في الذكرى 23 لأحداث 11 سبتمبر.. أهداف غير معلنة لزيارة بزشكيان إلى العراق

10 قراءة دقيقة
في الذكرى 23 لأحداث 11 سبتمبر.. أهداف غير معلنة لزيارة بزشكيان إلى العراق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان

يتوجّه رئيس الجمهورية الإيراني مسعود بزشكيان على رأس وفد حكومي رفيع إلى العراق، اليوم الأربعاء، في أول زيارة خارجية له منذ توليه المنصب، ليلتقي فيها كبار المسؤولين في بغداد وأربيل.

 

وحطت طائرة بزشكيان في ساعة مبكرة من صباح اليوم، في مطار بغداد الدولي، وكان باستقباله رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بمراسم رسمية كبيرة.

 

وهذه الزيارة التي كان ينوي أن يجريها الرئيس الإيراني السابق قبل وفاته، في شهر أيار الماضي، تتسم بوقع خاص في ظل التوترات الأمنية القائمة بالمنطقة، وحدوث تغييرات طارئة بالداخل الإيراني بعد وفاة إبراهيم رئيسي، والاحتقانات السياسية السائدة في العراق، فتأتي محمّلة برسائل سياسية وأهداف مهمّة تجمع البلدين، بعضها كشفت عنه الجهات الرسمية الإيرانية وبعضها الآخر بقي محفوظاً خلف الستار.

 

أهمية الزيارة

 

وأوضح الأكاديمي والمختص بالدراسات الأمنية الدولية، برويز رحيم، لمنصة الجبال أن "اختيار العراق كأول وجهة للرئيس مسعود بزشكيان، يظهر أن العراق يقع بمحور سياسة الجمهورية الإسلامية وضمن نطاق مصالحها الأمنية العليا. وتبيّن أن دول الجوار وتهدئة التوترات مع دول الغرب ستكونان محور استراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية خلال فترة رئاسة بزشكيان، تم اتباع هذه الاستراتيجية خلال عهد رئيسي، وكان الغرض الرئيس منها هو كسر العقوبات الاقتصادية والمالية الأميركية المفروضة على البلاد"، مضيفاً: "الزيارة تعكس التعقيد بدور إيران وموقعها وثقلها في المعادلات الإقليمية. وتبعث برسالة إلى العالم الخارجي والجوار والجهات المناوئة مفادها أن العراق يقع في الدائرة الأمنية الأولى لإيران ويعتبر منطقة نفوذ إيراني".

 

أهداف غير معلنة

 

وأعلنت الحكومة الإيرانية أن زيارة بزشكيان إلى العراق، ستتضمن لقاء مسؤولين كبار في بغداد وكذلك أربيل، لبحث قضايا أمنية، رفع مستوى التعاون، دعم النمو الاقتصادي، وحل بعض الخلافات. إذ سيوقع بزشكيان خلال تواجده ببغداد مجموعة مذكرات تفاهم تربط البلدين.

 

وأشار رحيم، في حديثه لـ"الجبال"، إلى غايات غير معلنة للزيارة منها "مساندة القوى الشيعية الموالية لإيران، وإظهار دور ومكانة إيران في العراق للأمريكيين، كذلك محاولة تأمين واستدامة المصالح الاقتصادية والتجارية مع الجهات الإقليمية الفاعلة مثل تركيا والدول العربية، وتقريب إقليم كوردستان من دائرة المصالح الإيرانية في العراق".

 

كما أن "التغلب على الصراع القائم بين الأطراف الشيعية العراقية، الذي شغل إيران أيضاً، مؤخراً، قد يكون هدفاً إيرانياً آخر خارج الأجندات الرسمية"، حسب رحيم.

 

وبحسب رحيم، فإن "الأهم من ذلك كله، هو أن إيران ترغب، بالإضافة إلى إدامة وضمان المصالح والمكاسب الاقتصادية والمالية والتجارية نظراً لهشاشة وضعها الداخلي، في إظهار أن الدبلوماسية أو الحكومة الرسمية هي التي تهيمن على العلاقات الإيرانية - العراقية، وليس كما يشاع دائماً عن سيطرة الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس والقادة العسكريين والاستخباراتيين على الشأن العراقي. لأن من المهم جداً بالنسبة للكابينة الحكومية الجديدة تغيير صورة وموقف الحكومة الإيرانية على المستويين الداخلي والخارجي، من أجل تخفيف التوترات وإزالة التهديدات عنها، إذ تسببت السياسات العسكرية التي اتبعتها طهران بالفترات السابقة في المنطقة بأضرار وعواقب سلبية وضعت إيران تحت شبح الحرب، في حين كانت استراتيجية إيران الدفاعية وسياستها تهدف إلى إزالة الضبابية وإبعاد إيران عن الحرب، وسد الطريق أمام الدول للاتفاق على تحجيم النفوذ الإيراني وإضعافها".

