منذ التصويت على إقالة رئيس مجلس محافظة ذي قار عبد الباقي العمري قبل نحو شهر، بدأت مناصب محلية أخرى بالمحافظة تسقط الواحدة تلو الأخرى، كأحجار الدومينو، في عمليات تغيير سريعة، وتصاعدت بالمقابل حدة المواجهة بين القوى السياسية هناك بشكل "غير علني" باستخدام "الابتزاز الإلكتروني"، إذ يعتقد أن محافظ ذي قار بات هو الضحية الرئيسية لشبكة معقدة من المصالح المتضاربة.
بعد إقالة العمري
في الرابع عشر من آب الماضي، اجتمع أعضاء مجلس محافظة ذي قار للتصويت على إقالة العمري (رئيس المجلس)، عقب تغيير الاتفاقات السياسية المحلية، وعلى اثرها تلاشت كتلة "أبناء ذي قار" بسرعة، والتي كان رئيسها العمري بعد خمسة اشهر فقط من تشكيلها.
وعقب ذلك أنضم 11 عضواً من أعضاء الكتلة الأخيرة إلى تيار المعارضة في المجلس، مما أدى إلى التصويت على إقالة العمري واختيار شخصية أخرى بدلاً منه وهو عزة الناشي شقيق عضو مجلس النواب علا الناشي.
منذ ذلك الحين، وضمن ما يمكن وصفه بـ"ارتدادات" التغييرات السياسية في ذي قار ظهرت "شبكة ابتزاز معقدة"، على غرار "شبكة جوحي" في مكتب رئيس الوزراء، تستهدف أعلى مسؤول في الحكومة المحلية، وهو محافظ مرتضى الابراهيمي.
ليلة اعتقال الشبكة
في الخامس من ايلول الجاري، ألقت السلطات الامنية القبض على مجموعة من الأفراد المتورطين في هذه الشبكة التي يعتقد انه قامت بأعمال ابتزاز باستخدام صور ومحادثات صوتية.
وشمل الاعتقال فتاتين وشاباً، تم القبض عليهم في نفس الليلة. أحدى هاتين الفتاتين كانت مرشحة للانتخابات مجالس المحافظة ضمن قائمة المحافظ السابق كتلة "الماكنة".
وبعد ذلك بيومين تم القبض على عمار ياسر الركابي، عضو مجلس المحافظة، بينما صدرت مذكرة قبض بحق المحافظ السابق وعضو المجلس الحالي محمد هادي الذي لا يزال مختفياً خارج المحافظة.
ما وظيفة الشبكة؟
محافظ ذي قار، مرتضى الابراهيمي، صرح لموقع "جبال" بأن الجهود الأمنية كانت مكثفة للوصول إلى هذه الشبكة التي تسببت في فساد واسع النطاق في المحافظة، وقال أن "الشبكة ارتكبت العديد من الانتهاكات، بما في ذلك هدر المال العام والتعدي على الحرمات والمقدرات المحلية".
وصف الابراهيمي هذه الشبكات بأنها "إجرامية" وأن القضاء هو السبيل لتحقيق العدالة، مبينا أن هناك "إعلاميين متورطين في القضية، و صدرت بحقهم مذكرات قبض، وهم قيد الملاحقة من قبل الاجهزة الامنية".
انتماءات أفراد الخلية
من جهته، أوضح مصدر أمني في ذي قار أن عمار الركابي، الذي تم القبض عليه، لا يزال قيد التحقيق لمعرفة مدى علاقته بالشبكة.
و الركابي، فاز بالمحافظة ضمن كتلة "الحكمة"، بزعامة عمار الحكيم، وكان قد ترشح كمستقل في الانتخابات السابقة، في حين أن العضو الآخر (الهارب) محمد هادي الغزي، الذي كان يعتبر قريب من التيار الصدري، ترشح ضمن قائمة أسسها بمفرده تحت اسم "الماكنة".
واشار المصدر الأمني إلى اعتقال احد الاعلاميين (يوم 14 ايلول الجاري) في منفذ سفوان بناء على مذكرة قبض صادرة من أمن ذي قار للتحقيق معه في تهم الابتزاز.
استبدال موقعين بالمجلس
مقابل أكد عضو مجلس المحافظة أحمد غني الخفاجي أن المجلس "يرفض بشكل قاطع أي شكل من أشكال الابتزاز، ويدينه بشدة"، مضيفا أن المجلس "لا يسعى لتوجيه الاتهامات أو تبرئة أي فرد من هذه الشبكة، وأن الأمر متروك للقضاء للقيام بدوره في كشف الملابسات".
وكشف مصدر سياسي أن التهم الموجهة، إذا ثبتت، فإن القضاء سيصدر أحكاماً قد تؤدي إلى إخلاء مقاعد العضوين في المجلس وصعود أعضاء جدد.
وقد أثار هذا الوضع قلق بعض المسؤولين المحليين، الذين باتوا يتوخون الحذر في استخدام أجهزتهم الهاتفية وفي اللقاءات، خوفاً من الوقوع في شبكة الابتزاز أو أن يتم استهدافهم بشكل مشابه.
اهتزاز ثقة المواطن بالاجهزة الحكومية
الكاتب صلاح الموسوي في حديث لـ"الجبال" اعرب عن قلقه من تداعيات هذه الشبكات على الثقة العامة بين المواطن والأجهزة الحكومية. وقال أن ظهور مثل هذه الشبكات، والتي تُديرها شخصيات حكومية، "يبعث برسائل سلبية ويُفقد المواطنين الثقة في القائمين على إدارة المحافظة".
الموسوي اعتبر أن امتلاك بعض المسؤولين لشبكات ابتزاز يعزز من مشاعر عدم الثقة ويجعل الأمور أكثر تعقيداً في ظل حالة من عدم اليقين التي تعم المحافظة، مبيننا أن "هذه الشبكات قد تكون مجرد واجهة لمجموعة أوسع من الفساد والابتزاز، مما يجعل الوضع أكثر خطورة ويعزز من حجم التحديات التي تواجهها محافظة ذي قار".
وشدد الموسوي على أهمية أن تستعين القوات الأمنية بـ"خبراء مختصين في المجال التقني لتعزيز قدرتها على التصدي لمحاولات الابتزاز"، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستكون ضرورية لقطع دابر مثل هذه الشبكات ومنع تكرارها مستقبلاً.
