الرسائل "وصلت" للحكومة والفصائل القريبة من إيران.. ماذا يعني "تحذير" السفارة الأميركية الأخير؟

الرسائل "وصلت" للحكومة والفصائل القريبة من إيران.. ماذا يعني "تحذير" السفارة الأميركية الأخير؟ جنود أميركيون في قوات التحالف الدولي في كركوك - AFP

مع حديث الحكومة العراقية وتنفيذ الانسحاب من قبل قوات التحالف الدولي، تطرح العديد من مخاوف حول تأثر العراق بالانسحاب خلال الفترة القليلة المقبلة، وسط رسائل سياسية وأمنية مركبة.

 

وأعرب عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر وتوت، عن مخاوف برلمانية من الخطوة، وقال في حديث لمنصة "الجبال"، إن "العراق مستقر حالياً وقواته الأمنية والعسكرية تفرض سيطرتها على كامل الأراضي، وهناك جهود أمنية واستخباراتية للقضاء على ما تبقى من خلايا داعش، لكن هذا لا يعني انتهاء خطر الإرهاب في العراق بشكل نهائي، خاصة في ظل عدم الاستقرار بالمنطقة وخاصة في الجانب السوري".

 

وبيّن وتوت أن "هناك قلقاً ومخاوف من أن انحساب قوات التحالف الدولي من العراق بهذا التوقيت في ظل عدم الاستقرار في المنطقة قد يؤثر وتكون له وتداعيات على العراق من الناحية الأمنية، لهذا يجب أخذ التحذيرات والمخاوف الأميركية على محمل الجد ووضع خطط لمواجهة أي طارئ قد يحصل خلال المستقبل القريب أو البعيد".

 

وكانت السفارة الأميركية في بغداد قد أعلنت عن "قلق عميق" من توسّعات لتنظيمي "داعش" و"القاعدة" في المنطقة.

 

وقالت السفارة في بيان صحفي، أمس السبت، إن ""الولايات المتحدة تواصل إعطاء الأولوية للشراكات مع الحلفاء والجهات الفاعلة الإقليمية في مكافحة الإرهاب، إذ نعرب عن قلقنا العميق إزاء العمليات المستمرة والتوسعات الإقليمية لتنظيمي داعش أو الدولة الإسلامية في العراق والشام، والقاعدة". وإن "الولايات المتحدة تشيد بالدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي واصلت الضغط لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا والصومال، الأمر الذي حدّ من عمليات داعش" وفق تعبيرها.

 

رسائل أمنية وسياسية

 

من رؤية الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، سيف رعد، فإن التحذير الأميركي الأخير بشأن توسع "داعش" و"القاعدة" يحمل رسائل أمنية وسياسية واضحة.

 

وقال رعد، لـ"الجبال"، اليوم الأحد 24 آب 2025، إن "تصريح الولايات المتحدة الذي يعبر عن القلق من توسع تنظيمي داعش الإرهابي والقاعدة يعكس تقييماً واقعياً عن مخاوف توتر الوضع الأمني في العراق وسوريا بعد انسحاب قوات التحالف، فرغم هزيمة داعش عسكرياً عام 2017 لكن التنظيم لا يزال يحتفظ بقدراته على إعادة تنظيم صفوفه خاصة في المناطق المتنازع عليها التي لا تخضع لسيطرة الحكومة المركزية وإقليم كوردستان، بالإضافة إلى تغيير استراتيجيته من الحاضنة الاجتماعية والعشائرية إلى استخدام المناطق الجغرافية المعقدة كالجبال والتلال والأودية والكهوف واستثمارها كحاضنة وبؤر آمنه لمجاميعه الإرهابية بمناطق في محافظات ديالى والأنبار وصلاح الدين وكركوك".

