حقيقة الوضع المالي للعراق بالأرقام.. هل يريد المواطن راتباً بلا كهرباء أو تموينية؟

7 قراءة دقيقة
حقيقة الوضع المالي للعراق بالأرقام.. هل يريد المواطن راتباً بلا كهرباء أو تموينية؟

 

انشغلت مختلف الأوساط في العراق مؤخراً، بقضية خطورة تهديد الرواتب في العراق، والتي يتقاضاها قرابة 9 ملايين فرد، ويقع على عاتقهم تحريك السوق والإنفاق على عوائلهم أي الـ30 مليون فرد آخر، حيث يقسم هؤلاء إلى 4 ملايين موظف، و3 ملايين متقاعد ومليوني متقاضي راتب حماية اجتماعية.

 

المخاوف هذه، جاءت بفعل مؤشرات عمومية، من بينها تأخر الرواتب لبعض الوزارات والمؤسسات، وعلى رأسها موظفي شركات وزارة الكهرباء، فضلاً عن هيئة الحشد الشعبي، لتظهر أحاديث تؤكد وجود نقص في السيولة لدى وزارة المالية، قبل أن تنخفض أسعار النفط لمستويات دون السعر المثبت بالموازنة البالغ 70 دولاراً، لتتعزز المخاوف والاعتقادات عن خطر حقيقي يهدد الرواتب.

 

وبينما تضاربت المؤشرات والتصريحات بين تحذيرات المختصين والمؤشرات المقلقة، وبين تطمينات الحكومة ووزارة المالية، يستعرض "الجبال" في هذا التقرير المعطيات والمؤشرات لكن بالأرقام، والتحقق من مدى صعوبة وحقيقة وجود أزمة قد تهدد رواتب الموظفين في العراق.

 

 

قصة السيولة

 

يقصد بنقص السيولة لدى وزارة المالية، هو عدم امتلاك الوزارة سيولة دينارية، أي أنها تمتلك الدولارات التي تحصل عليها من بيع النفط، لكنها لا تمتلك الدنانير العراقية، وتحتاج إلى اكتمال عملية بيع الدولار إلى البنك المركزي الذي يبيعه بدوره في مزاد العملة، وكذلك تنتظر المالية جمع الأموال والسيولة القادمة من شركات التمويل الذاتي من رسوم وضرائب وغيرها، لتتمكن من جمع 7.5 تريليون دينار، وهو سباق شهري يجب على وزارة المالية خوضه، ولا تطلق الرواتب إلا بانتهاء جمع هذا المبلغ بالكامل، لكي لاتطلق الرواتب لوزارة دون أخرى.

 

جمع الـ7.5 تريليون دينار، وفق سعر شراء البنك المركزي للدولار من وزارة المالية بالسعر البالغ 1300 دينار لكل دولار، هذا يعني أن وزارة المالية يجب أن تبيع شهرياً على الأقل 5.8 مليار دولار، فهل يشتري البنك المركزي هذا المبلغ بالفعل من وزارة المالية شهريا ليسلمها بالمقابل 7.5 تريليون دينار؟

 

تظهر بيانات البنك المركزي العراقي، أن البنك المركزي اشترى من وزارة المالية في شهر آب الماضي، ما قيمته 4.7 مليار دولار فقط، وهذا يعادل 6.1 تريليون دينار فقط، أي وجود فجوة بالسيولة تبلغ حوالي 1.5 تريليون دينار، لكن مبيعات الشهر الذي يسبقه (تموز)، بلغت أكثر من 9 مليار دولار وهو اكبر مبلغ باعته وزارة المالية الى البنك المركزي منذ كانون الأول/ديسمبر 2023، مايعني انه من المفترض هناك سيولة احتياطية لدى وزارة المالية من الدينار، وعموماً يبلغ متوسط مبيعات المالية من الدولار إلى البنك المركزي بين 5 و7 مليار دولار شهرياً.

 

 

كمية الدولارات المباعة من وزارة المالية الى البنك المركزي

 

 

عائدات النفط.. حتى الآن كافية للرواتب

 

لا تنشر وزارة النفط العائدات النفطية المسجلة شهرياً حيث أوقفت الإعلان عن العائدات خلال العام الحالي بقرار مفاجئ، لكن عموماً تبلغ صادرات النفط العراقية شهرياً بين 102 و108 ملايين برميل خلال شهر، وعموماً يبلغ متوسط سعر النفط العراقي خلال الأشهر الماضية قرابة 75 دولاراً للبرميل، ما يعني أن العائدات النفطية تبلغ حوالي 8 مليار دولار شهرياً. 

