بين "البعثيين" وأصحاب السيرة وحسن السلوك.. قرارات "حمّالة أوجه" وهناك ثغرات في استبعاد المرشحين

بين "البعثيين" وأصحاب السيرة وحسن السلوك.. قرارات "حمّالة أوجه" وهناك ثغرات في استبعاد المرشحين

في كل موسم انتخابي في العراق، هناك محطات مثيرة تشغل الساحة السياسية والشعبية، وقد تكون هذه المحطات قبل أو أثناء أو بعد الانتخابات، ففي 2021 كانت النتائج الصادمة التي أظهرت تراجع مقاعد القوى المشكلة للإطار التنسيقي والاعتراض على النتائج، أبرز محطات انتخابات تشرين 2021، واليوم، تفرض انتخابات 2025 محطة مثيرة قبل أشهر من حدوثها، تمثلت بقصة "استبعاد المرشحين".

 

مسألة روتينية مثل استبعاد المرشحين وغربلة القوائم قبل المصادقة النهائية عليها، شهدت عوامل كثيرة جعلت من هذه المسألة الروتينية "حالة استثنائية"، وتتمثل هذه العوامل بالعدد الكبير للمرشحين المستبعدين، وظهور أسماء سياسية بارزة وشخصيات أخرى جدلية في قوائم الاستبعاد، وليس انتهاء بالبعثيين الذين "يلغمون" قوائم الإطار التنسيقي، حتى أن القائمة الكبرى للمستبعدين بالمساءلة والعدالة ضمت حوالي 13 اسماً جميعهم من كتلة صادقون المرتبطة بـ"عصائب أهل الحق"، والتي تفوقت حتى على عدد البعثيين في إحدى القوائم السنية الأكثر خصومة لقوائم "المحور"، والمتمثلة بقائمة خميس الخنجر التي ضمت 12 اسماً فقط من البعثيين.

 

ومن المؤشرات المثيرة والاستثنائية في قصة الاستبعادات هذه المرة، حجم المحكومين بقضايا جنائية ومخلة بالشرف من قتل وتسليب وتزوير وسرقة، الذين ملأوا قوائم الكتل السياسية ولاسيما الإسلامية منها، وبينما كان عدد المستبعدين بالمساءلة والعدالة هم الأكبر من أي أسباب استبعاد أخرى، إلا أن نسبتهم هذه المرة أقل بكثير من نسبتهم في عام 2021، فعلى سبيل المثال، في انتخابات 2021 تم استبعاد 365 مرشحاً من أصل حوالي 3600 مرشح كلي، ما يعني عدد المستبعدين حينها بلغ 10% من إجمالي المرشحين، أما الآن فمن بين 7900 مرشح تم استبعاد حوالي 790 مرشحا حتى الان أي نفس النسبة البالغة 10% بشكل مقارب لنسبة الاستبعادات في 2021، ولكن عدد المستبعدين بالمساءلة والعدالة في انتخابات 2021 بلغوا 220 مرشحاً من أصل 365 مرشحاً مستبعد، هذا يعني أن 60% من المستبعدين في انتخابات 2021 تم استبعادهم من قبل المساءلة والعدالة، أما في الانتخابات الحالية 2025 تم استبعاد 370 مرشحاً بالمساءلة والعدالة من أصل حوالي 790 مرشحاً مستبعداً ما يعني أن 46% فقط من المستبعدين تم استبعادهم من قبل المساءلة والعدالة، مقارنة بـ60% في انتخابات 2021.

 

العامل المؤثر الآخر الذي جعل من الاستبعادات هذه المرة "محطة مثيرة"، هو تطبيق شرط حسن السيرة والسلوك في قانون الانتخابات المعدل، وهي قصة لم تكن لتستبعد المرشحين في الانتخابات السابقة، قبل أن يتم إدراج هذا الشرط في قانون الانتخابات الذي تم تعديله عام 2023.

 

تركيز المفوضية على حسن السيرة والسلوك، والاستبعادات التي طالت اسماءً مهمة أحياناً، وشمول البعثيين حتى في قوائم الإطار أكثر من غيرهم، جميعها مؤشرات دفعت للتفاعل الشعبي والسياسي الإيجابي مع قرارات المفوضية، حتى كاد يُعتقد لأول مرة، أن الاستبعادات هذه المرة لم تكن سياسية، وقانونية بالكامل، لكن عند الغوص في التفاصيل، سيتبين أن الاستبعادات شابتها الكثير من الثغرات، وهذا ما تقدمه "الجبال" في هذا المقال لتفكيك ثغرات الاستبعاد والتناقض الواضح بين قرار استبعاد مرشح مع آخر رغم اشتراك المرشحين بنفس الأمر.

 

حسن السيرة والسلوك: المعيار "ذوق" المفوضية

 

كان حسن السيرة والسلوك أحد أبرز أسباب الاستبعادات التي طالت مئات المرشحين جنباً إلى جنب مع المساءلة والعدالة، لكن مفوضية الانتخابات خالفت قانون الانتخابات بشكل واضح أو لم تعرف كيفية تطبيقه بالشكل الصحيح فيما يخص هذه المادة 7/ثالثاً من قانون الانتخابات، والدليل، أعادت الهيئة القضائية الكثير من المرشحين الذين استبعدتهم المفوضية وفقاً لهذه المادة.

