"تزوير ومنح بطاقات وطنيّة لدواعش".. عشرات ملفات الفساد في الأنبار وحزب الحلبوسي في الواجهة

"تزوير ومنح بطاقات وطنيّة لدواعش".. عشرات ملفات الفساد في الأنبار وحزب الحلبوسي في الواجهة مدخل محافظة الأنبار غرب العراق

فترة ذهبية للفاسدين

عاشت الأنبار طوال فترة سيطرة تنظيم داعش عليها منذ عام 2014 وحتى نهاية عام 2017، سنوات مريرة، بسبب غياب مؤسسات الدولة وسيطرة التنظيم "المتطرف" على مفاصل الحياة.


وبعد تحرير المحافظة بالكامل منذ قبضة التنظيم بنهاية عام 2017، وبدء عودة العوائل النازحة لمناطقها، عانت الأنبار من أوضاع غير مستقرة، شهدت خلال تلك الفترة سيطرة الأحزاب المتنفّذة وتلاعبها بمقدرات الدولة، ومؤساستها، ولعل إصدار الهويات والكتب الرسمية، كان أبرز سمات تلك المرحلة.


وزارة الداخلية أعلنت عن إجراءات حازمة بعد كشف مخالفات منح بطاقات وطنية خلال فترة داعش.


وذكرت الوزارة في بيان أنه "بإشراف مباشر من وزير الداخلية عبد الأمير الشمري ، وبعد تدقيق المعلومات والقرارات الصادرة والمسجلة في نظام المعلومات المدنية ضمن محافظة الأنبار / قضاء القائم بتاريخ (2024/12/8)، عن اكتشاف مخالفات في تسجيل بعض الحالات واستغلالها في منح بطاقات وطنية خلال فترة سيطرة عصابات داعش الإرهابية على المحاكم والدوائر الصحية، باشرت الوزارة على الفور باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".


وأضافت أنه "شُكِّلت مجالس تحقيقية، وأُحيل (11) من الضباط والمفوضين والموظفين إلى محاكم قوى الأمن الداخلي، مع التأكيد على طرد من تثبت إدانته من الخدمة، كما تم إيقاف القيود غير الصحيحة وإبطال البطاقات الوطنية الممنوحة بصورة مخالفة".


استغلال الإرباك وإسناد من أحزاب متنفذة


هنا يوضح عضو "تحالف الأنبار المتحد"، طارق الدليمي، إن هناك عدداً من الموظفين الفاسدين والمرتبطين والمحميين من قبل أحزاب متنفذة في المحافظة، قاموا بالتلاعب واستغلال فترة سيطرة داعش لمنح بطاقات وطنية  "بصورة غير قانونية".


ولفت خلال حديث لمنصة "الجبال" إلى أنه "بعد عام 2017، تلقت مديريات الجوازات والبطاقة الوطنية، وبطاقة السكن، وباقي المحاكم والدوائر الأخرى، قائمة بأسماء المطلوبين من عناصر تنظيم داعش، ممن يمنع منحهم أي مستمسك، كونهم على صلة بالتنظيم المتطرف".


وأضاف أن "عدداً من الموظفين الفاسدين استغلوا حالة الإرباك التي مرت بها الدولة، سواءً في فترة سيطرة تنظيم داعش أو في السنوات التي تلت عملية التحرير، وهي سنوات شهدت عودة العوائل النازحة، وخلال هذه الفترة مُنح المئات من المطلوبين بطاقات وطنية، ومستمسكات أخرى مثل الجوازات وبطاقة السكن، وعقود الزواج، والتأييدات الأخرى".


أثناء سيطرة تنظيم داعش على محافظة الأنبار، تم نقل أغلب الدوائر الأمنية والإدارية والخدمية، إلى العاصمة بغداد، وإنشاء مقرات بديلة لتسهيل عمل المواطنين.


وتتحدث وسائل الإعلام باستمرار عن وجود ملفات فساد كبيرة في محافظة الأنبار، وفي أغلب الدوائر الأمنية والخدمية، منوّهة أن "من يقوم بهذه العمليات عبارة عن موظفين محميين ومسنودين من الحزب الحاكم في المحافظة".
ويسيطر حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي على القرارين الأمني والإداري في محافظة الأنبار، بعد فوزه في انتخابات مجالس المحافظة بأغلبية المقاعد.


وسبق لهيئة النزاهة، أن أعلنت في 4 نيسان 2023، عن تنفيذ عملية "كبرى واستثنائية" بمديرية التسجيل العقاري في محافظة الأنبار، أسفرت عن القبض على مديرها وخمسة مسؤولين فيها، بتهمة "التلاعب والتزوير" في أضابير تمليك عشرات الآلاف من قطع الأراضي.


