بدأت قوات الأمن السورية الانتشار في محافظة السويداء لـ"حماية المدنيين ووقف الفوضى"، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية صباج اليوم، بعد سقوط أكثر من 700 قتيل خلال أسبوع من أعمال العنف، والتوصّل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا.
وفي بيان نشره على تلغرام، قال المتحدث باسم الداخلية نور الدين البابا، اليوم السبت 19 تموز 2025، إن "قوى الأمن الداخلي بدأت بالانتشار في محافظة السويداء في إطار مهمة وطنية، هدفها الأول حماية المدنيين ووقف الفوضى". وذلك في وقت تدور اشتباكات متقطعة في مدينة السويداء وريفها الشمالي، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان وشهود عيان.
يأتي ذلك عقب إعلان الولايات المتحدة التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا مساء الجمعة، حيث أدت أعمال عنف منذ نحو أسبوع في المحافظة الواقعة جنوب سوريا إلى مقتل المئات ونزوح عشرات الآلاف.
وأعلن المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع "اتفقا على وقف إطلاق النار"، بعد يومين من شن طائرات إسرائيلية ضربات استهدفت مقار رسمية والقوات الحكومية في دمشق.
كتب براك على منصة "إكس"، "ندعو الدروز والبدو والسنة لإلقاء سلاحهم والعمل مع باقي الأقليات الأخرى على بناء هوية سورية جديدة وموحدة في إطار من السلام والازدهار مع جيرانها".
وكانت الرئاسة السورية قد أعلنت في بيان، الأحد الماضي، أنها تعمل على إرسال "قوة متخصصة" لفض الاشتباكات المتواصلة في السويداء، داعية في الوقت نفسه إلى "ضبط النفس".
ومنذ الأحد، أدت الاشتباكات بين العشائر ومقاتلين دروز إلى مقتل 718 شخصاً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتقوّض أعمال العنف هذه التي تدخلت فيها إسرائيل جهود السلطات الانتقالية برئاسة الشرع في بسط سلطتها على كامل التراب السوري بعد أكثر من سبعة أشهر على إطاحتها الحكم السابق.
وتطرح مجدداً تساؤلات حول قدرتها على التعامل مع الأقليات على وقع أعمال عنف على خلفية طائفية طالت مكونات عدة في البلاد.
وشوهد اشتباك نحو 200 مقاتل من العشائر، مساء الجمعة، بالرشاشات والقذائف مع المقاتلين الموجودين داخل المدينة، بحسب فرانس برس.
وأكّد المرصد السوري لحقوق الإنسان من جهته تلك الاشتباكات بين المسلحين من العشائر والمقاتلين الدروز، مضيفاً أن "هناك قصفاً على أحياء مدينة السويداء".
"مقبرة جماعية"
وسحبت السلطات السورية قواتها من محافظة السويداء، الخميس، مع إعلان الشرع أنه يريد تجنّب "حرب واسعة" مع إسرائيل التي هدّدت بتصعيد غاراتها، بعدما أكدت أنها لن تسمح باستهداف الأقلية الدرزية أو بانتشار قوات عسكرية تابعة للسلطات في جنوب سوريا.
وفي السويداء، يعاني المستشفى الحكومي الوحيد في المدينة ظروفاً بالغة الصعوبة. وتقول ربى العاملة في الفريق الطبي في المستشفى، مفضلة عدم الكشف عن اسمها كاملاً "المستشفى تحوّل إلى مقبرة جماعية".
وتضيف "الوضع سيء جداً... لا ماء ولا كهرباء... والأدوية بدأت تنقص كثيراً".
في أروقة المستشفى، تنبعث رائحة كريهة من الجثث المكدّسة والمنتفخة والتي تبدّدت ملامح بعضها، وفق فرانس برس.
يجهد الفريق الطبي من أطباء وممرضين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، لتقديم العلاج للجرحى الذين ما زالوا يتدفقون إليهم، منهم من تمدّد في الأروقة بانتظار دوره في تلقي العلاج.
واستقبل هذا المستشفى أكثر من 400 جثة منذ الاثنين، وفقاً للطبيب العامل في المستشفى ونقيب أطباء السويداء عمر عبيد، "ما بين نساء وأطفال ومسنين ومقاتلين".