 

تنص الفقرة 7/ثالثاً من قانون الانتخابات المعدل 2023 ضمن فصل "حق الترشيح"، على أن يكون المرشح "حسن السيرة والسلوك بأن لا يكون المرشح مشمولاً بعفو سابق عن جرائم الفساد المالي والإداري والجنح المخلة بالشرف"، ومن الواضح من صيغة الفقرة، أن حسن السيرة والسلوك ارتبط بشرط "بأن لا يكون محكوماً ومشمولًا بالعفو"، أي أن تحديد المرشح بأنه يتمتع بحسن السيرة والسلوك من عدمها، لا يترك لتقديرات المفوضية ولا على أساس تصريحاته في الفضاء العام ووسائل الإعلام، بل المعيار هو "هل المرشح محكوم بقرار قضائي بات أم لا؟".

 

الدليل على ذلك، أعادت الهيئة القضائية عدد من الذين تم استبعادهم بهذه المادة "لعدم وجود قرار قضائي بات بحقهم، مثل جواد البولاني، وسجاد سالم"، ففي إعادة البولاني نص قرار الهيئة القضائية بوضوح على أن "الفقرة 7/ثالثاً المتعلقة بحسن السيرة والسلوك تشترط صدور حكم قضائي سابق بحق المرشح، لكن البولاني تم شموله بالعفو أثناء التحقيق في قضية سابقة، أي قبل أن يتم صدور قرار قضائي بحقه، لذلك لا ينطبق عليه شرط المادة 7/ثالثاً، وبنفس الطريقة، تمت إعادة سجاد سالم، لأنه لم يصدر بحقه حكم قضائي بات عن قضية من قضايا الفساد أو جريمة مخلة بالشرف كما تشترط المادة 7/ثالثاً من قانون الانتخابات.

 

 

وبينما يتضح من قرارات الهيئة القضائية بوضوح، أن استبعاد مرشح بالمادة المتعلقة بحسن السيرة والسلوك "تشترط حتما" أن يكون محكوماً بحكم قضائي بات سابق، لكن نفس الهيئة القضائية، خالفت حكمها ببعض الأحيان مثل قضية حيدر الملا، حيث صادقت الهيئة القضائية على استبعاد الملا بالمادة 7/ثالثاً بالرغم من عدم امتلاكه حكم قضائي بات أسوة ببقية من قامت بإعادته، بل استدلت الهيئة بالمادة بالاستناد على "نظام سلوك المرشحين والدعايات الانتخابية"، وهذا الشيء لم يسبق لها أن قامت به مع باقي المرشحين الذين قامت بإعادتهم، وكانت تربط المادة حصراً بأن يكون هناك حكم قضائي بات، ما يكشف عن تناقض محتمل بالأحكام بين حالة وأخرى.

 

 

بعثي الأمس.. لا يستبعد اليوم "لأسباب روتينية"

 

خلال السنوات الماضية، دخل إلى العملية السياسية والبرلمان والمناصب الكثير من المنتمين لحزب البعث والمشمولين باجراءات المساءلة والعدالة، حتى أنهم أصبحوا قيادات مهمة في القوى السياسية الشيعية المعروفة، لكن قرار عدم اجتثاثهم كان نتيجة قرارات سياسية لاستثنائهم.

 

لكن، قد تكون "أسباب روتينية" وليست سياسية، وراء الإبقاء على مرشحين مشمولين بالمساءلة والعدالة، مثلما حصل مع نجم الجبوري حيث قامت الهيئة القضائية بإعادته إلى الترشيح بعد أن استبعدته المفوضية، رغم ثبوت شمول الجبوري بالمساءلة والعدالة، حيث سبق للهيئة القضائية ذاتها أن صادقت على استبعاد الجبوري من انتخابات مجالس المحافظات لشموله بالمساءلة والعدالة.

 

لكن ماذا حصل هذه المرة؟ في أوضح مثال على "الثغرات الإجرائية" التي ليست بالضرورة أن تكون مقصودة أو سياسية، قامت الهيئة القضائية بإعادة الجبوري إلى الترشيح لسبب واحد، وهو أن مفوضية الانتخابات كان عليها أن تلتزم بالإجراءات الروتينية، وتقوم بارسال اسم الجبوري الى هيئة المساءلة والعدالة وتنتظر الإجابة قبل ان تستبعده، لكن المفوضية قامت هذه المرة باستبعاد الجبوري اعتماداً على القرار السابق في انتخابات مجالس المحافظات الذي يؤكد شمول الجبوري بالمساءلة والعدالة، وهو ما اعتبرته الهيئة القضائية إجراء غير صحيح، فليس من حق المفوضية القرار بالاستبعاد قبل أن تلتزم بالتراتبية الروتينية التي تلزمها بإرسال اسم المرشح من جديد إلى المساءلة والعدالة حتى وإن كان شموله ثابت مسبقاً. 

 

 

علي الأعرجي صحفي عراقي

نُشرت في الأربعاء 10 سبتمبر 2025 03:45 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.