 

ويرغب بزشكيان بتقديم صورة جديدة لحكومته وللجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق والمنطقة، تكون أكثر جاذبية لمؤيديه وكذلك للرأي العام العراقي، حسب قول رحيم، الذي أشار لتقارير ومعلومات غير رسمية تفيد بأن "تجدد الاحتجاجات الجماهيرية في العراق، سيدفع بالنتيجة الأولى لإضعاف دور إيران ونفوذها في البلد، وملء الفراغ من قبل أطراف مناوئة لها".

 

"ومن النقاط التي تثير قلق الإيرانيين، مشروع الطريق التنمية الذي يعتقدون أنه يضر بمصالح دولتهم، سيتم تهميش إيران في القنوات والممرات الإقليمية والدولية في حال تنفيذه، ويستفيد منه منافسو إيران الإقليميين مثل تركيا والدول العربية الإيرانية. بالتالي سيضعف ذلك دور ومكانة إيران في المنطقة. وهذا يدفع إيران لأحد الأمرين إما إيقاف تنفيذ المشروع، أو العمل لأن يكون لها دوراً رئيس فيه، والحصول على ضمانات عملية تضمن عدم تهمش إيران في المنطقة، أو إبعاد العراق من دائرة المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية الإيرانية"، وفق قول الأكاديمي المختص بالدراسات الأمنية الدولية، وهذه قضية استراتيجية للغاية بالنسبة لإيران. 

 

المعارضة الإيرانية محور رئيس

 

في آذار 2023، وقعت السلطات العراقية اتفاقاً أمنياً مشتركاً مع الجانب الإيراني، تضمن التنسيق في حماية الحدود المشتركة بين البلدين، توطيد التعاون بمجالات أمنية، ونزع سلاح مجموعات معارضة مناوئة لطهران في مناطق حدودية بإقليم كوردستان. 

 

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في مؤتمر صحفي، الإثنين، إنه تم تنفيذ أجزاء كثيرة من بنود الاتفاقية الأمنية الإيرانية العراقية، وهناك فريق عمل مشترك بين الجانبين يراقب وتیرة تنفيذها.

 

وقد أعلن جهاز الأمن "الأسايش" في محافظة السليمانية، يوم السبت الماضي، تسليم أحد عناصر الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني المعارض، إلى السلطات في طهران، وذلك جسد سابقة تدفع للتساؤل حول  إمكانية طلب الوفد الرئاسي الإيراني من الحكومة العراقية تسليم المعارضين الإيرانيين لبلدهم.

 

بهذا الخصوص، قال برويز رحيم لـ"الجبال" إنه لم يتم الإعلان رسمياً عن محتويات الاتفاقية الأمنية، لكن مسؤولي الجمهورية الإسلامية طالبوا مراراً بتسليم الأشخاص المطلوبين، معتقداً أن "هذه القضية أكبر بكثير، وأكثر تعقيداً ممّا يدّعي المسؤولون الإيرانيون، وتعتمد على فواعل وعوامل متعدّدة"، مشيراً إلى أن "هذه مسألة إنسانية، وتخضع للاتفاقيات والقوانين الدولية التي تمنع ذلك ولا يجوز انتهاكها باتفاق بين دولتين".

 

وأردف: "هذه النقطة تجسد خطاً أحمراً بالنسبة لإقليم كوردستان، ومسؤولو إيران يدركون ذلك جيداً. لكن يمكن أن يستخدم الإيرانيون هذا الموضوع لزيادة الضغط على حكومة إقليم كوردستان والأحزاب السياسية وعلى بغداد أيضاً، من أجل الحصول على امتيازات أخرى وإقناع القوى السياسية بالإقليم بالمطالب الأخرى للجمهورية الإسلامية في إقليم كوردستان. وذلك يمثل ورقة ضغط على القوى السياسية الكوردية المناوئة أيضاً، لوقف نشاطها والقبول بالوضع الحالي"، مستدركاً بأن "هذا لا يعني أن إيران لا تريد تسليم هؤلاء الأشخاص (لأنه إذا حدث ذلك، تكون قد نجحت في خلق الصراع والانشقاق بين هذه القوى السياسية والكورد)، لا سيما وأن الجمهورية الإسلامية تشعر بقلق من ظهور احتجاجات مشابهة لتلك التي حدثت عام 2022 بقيادة الكورد، لذا هي تريد إضعاف دور ونفوذ هذه القوى السياية في المستقبل وإخفاءها بشكل كامل.

 

حلول مائية 

 

ويعد الملف المائي والأنهار المشتركة قضية حيوية بالنسبة لبغداد وطهران، خصوصاً في ظل الأنعكاسات القاسية للتغير الماخي، وقد ينتظر كثيرون أن تأتي زيارة بزشكيان بتطور إيجابي للمسألة.

