في وقت تشتد فيه الأزمات السياسية والأمنية العراقية بالتزامن مع أحداث المنطقة، فضلاً عن الاقتصاد المتعثر والعجز في الموازنة، ونقص السيولة المالية الذي يحمل تهديداً لرواتب الموظفين، والحديث عن إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية من عدمها، فإن الأوساط الحكومية والأمنية في الأنبار منشغلة بحدث آخر على ما يبدو.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي حملة للأجهزة الأمنية في محافظة الأنبار داخل الأسواق والشوارع العامة، لاعتقال الشباب الذين يرتدون الشورتات القصيرة أو ما تعرف محلياً بـ "البرمودا".
هذا الإجراء اعتبر من قبل عدد من المراقبين والناشطين بمثابة "تجاوز على الحريات العامة التي كفلها الدستور العراقي، ويلخص حجم التضييق الذي تمارسه السلطة في الأنبار، وهي تشغل بنفسها تبدو بأمور ثانوية".
حملة أمنية مخالفة للدستور
وبدأت شرطة محافظة الأنبار، بتنفيذ تعليمات جديدة تهدف إلى الحد من ارتداء "البرمودا" و"الشورتات القصيرة" في الأماكن العامة، في خطوة عدتها الأجهزة الأمنية جزءاً من "جهود الحفاظ على الآداب العامة والتقاليد المجتمعية السائدة في المحافظة ذات الطابع العشائري".
وبهذا الصدد يؤكد الناشط محمد العزاوي أن "إجراء شرطة محافظة الأنبار يخالف القوانين والأنظمة العراقية، ويتعارض مع قانون الحريات العامة، الذي كفله الدستور العراقي".
ولفت خلال حديثه لـ "الجبال" إلى أن "اعتقال الشباب يجب أن يكون وفقاً لمادة قانونية، وبناءً على طلب من القاضي، على أثر مخالفة، أو جنحة ارتكبها الشخص المعتقل".
وأشار إلى أنّ "ما يحصل هو إجراء تعسفي لفرض سلوك معين، في وقت نحن في دولة مدنية، وللمواطن حرية اختيار المكان والملبس والطعام والشراب المعين، بما لا يعارض الدستور".
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي لتقارير غير رسمية أفادت بقيام القوات الأمنية بحملات ضد شبان يرتدون "البرمودا"، وهو ما أثار انقساماً في الرأي العام، بين من يرى في هذه الإجراءات حفاظاً على الذوق العام، ومن يعدها انتهاكاً للحرية الشخصية.
والأنبار هي محافظة ذات طابع عشائري، ويسيطر عليها حزب "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي، والذي حصل على المرتبة الأولى في انتخابات مجالس المحافظة الأخيرة، ما أتاح له السيطرة على القرارين الإداري والأمني.
انشغال بأحداث غير مهمة
وبهذا الصدد يقول الأكاديمي في جامعة الأنبار فلاح العاني إن "هناك أشياء أكبر يجب التصدي لها من قبل الحكومة المحلية والأجهزة الأمنية في المحافظة".
وأوضح في حديثه لـ "الجبال" أن "هنالك تهديدات أمنية، ووضع غير مستقر على الشريط الحدوي، ومشاكل خدمية وإدارية يعاني منها المواطن الأنبار، وبدلاً من تشغل الحكومة المحلية في الأنبار نفسها بهذه الأشياء، تلجأ لمعالجة قضايا تتعارض مع القانون والدستور".
وأضاف أن "أي ملابس يرتديها الشاب، ما لم تخالف السلوك الاجتماعي، فلا يمكن منعها، وبالتالي ليس من حق الأجهزة الأمنية اللجوء لخطوة اعتقال الشاب، خاصة في ظل درجات حرارة خمسينية، وأغلب الشباب يحاولون ارتداء ملابس تناسب هذه الأجواء الحارة".
وأكدت شرطة الأنبار في وقت سابق أن الإجراءات على من يرتدون "الشورتات القصيرة أو البرمودا، ستُنفذ بأسلوب توعوي، حيث ستقتصر المرحلة الأولى على تنبيه المخالفين بشكل متكرر قبل اتخاذ أي إجراءات قانونية بحقهم"، مؤكداً أن "هذه التعليمات تأتي في إطار دعم الأمن المجتمعي وترسيخ القيم الثقافية المحلية".
وذكرت أن "الدوريات الأمنية ستقوم بتوجيه الملاحظات بأسلوب حضاري يراعي الفروق العمرية والخلفيات الاجتماعية، مع التأكيد على أن التدابير القانونية لن تُطبق إلا في حالات التكرار أو الإصرار على ارتكاب المخالفة".
معاناة التنظيمات المتطرفة تعود من جديد
من جانب آخر يرى الناشط السياسي عبد الله الفهد أن خطوة شرطة الأنبار هي جزء من التضييق على الشباب، وتجاوز خطير على الحريات العامة التي كفلها الدستور العراقي.
وبين في حديثه لـ "الجبال" أن "الأنبار عانت طوال أكثر من 15 عاماً من سيطرة التنظيمات المتطرفة القاعدة وداعش"، وهذه التنظيمات "شكلت عقدة للشباب، وكانت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي كان الهم الأكبر للشاب الأنباري، هو الخلاص من جحيم التطرف".
وأردف أن "الأنبار هي جزء من العراق المدني، ومحاولة التدخل بالملابس وتسريحة الشعر، والتضييق على الحريات، ستجعل الكثير من الشباب يفكرون بشكل جدي لترك الأنبار، والبحث عن بديل آخر للسكن، سواءً الهجرة خارج العراق، أو حتى السكن في مدن إقليم كوردستان".
ورأى الفهد أن "حزب السلطة يحاول التغطية على أفعاله في الأنبار وفساده الكبير، بمضايقة الشباب، والتركيز على أشياء جانبية، وسطحية"، وفق تعبيره.
من جهة أخرى فقد علق مجلس محافظة الأنبار عدنان الكبيسي، على حملة منع "الشورتات القصيرة" بالقول إن "الأمر يتعارض مع طبيعة المحافظة العشائرية، ونسيجها الاجتماعي".
وأكد في حديثه لـ "الجبال" أنه "لايوجد تضييق على الحريات، والشباب يمارسون دورهم في الأنبار، ولكن الحريات يجب أن لا تتعارض مع النسيج الاجتماعي، وطبيعة المحافظة، ويجب احترامها من قبل الجميع".
وتابع أن "هناك الكثير من الشكاوى من عوائل وخاصة من النساء في الأسواق والتجمعات، من هذا اللبس، وبالتالي تم اللجوء لهذه الخطوات، لغرض تقويم أداء الشباب، وبسلوك أمني حضاري، دون التجاوز أو التعدي على كرامتهم".