ما يزال التفاعل مستمراً حول الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة السليمانية فجر يوم الجمعة 22 آب 2025، والتي تمثّلت بشنّ عملية عسكرية، استخدمت خلالها دبابات وأسلحة ثقيلة ومروحيات، وأسفرت عن اعتقال ابن عم رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني لاهور شيخ جنكي، زعيم "الجبهة الشعبية"، وسط اتهامات بمحاولة انقلاب داخل الاتحاد الوطني الكردستاني.
في التفاصيل، مصادر مطّلعة من داخل الاتحاد الوطني الكوردستاني، مقربة من لاهور شيخ جنكي، سردوا لـ"الجبال"، حيثيات القصّة، وأسباب شنّ العملية العسكرية الواسعة، التي انتهت باعتقال جنكي، حيث أشاروا إلى أن "القصة بدأت قبل أيام من الهجوم، عندما كان بافل طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني، في رحلة خارجية. وخلال وجوده خارج البلاد، تلقّى معلومات استخباراتية تفيد بوجود تحركات (غير اعتيادية) من قبل بعض المسؤولين، مما دفعه لقطع رحلته والعودة إلى السليمانية".
وأضافت المصادر، أنه "وفور وصول طالباني إلى السليمانية، صرّح بأنه يواجه (انقلاباً)، يهدف إلى إبعاده عن قيادة الحزب وربما قتله. وعلى الفور، بدأ بافل طالباني في التحرك لإحباط هذه المساعي، حيث زار مقرّات قوات مكافحة الإرهاب وقوات الكوماندوز، ووجّه لهم تعليمات بشن حملة عسكرية لتنظيم عرض عسكري ضد هذه المحاولات".
وكانت الخطوة الأولى في هذه الخطة، بحسب المصادر، هي اعتقال شاسوار عبد الواحد قادر، على الرغم من أن مصادر "الجبال" أكدت أنه "لا علاقة له بالخطة المزعومة".
وبعد ذلك، أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق لاهور شيخ جنكي، وأُمرت جميع القوات بالاستعداد والتحرك نحو مقر إقامته في فندق "لالازار"، في مساء الخميس، وأُغلقت جميع الطرق في السليمانية، وحلّقت المروحيات العسكرية في السماء، مما أثار حالة من التوتر والارتباك في المدينة. وانتشرت في الشوارع قوات الشرطة والأمن، تلتها قوات الكوماندوز ومكافحة الإرهاب، وصولاً إلى الدبابات والمدفعية والأسلحة الثقيلة، محولةً المدينة إلى ما يشبه ساحة معركة، بحسب حديث المصادر.
وعندما حاصرت هذه القوات الكثيفة فندق "لالازار"، اتضح أن الهدف الرئيسي من العملية هو لاهور شيخ جنكي. في ذلك الوقت، كان جنكي وقواته في حالة تأهب، وفق المصادر.
وفي الساعة 12 من ليل الخميس/ الجمعة، تحدّث لاهور شيخ جنكي لمنصة "الجبال" لأول مرة، قائلًا إنه "لم يتلقّ مذكرة اعتقال رسمية.
في هذه الأثناء، تلقّى مكالمة من بافل طالباني، لكنه لم يُجب عليها. عاود بافل الاتصال بفريق جنكي الذين كانوا معه، وطلب منهم إخباره بالردّ على مكالمته. ردّ جنكي هذه المرة، ودار حديث حاد بينهما، حيث أمره بافل طالباني بالاستسلام مهدداً بقتله إنْ لم يفعل، لتنتهي المكالمة بتبادل للشتائم، وفق المصادر.
مع ازدياد أعداد القوات المحاصرة، ظنّ لاهور شيخ جنكي أن "الهدف هو التخويف فقط"، لكن في تمام الساعة 3:32 صباحاً، انطلقت الرصاصة الأولى، وبدأت الاشتباكات العنيفة التي استُخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة، بما في ذلك الدبابات والمدافع والطائرات المسيرة. واستمر القتال حتى الساعة 8 صباحاً، حيث تم اعتقال لاهور شيخ جنكي.
وكشفت مصادر "الجبال" عن أن "العملية تمت بمعزل عن السلطات الأمنية الرسمية في حكومة إقليم كوردستان، وحتى وزير البيشمركة، وهو عضو في الاتحاد الوطني الكوردستاني، حيث لم يكن على علم بتحركات هذه القوات".
وبعد اعتقاله، نُقل لاهور شيخ جنكي إلى قلا جولان، وهي منطقة تضمّ مقرّات مهمة للاتحاد الوطني الكوردستاني، حيث يخضع للتحقيق. وقبل ذلك، عُقد لقاء بينه وبين ابن عمه بافل طالباني، لم يُحدد مكانه بدقة، لكن مصادر أشارت إلى أنه كان في مقرّ قوات الأمن أو في "دباشان"، مقر إقامة بافل. وخلال هذا اللقاء، تحدّث ابنا العم اللذان كانا صديقين مقربين في السابق وجهاً لوجه. في الوقت نفسه، نُقل بولاد شيخ جنكي، الذي أُصيب في الاشتباكات، إلى مستشفى فاروق للعلاج قبل أن يُحتجز في مقر قوات الأمن، بحسب المصادر.
وفيما يتعلق بعدد الضحايا، فقد أعلن مسؤولون في السليمانية عن قتلى وجرحى في صفوف قوات الاتحاد الوطني الكردستاني، لكن لم تُنشر معلومات عن عدد الضحايا من القوة التي دافعت عن الفندق. وتتواصل عمليات البحث عن بعض المفقودين من قبل أقاربهم.
وتلقت "الجبال" معلومات متضاربة حول عدد القتلى؛ ووفقاً لمصدر مقرّب من جنكي - كان يتواجد في المكان - قُتل أكثر من 20 شخصاً. في حين صرّح آراس شيخ جنكي لـ"الجبال"، أن "العدد يتراوح بين 12 و15 قتيلاً.
وفي تصريح آخر، أفاد علي حمه صالح، النائب في برلمان إقليم كوردستان، أن "ما بين 20 و 30 شخصاً قُتلوا في تلك الليلة"، مضيفاً أن "مصير العديد من المعتقلين والقتلى لم يُعرف بعد، وأن عائلاتهم تبحث عنهم دون جدوى".
وفي سياق متصل، نفت مصادر مقربة من لاهور شيخ جنكي، التقارير التي أفادت بوجود زوجته وأطفاله معه ليلة الاشتباكات"، مؤكدة أنهم "كانوا في أوروبا حينها".
وفي الجانب العائلي، نشرت زوجته، كشه حمه جاوشين، صورةً لها مع زوجها على صفحتها في فيسبوك، مرفقة بعبارة: "نحن فخورون بك يا لاهور، سنبقى معك إلى الأبد".