 

ومن يعلم أن لدى وزير الخارجية الإيراني الجديد عباس عراقجي، معرفة تخصصية بمجال الأنهار الدولية والمياه الحدودية المشتركة ومعالجتها، فضلاً عن تخصصه العام في السياسة والعلاقات الدولية، يتفاءل بتوصل الحكومة الإيرانية الحالية إلى حل مع جيرانها بشأن هذه القضية. لكن برويز رحيم أكد للجبال أن "الدول المهيمنة بالمنطقة تنظر إلى المياه كمسألة أمنية، وتستخدمها كورقة ضغط جيوسياسي في المعادلات السياسية لخلق الضغط وفرض أجنداتها والحصول على الامتيازات. وهذا يزيد من صعوبة حل قضية المياه بين العراق وإيران أو تركيا وسورية والعراق وفقا للقانون والأنظمة الدولية".

 

ويرجح رحيم أن "يقدم الجانب الإيراني حلولاً مؤقتة لبعض المشاكل، مقابل الحصول على تنازلات اقتصادية ومالية وتجارية وسياسية أكبر، كون الإيرانيون يعيشون وضعاً اقتصادياً صعباً، ويخشون أن يؤدي هذا الأمر إلى تقريب العراق من تركيا أكثر، وتحريك الرأي العام العراقي ضد إيران"، مبيّناً أن إيران مثل تركيا، أقامت العديد من المشاريع والسدود على الأنهار، ومن الصعب أن تستمر بما كانت عليه في الماضي، لأنها تعاني مشكلة بيئية كبيرة بسبب جفاف وتصحر المناطق الوسطى والجنوبية والجنوبية الشرقية من البلاد، ما يفرز آثار اقتصادية وسياسية وحتى اجتماعية وأمنية كبيرة عليها.

 

مخاطبة الفصائل

 

تأتي زيارة بزشكيان في الذكرى الـ 23 لأحداث 11 سبتمبر التي على خلفيتها أعلنت الولايات المتحدة الأميركية حربها على على العراق، ومع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وهذا يؤكد أن حرب غزة، ودور الفصائل المسلحة الموالية لإيران أو ما يسمى جبهة "المقاومة الإسلامية في العراق" ستشكّل عناصر مهمة وحساسة في المباحثات العراقية الإيرانية.

 

وقال رحيم بهذا الشأن، إن "إيران تريد بقاء هذه القوات موحّدة وقويّة، ولا ترغب بنفس الوقت أن تشن تلك القوى أي هجوم مستقل على المواقع الأميركية وتتسبب بتورط إيران في حرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل. فإيران تسعى لأن تظل هذه القوات تحت سيطرتها، وأن تكون جزءاً من استراتيجية إيران الدفاعية والأمنية في المنطقة، كجبهة مقاومة، إذا لزم الأمر، لتخفيف الضغط على إيران وإبعاد الحرب عن حدودها".

 

رغم أن هذه الزيارة سياسية، لكن رحيم أشار إلى إمكانية أن "تزيد من وحدة الخطاب وعمليات الفصائل، وتوفر لها الدعم السياسي"، لافتاً إلى أن "من يهيمن على ملف العراق والمنطقة ليست وزارة الخارجية الإيرانية، بل الحرس الثوري وخاصة فيلق القدس، لكن في هذه المرحلة، وبسبب مشاكل الداخلية والخارجية المتراكمة بإيران وحساسية الوضع بالمنطقة، تحتاج هذه القوى إلى مزيد من التنسيق السياسي مع طهران، وهذا هو جوهر المعادلات المرتبطة بهذه القوى وإيران".

 

وكان عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي الإيراني، محمد مهدي شهرياري، قد صرح بأن الزيارة المرتقبة لبزشكيان إلى العراق، تأتي في سياق تعزيز العلاقات الإيرانية مع دول الجوار، رفع مستوى التعاون، ودعم النمو الاقتصادي وحل بعض الخلافات. ولفت إلى أن الزيارة الخارجية الأولى للرئيس خصصت للعراق باعتباره الجار الاستراتيجي لإيران، وتجمع بين البلدين مشتركات مذهبية عريقة تحظى باهمية كثيرة، مبيناً أن "العراق فضلاً عن القاسم الإقليمي، أصبح اليوم حليفاً لايران".

 

وأشار المسؤول الإيراني إلى "توقيع عدد من الاتفاقات وحل بعض الخلافات والتحديات" خلال الزيارة، مؤكداً أن "إزالة الهواجس تسهم في تعزيز العلاقات الثنائية أكثر من أي وقت مضى"، مردفاً أن "الحكومة الايرانية الـ 14 تولي أهمية لرفع مستوى التعاون مع الجوار وبما يخدم التنمية الاقتصادية في البلاد".

لافا عثمان

نُشرت في الأربعاء 11 سبتمبر 2024 09:00 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

المزيد من المنشورات

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.