 

وأضاف: "لو نظرنا أعمق، سندرك أن التصريح هو أيضاً يحمل دلالات سياسية، حيث يهدف إلى تبرير أهمية استمرار الوجود العسكري الأميركي المحدود في العراق تحت مظلة (الشراكات الثنائية) بعد سبتمبر 2025 والتي ترفضها بعض الفصائل المسلحة وهددت الحكومة بالرجوع إلى العمليات العسكرية، لذلك هو تصريح يحمل في طياته مزيج من القلق الأمني الحقيقي والرسائل السياسية التي تهدف لتعزيز مبررات استمرار الوجود الأميركي مع التأكيد على أهمية الشراكات مع الحكومة العراقية وإقليم كوردستان لمواجهة التهديدات".

 

ووفق قول رعد فإن "التصريح يحمل طابعاً أمنياً وعسكرياً واضحاً، لكنه يتجاوز ذلك إلى الأبعاد السياسية والدبلوماسية من الناحية الأمنية، فهو يعكس مخاوف من إمكانية استغلال داعش والقاعدة للفراغ الأمني الناتج عن انسحاب التحالف خاصة في ظل تراجع الضربات الجوية والعمليات القتالية منذ 2021، كما أنه يشير إلى استمرار التهديدات الإرهابية في مناطق مثل شمال شرق سوريا وأفغانستان (ولاية خراسان) مما يبرر الحاجة إلى استمرار التنسيق العسكري في المنطقة".

 

وتابع: "يعتبر التصريح عن المخاوف الأمنية رسالة موجهة إلى الحكومة العراقية وبعض الفصائل الموالية لإيران التي تدعو للانسحاب الكامل مفادها أن: الولايات المتحدة لن تتخلّى عن دورها في العراق بسهولة بسبب المخاطر الأمنية، لذا يمكن أن نعتبر التصريح رسالة أمنية وعسكرية في المقام الأول تهدف إلى التأكيد على استمرار التهديد الإرهابي والحاجة إلى وجود أميركي محدود مع طابع سياسي يستهدف الحفاظ على النفوذ في مواجهة إيران".

 

وحذر الخبير الأمني من أن "أي توسّع لداعش الإرهابي والقاعدة يشكل خطراً حقيقياً على العراق خاصة في ظل تصاعد التوترات الدولية والإقليمية التي قد تحول العراق إلى ساحة صراع إقليمي، فتركيا وجيشها في بعشيقة قد تستغل الانسحاب الأميركي لتوسيع عملياتها بحجة إنهاء حزب العمال الكوردستاني، فضلاً عن أن العراق معرّض لأن يصبح ساحة لتصفية الحسابات بين إيران وأميركا وإسرائيل، ممّا يعقد الوضع الأمني ويزيد من فرص استغلال داعش لهذا الفراغ".

 

وأكد الخبير أن "أي توترات إقليمية ودولية مع تصاعد الخطاب الطائفي يسبب فراغاً أمنياً قد يتيح لداعش استعادة قوته، لذلك يجب أخذ التصريح من الناحية الاستراتيجية، لكونه قد يكون مبنياً على توترات أو هجمات محتملة قد تحدث على الساحة العراقية، لذلك تتوقع واشنطن استغلال تنظيم داعش لتلك الحوادث من أجل إعادة تنظيم صفوفه وبالأخص مع وجود خطر لا يبعد سوى بضعة كيلومترات من الحدود العراقية إلى داخل الأراضي السورية وهو (مخيم الهول) مع وجود مؤشرات بحدوث هجوم من حكومة الشرع على قسد مما يجعل إدارة المخيم والسجون تحت خطر هروب القيادات وتوسيع رقعة سيطرة داعش في سوريا، ما يؤثر بشكل مباشر على الساحة العراقية".

 

"لا خطر على العراق"

 

من جانبه، أكد الباحث في الشأن السياسي نبيل العزاوي، أن رسائل التحذير الأميركية ليست مقلقة للعراق "في ظل الإنجازات الأمنية والعسكرية المتحققة ضد التنظيمات الإرهابية".

