حلّه "غير واقعي".. تقرير أميركي يتحدث عن ضرورة إصلاح الحشد الشعبي ويسأل عن الموارد والفياض

9 قراءة دقيقة
حلّه "غير واقعي".. تقرير أميركي يتحدث عن ضرورة إصلاح الحشد الشعبي ويسأل عن الموارد والفياض

تحدث مركز فكري أميركي عن ضرورة إصلاح قوات الحشد الشعبي في العراق لـ"تجنب الانزلاق إلى صراع إقليمي"، وهو ما يجعل النظام السياسي في العراق يواجه "لحظة مفصلية تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة". 

 

ويقول تقرير مركز ستيمسون الذي ترجمته "الجبال"، إن "المخاوف المتصاعدة من امتداد العنف الإقليمي إلى العراق، بما في ذلك شبح حرب أمريكية إسرائيلية محتملة ضد إيران، أعادت إحياء النقاش الحاد حول مستقبل قوات الحشد الشعبي"، مبيناً أن "هذا الجدل بعد نحو 11 عاماً من تأسيس هذه الجماعات المسلحة بهدف المساهمة في إيقاف تقدم تنظيم داعش". 

 

ويشير التقرير إلى أنه "في ظل المفاوضات الهشة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامجها النووي، يواجه القادة السياسيون العراقيون لحظة مفصلية تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة. وقد حذر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين من أن فشل واشنطن وطهران في التوصل إلى اتفاق نووي قد ينذر بـ "عواقب وخيمة" على منطقة الشرق الأوسط بأسرها".

 

 ولتحصين العراق من خطر الانجرار إلى صراع إقليمي واسع النطاق، يرى التقرير "ضرورة إصلاح قوات الحشد الشعبي بشكل جذري، لضمان عدم تحولها إلى ذريعة لتقويض الاستقرار الهش الذي تحقق في البلاد بصعوبة بالغة". 

 

وقد سبق لإدارة ترامب أن وضعت توقعات واضحة للعراق في إطار جهودها لمنع تفاقم العنف الإقليمي. ففي مؤتمر صحفي عُقد في آذار الماضي، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس على ضرورة أن تضمن الحكومة العراقية "سيطرتها الكاملة على جميع القوات الأمنية داخل حدودها، بما في ذلك قوات الحشد الشعبي"، مشددة على أن "هذه القوات يجب أن تكون خاضعة للقائد العام للقوات المسلحة العراقية وليس لإيران".

 

ويشير التقرير إلى أن "التصور الغربي السائد بأن قوات الحشد الشعبي مجرد أداة لتنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية ينطوي على مبالغة، إلا أنه لا ينفي وجود تدهور داخلي وسخط شعبي متزايد تجاه هذه المنظمة. وبينما لا ينكر أحد الدور المحوري الذي لعبته قوات الحشد الشعبي جنبًا إلى جنب مع أطراف أخرى في دحر تنظيم داعش وتحرير الأراضي العراقية بين عامي 2014 و2017، فإن الصورة التي سعت المنظمة وأنصارها لترسيخها كطليعة للسيادة الوطنية قد تآكلت بشكل ملحوظ". 

 

ولفت التقرير إلى أن "منتقدي هذه المنظمة المعقدة، التي تضم طيفاً واسعاً من الفصائل المسلحة المتنوعة والتحالفات السياسية المتنافسة، غالباً ما يختزلونها في كونها مجرد وكيل لإيران، متجاهلين جذورها الاجتماعية العميقة في مناطق نفوذ الشيعة في وسط وجنوب العراق".

 

وعلاوة على ذلك، يرى التقرير أن "الادعاء بأن قوات الحشد الشعبي تعمل بشكل كامل خارج نطاق القيادة الحكومية لا يعكس الصورة الحقيقية، مستشهداً بالتزام قوات الحشد الشعبي بالموقف الرسمي للحكومة العراقية خلال انهيار نظام بشار الأسد في سوريا في كانون الأول، حيث امتنعت عن التدخل لدعمه رغم الدعوات العلنية من بعض الجهات للانضمام إلى القتال".