وكانت قوة أمنية قادمة من بغداد في وقت سابق، قد اعتقلت عدداً من موظفي دوائر البلدية والضريبة والتسجيل العقاري في الأنبار على خلفية وجود عمليات تلاعب في آلية توزيع قطع أراض تعود للدولة.


تعويضات لعناصر داعش 


من جانب آخر يؤكد عضو الحراك الشعبي في محافظة الأنبار حسام الفلاحي أن السنوات التي تلت عمليات تحرير المحافظة من سيطرة داعش، جرى فيها التلاعب والتزوير بشكل كبير جداً.


وأوضح الفلاحي في حديثه لـ "الجبال" أن "من بين هذه الحالات تزوير الوثائق والكتب الرسمية، ومنح البطاقات الوطنية لأشخاص هم خارج الأنبار، ومن الذين يقيمون في تركيا ومناطق أخرى، ومن المتهمين والمطلوبين للأجهزة الأمنية"، مشيراً إلى أن "الكثير من الذين قتلوا من عناصر تنظيم داعش، تم منحهم شهادات وفاة، على أنهم قتلوا في العمليات العسكرية، أو تم إعطائهم بطاقات وطنية على أنهم إحياء، لكي يحصلوا على مبالغ تعويضية، وهذه الوثائق تصدر مقابل مبالغ مالية طائلة تصل إلى 10 ألاف دولار وأكثر، على المعاملة الواحدة".


وأردف أن "الفساد في ملف الوثائق ليس هو الوحيد في المحافظة، فمنذ سيطرة الحزب الحاكم الحالي، هناك عشرات الملفات، والتي بدأت هيئة النزاهة ولجنة أبو علي البصري التحقيق فيها، وضرب الفاسدين، لكنها سرعان ما توقفت، بسبب المجاملات السياسية".


ضباط  صغار أصبحوا أثرياء


ولم تقتصر ملفات الفساد في الأنبار على أراضي وعقارات الدولة، والوثائق والهويات الرسمية، فقد سبق أن تم فتح ملف صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة لوجود شبهات فساد مالي فيه. وفي 26 شباط الماضي، عاد ملف الصندوق مجدداً ليكون مادة للتجاذبات بين القوى السنية، بعدما تسنّم حزب تقدم بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي مسؤولية الحكومة المحلية في الأنبار، عقب فوزه بانتخابات مجالس المحافظات.


وفي سياق آخر، يرى الأكاديمي في جامعة الأنبار فلاح العاني، أن الفساد في المحافظة وصل مراحل خطيرة، و"هناك ضباط وموظفين محميين من قبل أحزاب متنفذة"، تلاعبوا بمقدرات الأنبار، وأراضيها، والوثائق والكتب الرسمية.


ذكر العاني في حديث لـ "الجبال" أن "موظفين وضباطاً صغار أصبحوا يمتلكون المليارات، واشتروا منازل وعقارات، واستثمروا أموالهم في شراء ممتلكات خارج الأنبار، بسبب كونهم قاموا بالتزوير، والتلاعب بالوثائق، ومنحها بصورة غير قانونية، وخاصة لعناصر تنظيم داعش".


وتابع: "في فترة نقل الدوائر الحكومية إلى بغداد أثناء سيطرة داعش، تم تزوير مئات الكتب والوثائق، كما تم التلاعب بالمئات من الوثائق خلال الفترة التي تلت تحرير المحافظة من سيطرة التنظيم، وعودة العوائل، وهذه الفترة الذهبية للفاسدين".


وفي نيسان 2023، باشرت اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة أبوعلي البصري بالتعاون مع هيئة النزاهة، بفتح ملفات الفساد المالي والإداري في محافظة الأنبار، أسفرت الحملة عن اعتقال عدد من المسؤولين بالمحافظة كان آخرهم مدير هيئة التقاعد في الأنبار.


وينفي قائممقام قضاء "القائم"، تركي المحلاوي، وجود عمليات تزوير أو منح بطاقات وطنية بصورة غير قانونية في الوقت الحالي.


قال المحلاوي لـ "الجبال" إن "هناك حاسبة للمطلوبين، وأي شخص يريد إصدار البطاقة الوطنية، يجب أن يكون ملفه سليماً أمنياً، ويدقق عند الجهات الأمنية، ليتم إصدار البطاقة له، ومن دون حضوره شخصياً وأخذ البصمات لا يمكن إصدار البطاقة له إطلاقاً"، مشدّداً على أنه "حصلت فوضى فترة سيطرة تنظيم داعش، لكن العمل في الدوائر كان متوقفاً، والآن لا يمكن منح أي بطاقة أو مستمسك إلا من خلال التدقيق التام، وإرسال المعلومات إلى وزارة الداخلية، بالتالي من الصعب التلاعب بالوثائق والكتب الرسمية".

الجبال

نُشرت في الثلاثاء 26 أغسطس 2025 12:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.