 

وقال العزاوي، لـ"الجبال"، إنه "مع بدء انسحاب قوات التحالف من العراق، بدأت هنالك ومع هذا الانسحاب تعلوا الأصوات وخصوصاً من بعض صناع القرار الأميركي أن فراغاً يمكن أن يكون أو أن احتمالية عودة داعش ممكنة وأن القلق من هذه الأحداث بدأ يتصاعد مع هذا الانسحاب، والواقع يذهب عكس ذلك تماماً، فجهوزية القوات الأمنية سواء في (الدفاع، الداخلية، الحشد الشعبي، والبيشمركة، وباقي الصنوف القتالية) جميعها بأتم الاستعداد لاي طارئ يمكن أن يحدث، ولو أن هذا الطارئ صعب الحدوث، باعتبار أن هنالك عمليات شبه يومية ومتابعة دقيقة وفعالة لأية فعالية يمكن أن يقوم بها الإرهاب، فالخطط الاستباقية والمتابعة الدقيقة من قبل القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، مكّنت هذه الأجهزة بدحض ووأد أية عملية يمكن التخطيط لها".

 

وأضاف أن "العراق الذي قاتل الإرهاب، والقاعدة، وداعش، أصبح اليوم متعاف من هذا الإرهاب الذي خلف المآسي والويلات في كل مدن العراق، والذاكرة العراقية لا تنسى تلك الصور المؤلمة، لذلك أصبحت هنالك حصانة مجتمعية لأي إرهاب، فلا مأوى، ولا بيئة، ولا مكان لهذه الجماعات التي حاربها كل العراقيين بمختلف انتماءاتهم وميولهم واتجاهاتهم".

 

وبيّن الباحث أنه "لا قلق من تلك الرسائل، ولا خطر على العراق من هذا الانسحاب، بل بالعكس، العراق سيتمكن خصوصاً بعد الانسحاب أن يحفظ مكتسباته التي لم تأت بالمجّان، بل كانت الضرائب غالية وثمينة، ولا تقدّر بشيء"، مؤكداً أن "العراق اليوم هو عراق متعاف بفضل الجهود الأمنية وبفضل صوت المرجعية الذي ظلّ صمام أمان العملية السياسية، فالجميع يعرف ويقدّر هذه التضحيات، والكل مسؤول عن ديمومة الانتصار، وعدم التهاون في هذه القضية التي لا تهاون فيها، لأن ديمومة الأمن تعزز ديمومة الاقتصاد، وهذا سيمكن العراق من الانتقال لعلاقة ثنائية جديدة مع الولايات المتحدة وعلى أساس احترام سيادة العراق وأمنه وإستقراره".

 

والأسبوع الماضي، أعلن التحالف الدولي ضد تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة الأميركية انتهاء مهمّته العسكرية وانسحاب قواته من قاعدة عين الأسد وقيادة العمليات المشتركة في العراق في أيلول المقبل، وانتقال العلاقات بين بغداد ودول التحالف إلى مستوى أمني ثنائي.

 

وكان المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة صباح النعمان، ذكر تعقيباً على بيان السفارة الأميركية الأخير أن "عصابات داعش لا تشكل خطراً على العراق، وهي مشلولة بفضل يقظة القوات الأمنية وضرباتها المستمرة"، مؤكداً أن "الحدود مؤمنة بالكامل".

 

وقال النعمان في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية إن "عصابات داعش لا تشكل خطراً على العراق، وقواتنا الأمنية متمكنة وعلى أهبة الاستعداد للتعامل مع التطورات الأمنية، ولدينا يومياً متابعة وعمليات أمنية واستخبارية ضد العناصر الإرهابية أينما وجدت وهي تتلقى ضربات مستمرة بفضل عزيمة ويقظة القوات الأمنية".

 

وأضاف، أن "الحدود مؤمنة بالكامل، وأي تطورات إقليمية لا تؤثر على أمن العراق بشكل مباشر، ونحن مطمئنون لقدرات القوات الأمنية الميدانية والاستخبارية"، مشيراً إلى أن "المخاوف الدولية من عصابات داعش لا ترتبط بالوضع العراقي، فالتنظيم بطبيعة الحال يمثل خطراً إقليمياً ودولياً ويتواجد بعدة دول، وقدر تعلق الأمر بالعراق فإن التنظيم مشلول ويتلقّى ضربات مستمرة من قبل القوات الأمنية وبكامل العدّة والعدد وبأعلى المعنويات".

الجبال

نُشرت في الأحد 24 أغسطس 2025 12:28 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.