 

في المقابل، يميل أشد مؤيدي قوات الحشد الشعبي إلى تمجيد المنظمة وتضحياتها، ورفض أي انتقادات مشروعة باعتبارها مؤامرة أجنبية تهدف إلى تقويض النظام السياسي ذي الأغلبية الشيعية في العراق، ويؤكد التقرير على "الحاجة الماسة إلى نقاش أكثر عقلانية وواقعية يستكشف كيفية مساهمة المنظمة في البنية الأمنية العراقية كقوة استقرار".

 

ويحذر التقرير من أن "الدعوات إلى حل قوات الحشد الشعبي قد تؤدي إلى تأجيج التوترات الطائفية، مقترحًا بدلاً من ذلك التركيز على وضع مسار عملي لتجديد المؤسسات، وفي هذا السياق، قدمت الحكومة العراقية في آذار مشروع قانون جديد إلى البرلمان بهدف استبدال قانون عام 2016 الذي أضفى الطابع الرسمي على قوات الحشد الشعبي، لكنه ترك قضايا قانونية وهيكلية مهمة معلقة".

 

ويقول التقرير إن "الغموضات المحيطة بالتسلسل القيادي، والرقابة على الميزانية، والاندماج في إطار الأمن الوطني لا تزال تشكل مصادر توتر مستمرة، ويسعى مشروع القانون الجديد إلى معالجة هذه الثغرات من خلال وضع معايير أكثر وضوحاً لدور قوات الحشد الشعبي داخل الدولة العراقية".

 

يؤكد التقرير على أن أحد الأهداف الرئيسية للإصلاح يجب أن "يكون توضيح الهدف الاستراتيجي لقوات الحشد الشعبي. ويُعرّف مشروع القانون الجديد مهمة المنظمة بأنها المساهمة في حماية النظام الدستوري والديمقراطي في العراق، ودعم الدفاع الوطني وسلامة أراضيه وجهود مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، ينتقد التقرير تجاهل التشريع لمشاكل أكثر عمقاً، حيث سيطرت فصائل على المنظمة واستنزفت موارد الدولة واستغلت مواقعها لتحقيق مكاسب شخصية وحصنت نفسها من المساءلة مستغلة إرثاً وطنياً لم تعد تمثله. ويشير التقرير إلى أن عناصر مارقة لا تعمل فقط خارج سلسلة القيادة الرسمية، بل تعمل أحيانًا على تقويض سلطة الدولة بنشاط".

 

ويستشهد التقرير بواقعة كانون الثاني 2024، عندما "دبرت (المقاومة الإسلامية في العراق) وهي مظلة لميليشيات مدعومة من إيران داخل قوات الحشد الشعبي، هجوماً بطائرة مسيرة على البرج 22، وهو موقع عسكري أمريكي بالقرب من الحدود العراقية الأردنية السورية، مما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين"، فيما أشار التقرير إلى أن "الرد الأمريكي بغارة جوية على بغداد أسفر عن مقتل أبو باقر الساعدي، القيادي البارز في ميليشيا كتائب حزب الله والذي كان يشغل أيضاً منصباً رسمياً داخل قوات الحشد الشعبي، والذي تعتبره الولايات المتحدة متورطًا بشكل مباشر في هجوم الطائرة المسيرة". 

 

ويؤكد التقرير على أن "شغل الساعدي منصباً رفيعاً في مؤسسة حكومية كان أمراً إشكالياً للغاية، حيث قوض بشكل خطير مصداقية ونزاهة جهاز الأمن الوطني العراقي". 

 

ويحذر التقرير من أن "تكرار هذا السيناريو يظل وارداً"، مشيراً إلى "التهديدات الإسرائيلية السابقة ضد قوات الحشد الشعبي واحتمال عدم انتظار إدارة ترامب لهجوم آخر قبل الرد إذا لم يُنظر إلى العراق على أنه يكبح جماح العناصر المارقة داخل هياكل قوات الحشد الشعبي".

 

ويشدد التقرير على أن "هذا الاحتمال يزداد إذا نفذت الولايات المتحدة تهديداتها بضرب إيران بالتعاون مع إسرائيل في حال فشل المحادثات النووية".

