آلاف الأنابيل الطبية المخدرة.
تجار الظل وحماية الفصائل
في سياق متصل، يقول الخبير في الشأن الأمني فلاح العاني، إن تجارة المخدرات والمواد الممنوعة إلى السعودية، تقف خلفها الفصائل المسلحة.
وقال العاني لـ "الجبال" إن "الفصائل المسلحة لا تستطيع أن تكون بالواجهة في عملية تجارة المخدرات إلى السعودية، ولكن جعلت أشخاصاً وتجاراً عبارة عن (كومبارس)، وجميعهم محميين من قبل تلك الفصائل، والعائدات المالية تعود لها".
ولفت إلى أن "وجود الفصائل المسلحة على الشريط الحدودي مع السعودية، سيهدد العلاقات الاقتصادية مع الرياض، ويمنع استثمار الشركات والتجار، داخل الأراضي العراقية"، مبيناً أن "على الحكومة ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، التحرك حول هذا الموضوع، وسحب هذه الفصائل، وتسليم الملف الأمني في كل المنافذ الحدودية للقوات النظامية الرسمية".
وبحسب العاني فإن "الفصائل تسعى للحصول على الأموال، وتعويض الخسائر المالية جراء فقدانها تجارة المخدرات مع سوريا، فمرة تنصب سيطرات وتفرض الإتاوات على الطريق الرابط بين العراق والأردن، ومرة تفرض ضرائب على التجار والمزارعين وأصحاب الأملاك، ومرة، تنتشر على الشريط الحدودي مع السعودية، وتقف خلف تجارة مادة الكريستال والمواد المنوعة الأخرى".
مخطط أميركي
أما المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء كاظم الفرطوسي فينفي صلة الفصائل المسلحة بعملية تجارة المخدرات جملة وتفصيلة، سواء مع سوريا، أو في الوقت الحالي مع السعودية، أن "الهدف من هذا الموضوع، هو تشويه صورة الحشد الحشد الشعبي وتضحياته، الذي ينتشر في أصعب المناطق وأخطرها، ليمنع عودة (التنظيمات الإرهابية)، وهو ما يسعى له المخطط الأميركي، الذي يريد انسحابنا من تلك المناطق، ويبث الشائعات الكاذبة".
وقال الفرطوسي لـ"الجبال"، إن "الفصائل المسلحة ليست لها علاقة بمنع الاستثمار السعودي، وبإمكان أي شركة أو تاجر أو رجل أعمال ممارسة عمله في الأنبار، أو في أي منطقة من العراق"، مستدركاً بأن "هم (السعوديين) بالأساس لا يرغبون بأي عمل داخل البلاد، ويتخذون من وجود الفصائل حجة لذلك"، مشدّداً: "لكن نحن نرفض هذا الاتهام، وهو جزء من استهداف الحشد".