وتجدّدت الاشتباكات، أمس الجمعة، في محيط مدينة السويداء بين المقاتلين من العشائر والمقاتلين الدروز، كما أكد مقاتلون من الجانبين والمرصد السوري لحقوق الإنسان.
ولا تزال مدينة السويداء محرومة من الكهرباء والماء، وسط ضعف في شبكة الاتصالات، بحسب ما أفاد رئيس تحرير موقع السويداء 24 المحلي ريان معروف. و"الوضع الإنساني كارثي، لا يوجد حتى حليب للأطفال"، وفق قوله.
وأعلنت إسرائيل الجمعة أنها بصدد إرسال مساعدات إنسانية إلى السويداء تبلغ قيمتها نحو 600 ألف دولار وتشمل حصصاً غذائية وإمدادات طبية، بحسب بيان لوزارة الخارجية.
"سفك الدماء"
وفي جنيف، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان، فولكر تورك: "يجب أن يتوقف سفك الدماء والعنف، وحماية كل الأشخاص يجب أن تكون الأولوية المطلقة"، مضيفاً: "يجب أن تُجرى تحقيقات مستقلة، سريعة وشفافة في كل أعمال العنف، وأن تتم محاسبة المسؤولين" عن الانتهاكات.
وأرغمت أعمال العنف نحو 80 ألف شخص على النزوح من منازلهم في السويداء، وفق ما أعلنت الجمعة المنظمة الدولية للهجرة.
ونفت إسرائيل الجمعة أنباء نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن تنفيذها مزيداً من الضربات الجوية قرب السويداء ليل الخميس.
ونقلت فرانس برس عن متحدث عسكري إنه "ليس لدى الجيش الإسرائيلي علم بضربات جوية خلال الليل في سوريا".
وكانت إسرائيل هدّدت الأربعاء بمزيد من التصعيد ضدّ القوات الحكومية ما لم تنسحب من محافظة السويداء بعدما قصفت مواقع عدة أبرزها مجمّع هيئة الأركان العامة ومحيط القصر الرئاسي في دمشق.
وكانت الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل والداعمة للسلطات السورية الجديدة، أعلنت الخميس أنها لم تساند الغارات الإسرائيلية على سوريا.
اندلعت الاشتباكات الأحد في محافظة السويداء بين مسلحين دروز وآخرين من البدو السنّة، وفق المرصد، على خلفية عملية خطف طالت تاجر خضار درزياً وأعقبتها عمليات خطف متبادلة.
ومع احتدام المواجهات، أعلنت القوات الحكومية الإثنين تدخّلها في المحافظة لفضّ الاشتباكات، لكن بحسب المرصد وشهود وفصائل درزية، فقد تدخلت هذه القوات إلى جانب البدو.
واتهم المرصد السوري والفصائل الدرزية وشهود القوات الحكومية بـ "ارتكاب انتهاكات في مدينة السويداء بعيد انتشارها فيها".
"منازل تحترق"
وأفاد صحفيون في السويداء بأن مقاتلين من العشائر السنية توافدوا من مختلف المناطق السورية دعماً للبدو وتجمّعوا صباح الجمعة في قرى محيطة بالمدينة.
وقال شيخ إحدى العشائر، علي العناد، قرب قرية ولغا في ريف السويداء إن رجاله جاؤوا من منطقة حماة وسط سوريا بعدما "استنجد بنا أبناء البدو وجئنا لدعمهم".
وشوهدت منازل ومتاجر وسيارات تحترق في قرية "ولغا" الدرزية التي باتت بيد العشائر، وفق فرانس برس.
وبحسب المرصد السوري فإن "انتشار المسلحين من العشائر في محافظة السويداء جاء بتسهيل من القوات الحكومية غير القادرة على الانتشار هناك بسبب التهديدات الإسرائيلية".
ويقدّر تعداد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف يعيش معظمهم في جنوب البلاد في محافظة السويداء خصوصاً. ويتوزّع الدروز كذلك بين لبنان وإسرائيل.
وأعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن "قلقها العميق إزاء التدهور السريع للوضع الإنساني" في السويداء.
كذلك، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، خلال مكالمة هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، عن "قلقه الكبير" حيال أعمال العنف في سوريا داعيا الى "إرساء الاستقرار".