 

ويخلص التقرير إلى أن "صياغة رؤية استراتيجية طويلة الأمد لقوات الحشد الشعبي وإعادة تعريف دورها بما يخدم الهيكل الأمني ​​الأوسع للعراق يتطلب وقتاً وتوافقاً سياسياً، إلا أنه يقترح اتخاذ خطوات فورية لإرساء أسس إصلاح أعمق:

 

*أولًا: يدعو التقرير قوات الحشد الشعبي إلى قطع علاقاتها غير الرسمية مع إيران بشكل كامل لمعالجة التصورات الراسخة حول توجهها السياسي المعادي للغرب واعتقادها بأن مستقبل العراق الاستراتيجي مرتبط بإيران والشرق الأوسط، مشدداً على "ضرورة امتناع قوات الحشد الشعبي عن التعبير عن آراء سياسية في الشؤون الداخلية أو الخارجية، وعدم حشد أفرادها لحضور مظاهرات تعارض سياسة الحكومة. كما يوصي بعدم سفر قيادات الحشد الشعبي، بمن فيهم رئيس الهيئة، إلى إيران أو أي دولة أجنبية أخرى لإجراء مشاورات"، مؤكداً على أن "رئيس الوزراء وحده يجب أن يجري هذه اللقاءات بصفته القائد العام للقوات المسلحة".

 

ثانياً: يرى التقرير حاجة ملحة لتغيير قيادة قوات الحشد الشعبي. ويشير إلى أن "استمرار فالح الفياض، السياسي المخضرم، في منصب رئيس الهيئة منذ تأسيسها يثير تساؤلات حول مدى حياديته"، مؤكداً على "ضرورة عدم تولي أفراد ذوي انتماءات سياسية أو طموحات انتخابية قيادة الهيئة"، معتبراً أن "حشد رئيس الوزراء شياع السوداني للإرادة السياسية لإصلاح القيادة العليا للحشد الشعبي سيكون خطوة مهمة نحو نزع الطابع السياسي عن المنظمة".

 

بالإضافة إلى ذلك، يدعو التقرير إلى "ضرورة وقف استغلال موارد هيئة الحشد الشعبي لتحقيق مكاسب شخصية، وهي ممارسات تفاقمت مع تزايد ميزانية المنظمة". ويستشهد التقرير بحادثة "محاولة مصادرة أراضٍ سكنية في الجادرية ببغداد عام 2023 من قبل أفراد يُعتقد ارتباطهم بشخصيات بارزة في هيئة الحشد الشعبي، والتي أثارت غضباً شعبياً واسعاً وتدخل المرجع الديني الأعلى علي السيستاني لإدانتها".

 

ثالثاً: يشدد التقرير على ضرورة معالجة العجز المزمن في الشفافية داخل قوات الحشد الشعبي. ويشير إلى "غياب تقارير مفصلة عن إنفاق المنظمة، على عكس وزارتي الدفاع والداخلية، مما يثير مخاوف جدية بشأن الرقابة المالية واختلاس الأموال العامة".

 

ويتطرق التقرير أيضاً إلى "رفض قوات الحشد الشعبي مشاركة بيانات أفرادها مع مفوضية الانتخابات قبل انتخابات عام 2021، واستمرار تضارب التقديرات حول أعداد الأفراد المسجلين في قوائم رواتبها، مما يسهل إساءة استخدام الأموال والتلاعب السياسي وتضخيم أعداد الموظفين".

 

في الختام، يدعو التقرير القيادة الشيعية العراقية إلى "اتخاذ قرار واضح بشأن مستقبل قوات الحشد الشعبي"، محذراً من أن "تركها دون رقابة قد يجعلها قوة مسيسة ومثيرة للانقسام وعرضة للتلاعب الخارجي".

 

ويرى أن الدعوات إلى حلها أو دمجها غير واقعية، لكنه "يؤكد على ضرورة عدم بقائها على حساب المصلحة الوطنية العراقية".

 

ويختتم التقرير بالتأكيد على "ضرورة استعادة هدفها الأصلي المتمثل في الدفاع عن العراق من خطر الإرهاب، مع تجريدها من الأجندات الفئوية والاستغلالية التي تقوضها وتقوض سلامة الدولة العراقية".

الجبال

نُشرت في الأحد 11 مايو 2025 12:10 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.