 

لكن انخفاض أسعار النفط خلال الأسبوعين الماضيين، تزامن مع تخفيض العراق لصادراته النفطية إلى 3.3 مليون برميل يومياً وفق اتفاق أوبك وتعويضاً للفائض الإنتاجي في حصة العراق عن الأشهر الماضية، وسيكون هذا التخفيض ابتداء من الشهر الحالي أيلول/سبتمبر، ليكون التصدير بحوالي 99 مليون برميل شهرياً، وبمعدل سعري يبلغ حوالي 71 دولاراً للبرميل إذا ما احتسب متوسط السعر للشهر الجاري بفعل تراوح الأسعار بين 73 و68 دولاراً للبرميل، وبذلك ستكون عائدات العراق الشهرية من النفط بحوالي 7 مليار دولار شهرياً، ما يعني أنها كافية لتغطية الرواتب.

 

 

 

 

إنفاق العراق الإلزامي.. ما هو الحد الآمن لسعر البرميل؟

 

حساب حجم التصدير وسعر البرميل والإيرادات، وعكسها على الرواتب، للوصول إلى حالة اطمئنان، يجانب الكثير من الحقيقة والصواب، فهو يوحي إلى أن النفقات الالزامية أو الحاكمة على العراق هي فقط الرواتب، لكن ماذا سيفعل المواطن بالراتب لوحده مع إيقاف إنفاق الدولة بالكامل على تشغيل الكهرباء والحصص التموينية ومحطات الماء ورفع النفايات والكثير من النفقات الالزامية التي قد تتفوق على أولوية الرواتب.

 

وبلغت النفقات الجارية والتشغيلية للدولة خلال 7 أشهر من العام الحالي أي حتى نهاية تموز، أكثر من 60 تريليون دينار هذا مع استثناء خدمة تسديد الديون البالغة 6 تريليونات دينار تم إنفاقها.

 

ومن بين الـ60 تريليون دينار هذه، كان من بينها أكثر من 55 تريليون دينار لرواتب الموظفين والمتقاعدين والحماية الاجتماعية، أما الـ5 تريليون دينار الأخرى، فهي لمستلزمات تشغيلية وسلعية وصيانة.

 

عموماً، ومع إيقاف الانفاق على الاستثمار والمشاريع بالكامل، فهذا يعني أن الدولة تحتاج إلى 8.5 تريليون دينار شهرياً، لتدوم الحياة بالحد الأدنى لها، أي أكثر من 6.5 مليار دولار شهرياً، وبتصدير 3.3 مليون برميل نفط يومياً، فهذا يعني يجب أن لا يكون سعر برميل النفط كحد أدنى أقل من 65 دولاراً للبرميل، وما تحت هذا سيشكل أزمة، أما إذا كان الإنفاق على الرواتب فقط دون أي شيء آخر، فيكفي أن يكون سعر برميل النفط بين عند 60 دولاراً، وستتمكن الدولة من دفع الرواتب فقط.

 

 

مصروفات العراق خلال 7 أشهر من 2024

 

 

وإجمالًا، بلغ مجمل نفقات العراق خلال 7 أشهر من العام الحالي، حوالي 75 تريليون دينار، شكلت الرواتب لوحدها ما نسبته 73%، فيما شكل مجمل الانفاق التشغيلي مع الرواتب ما نسبته 88% من إجمالي الانفاق، وشكل الانفاق الاستثماري 12%.

 

إجمالي الانفاق، بالإضافة إلى السلف الممنوحة لأغراض مختلفة والبالغة 15 تريليون دينار، شكلت إجمالا خلال 7 أشهر ما قيمته 90 تريليون دينار، فيما بلغت الإيرادات النفطية وغير النفطية خلال هذه الـ7 أشهر فقط 77 تريليون دينار، ما يعني أن العجز بلغ 13 تريليون دينار خلال 7 أشهر.

 

ماذا سيحصل في الأشهر المقبلة؟

 

سيقوم العراق ابتداء من أيلول/سبتمبر الجاري، بتصدير فقط 3.3 مليون برميل يومياً، وفي حال استقرت الأسعار عند 72 دولاراً للبرميل كمتوسط، ستكون إيرادات العراق النفطية 7 مليار دولار، أي حوالي 9.3 تريليون دينار شهرياً، يضاف إليها حوالي 1.2 تريليون دينار شهرياً إيرادات غير نفطية، ليكون إجمالي مدخولات وزارة المالية شهرياً 10.5 تريليون دينار، وهذا المبلغ أقل من المطلوب للانفاق التشغيلي والاستثماري الذي يحتاج إلى 10.7 تريليون دينار شهرياً، أما إذا تحتسب وتيرة السلف الممنوحة واستمرارها، فهذا يعني ستحتاج المالية إلى حوالي 13 تريليون دينار شهرياً، بينما لا يدخل لها سوى 10.5 تريليون دينار. 

علي الأعرجي صحفي عراقي

نُشرت في الجمعة 20 سبتمبر 2024 11:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.