يعد ملف التجارة في العراق ولا سيما على صعيد الاستيرادات، مسألة ملأى بالغموض والأرقام المتضاربة وغير المفهومة، ومن شدة تعقيدها، قد يقع حتى بعض المسؤولين والمختصين في غياهب غموضها، ما يوقعهم في أخطاء، وبالتالي عدم وجود فهم واضح لخارطة التجارة العراقية مع الخارج، وهذا ما يظهر بشكل واضح عن تعدد وتضارب الاعتقادات العراقية الشائعة حول الدولة الأكثر تصديراً للعراق.
ولعل من أكبر المسائل الملتبسة المتعلقة بالتجارة الخارجية للعراق والتي تحتاج إلى تفسير، هو احتلال الإمارات المرتبة الأكبر في قائمة البلدان المصدرة للعراق، في الوقت الذي تشير فيه بيانات وتصريحات أخرى إلى أنّ تركيا أو الصين أو إيران هي البلدان الأكبر تصديراً للعراق.
وأجرت منصة "الجبال" مراجعة بالأرقام، لتفكيك هذه المسألة لمعرفة منا هو البلد الأكثر استحواذاً على السوق العراقي بالفعل والأكثر تصديراً له، حيث تظهر الأرقام أن احتلال دولة ما المرتبة الأولى بحجم صادراتها إلى العراق، يحمل جانبين، فالصادرات المنطلقة من دولة تفرق عن الصادرات "المولدة" في هذه الدولة ثم تنطلق باتجاه العراق.
الإمارات تهيمن على السوق العراقي؟
غالباً ما تأتي أرقام استيرادات العراق من الإمارات بأكثر من 20 إلى 25 مليار دولار سنوياً، وذلك من أصل حوالي 70 مليار دولار سنوياً قيمة استيرادات العراق من مختلف البضائع والسلع، ليتم الحديث عن أن الإمارات هي الأعلى تصديراً للعراق.
لكن بيانات أخرى تتحدث عن أن الصين هي الأعلى تصديراً للعراق، فيما يجري اعتقاد شائع أن إيران هي الأعلى وآخرون يتحدثون عن أن تركيا هي الأكثر تصديراً للعراق.
في مراجعة لآخر أرقام متوفرة لعام 2022، استورد العراق بضائع بقيمة أكثر من 67 مليار دولار، كانت الإمارات هي الأعلى بقيمة 21 مليار دولار، أي أن أكثر من 31% من استيرادات العراق جاءت من الإمارات وحدها.
استيرادات العراق من دول العالم لعام 2022
كلّا.. الصين الأكثر استحواذاً!
لكن في ذات الوقت، يمكن اعتبار أن الصين هي الأكثر استحواذاً على السوق العراقي في الحقيقة بالرغم من أن صادراتها للعراق بلغت حينها 14 مليار دولار، ولكن كيف؟
تتقارب قيمة صادرات الصين وتركيا إلى العراق وتتراوح بين 12 و14 مليار دولار، أما إيران فتتراوح بين 8 و10 مليار دولار في أحسن الأحوال، الجزء الأكبر منها هو الغاز الإيراني المصدر للدولة العراقية وليست البضائع والسلع.
وبالرغم من أن الإمارات تظهر في الأرقام أنها الأكثر تصديراً للعراق، لكن في الحقيقة أن الصين وتركيا هما الأكبر تصديراً للبلد المذكور، وذلك يمكن اكتشافه من بيانات الصادرات الإماراتية.
وتشير البيانات الإماراتية، إلى أن الصادرات الإماراتية الخالصة من الـ21 مليار دولار المسجلة، هي 4 مليار دولار فقط في الحقيقة، أي أن البضائع الإماراتية المنشأ المصدرة للعراق أقل من الصين وتركيا وإيران.
أما الرقم المتبقي فهو يمثل "إعادة تصدير" أي أنها بضائع من مناشئ عالمية أخرى، يتم تصنيعها أو إرسالها من الإمارات نتيجة وجود مقرات شركات عالمية من مختلف دول العالم في الإمارات، كما أن العديد من المصانع عائمة على سفن في المياه الإماراتية تقوم بالتصنيع والتصدير من على المنصات البحرية، حيث بلغت قيمة إعادة التصدير من الإمارات إلى العراق حوالي 16.7 مليار دولار.
العراق ثاني أكبر مستورد من الإمارات لبضائع "إعادة التصدير"
تضارب الأرقام هذا سبق أن تسبب باشتباك لفظي بين وزير التخطيط الحالي محمد تميم والباحث الاقتصادي منار العبيدي في الملتقى العراقي الإماراتي الذي عقد في بغداد العام الماضي، عندما قال العبيدي خلال إلقاء كلمة أن الإمارات الأكثر تصديراً للعراق بـ20 مليار دولار، ليقاطعه وزير التخطيط واصفاً الرقم بـ"غير الصحيح".
ووفقاً لرؤية وزير التخطيط فهو بالفعل غير صحيح في حال النظر إلى المنشأ الرئيس للبضائع، لكن رقم منار العبيدي هو صحيح أيضاً في حال النظر إلى إجمالي البضائع القادمة من الإمارات إلى العراق بغض النظر عن مُنشئها.
الإحصاء العراقي يغرد وحيداً
بالرغم من التضارب وسوء الفهم أحياناً في أرقام التجارة العراقية، إلا أنه لا يوجد أكثر من "تضارب" أرقام الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، والذي يتحدث عن أرقام لا تشكل سوى أقل من 25% من أرقام استيرادات العراق الحقيقية.
وبينما تشير جميع البيانات العالمية وكذلك بيانات حوالات البنك المركزي من الدولار إلى أن العراق استورد عام 2022 بضائع بـ67 مليار دولار، تشير تقارير وزارة التخطيط إلى أن استيرادات العراق عام 2022 بلغت 16.5 مليار دولار فقط، وهو ما يشكل 23% فقط من إجمالي استيرادات العراق الحقيقية.
وتظهر بيانات وزارة التخطيط، أن إيران في مقدمة البلدان تصديراً للعراق وبقيمة 3.8 مليار دولار في عام 2022، تليها الصين بـ3.1 مليار دولار، فيما تغيب الإمارات تماماً عن قائمة أكثر 10 بلدان تصديراً إلى العراق.
البيانات العراقية الرسمية عن الاستيرادات
وتظهر تقارير وزارة التخطيط أن صادرات الإمارات إلى العراق في 2022 بلغت فقط 270 مليون دولار، أي حوالي ربع مليار دولار، في حين أن صادرات الإمارات ذات المنشأ الإماراتي بلغت في الحقيقة أكثر من 4 مليار دولار، أما إجمالي الصادرات مع إعادة التصدير من الإمارات ذات المناشئ الأخرى، بلغ أكثر من 20 مليار دولار، وهذه الأرقام من الممكن أن تفسر بشكل واضح سبب اختلاف وزير التخطيط وصدمته من أرقام الباحث الاقتصادي منار العبيدي حينها.
ويعود سبب قلة أرقام وزارة التخطيط مقارنة بالاستيرادات الحقيقية، هو اعتماد وزارة التخطيط بالاستيرادات على البضائع الداخلة من الحدود العراقية الرسمية والتي تقع تحت سيطرة حكومة بغداد، أما البضائع الداخلة بشكل تهريب، أو الداخلة عبر منافذ كوردستان الرسمية أو غير الرسمية، فجميعها لا تعرف عنها وزارة التخطيط والحكومة العراقية شيئاً في الحقيقة.