تهديدات واحتجاجات ومحاكم وخطيب جمعة.. مديرة بالبصرة مذعورة بعد محاسبة طالبات على "الزي الأسود"

7 قراءة دقيقة
تهديدات واحتجاجات ومحاكم وخطيب جمعة.. مديرة بالبصرة مذعورة بعد محاسبة طالبات على "الزي الأسود" جانب من وقفة احتجاجية ضد المديرة (الجبال)

بحث عن المكياج والموبايلات بين الطالبات ينتهي بمديرة خائفة وتربية ترفض التدخل  

في مدينة سفوان الواقعة على أطراف محافظة البصرة، حيث تتقاطع التقاليد الدينية مع النظام الإداري، تفجرت مؤخراً قضية مثيرة تمحورت حول تفاصيل حادثة بسيطة في ظاهرها، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى صراع علني بين المنبر الديني وإدارة تربوية.

 

القصّة بدأت من فناء ثانوية "التعاون للبنات" في 19 رمضان

الحادثة بدأت بارتداء مجموعة من الطالبات اللون الأسود في مناسبة دينية خلال شهر رمضان الماضي، وانتهت بدعوى قضائية وخطبة جمعة منددة ووقفة احتجاجية وإجراءات أمنية.

 

في ذلك اليوم، شهدت ثانوية "التعاون للبنات" في قضاء سفوان، حملة تفتيش روتينية. كما تقول مديرة المدرسة نجلاء حميد موحي.

 

وأوضحت موحي في تصريح خصّت به منصّة "الجبال"، أن "الإجراء لم يكن طارئاً، بل كان جزءاً من مهام الإدارة لمتابعة الانضباط المدرسي، حيث يُمنع المكياج والهواتف الشخصية والزي غير الموحد. وقد لوحظ أن قرابة 40 إلى 45 طالبة ارتدين السواد، ما اعتبره الكادر مخالفة للزي الرسمي، خاصة أنه لم يكن في ذلك اليوم مناسبة دينية أو وطنية مصنّفة ضمن المناسبات الرسمية المعتمدة".

 

وتضيف المديرة: "سألت الطالبات عن سبب لبس السواد، فأجبن أنهن ارتدين السواد حداداً بمناسبة جرح الإمام علي. فأوضحت لهن أن هذا اليوم ليس عطلة أو مناسبة دينية معتمدة لدى وزارة التربية، وأن الإجراء إداري بحت لا علاقة له بالطقوس أو الشعائر الدينية".

 

هل جرى احتجاز وطرد الطالبات بالفعل؟

فيما انتشرت لاحقاً روايات عن قيام الإدارة بـ"احتجاز الطالبات تحت الدرج"، وفي رواية أخرى أنه "تم طرد الطالبات من الصفوف"، فيما تنفي المديرة بشكل قاطع هذه المزاعم قائلة: "لم نحتجز أحداً، ولم يُمنع أحد من أداء الامتحانات أو حضور الدروس. كل ما في الأمر أننا سجلنا المخالفة في السجل الإداري، كأي إجراء رقابي يحدث في مدارس العراق كلها. لم نتجاوز لا لفظاً ولا سلوكاً".

 

القصة لم تتوقف عند هذا الحد. ففي اليوم التالي، بدأت الروايات تتسرب إلى الشارع البصري، وتحوّلت القضية إلى شكوى من بعض أولياء الأمور إلى مادة خصبة تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتصل في يوم الجمعة إلى منبر المسجد.

 

خطيب جامع "أهل البيت" على الخط.. والمديرة تردّ

في خطبته الأسبوعية، خصّص خطيب جامع أهل البيت في سفوان، إسماعيل كاظم مهاوش، جزءاً من خطبته لما وصفه بـ"حادثة تربوية تمسّ القيم والعقائد". حيث قال في تلك الخطبة، إن "أكثر من خمسين طالبة تعرّضن لعقوبة جماعية بسبب ارتدائهن السواد في ذكرى جرح الإمام علي، وتعرّضن للتهديد والإهانة وحتى الاحتجاز تحت درج المدرسة، بحسب ما نُقل من شهادات أولياء الأمور".

 

وتابع مهاوش، أن "المنبر هو لسان الناس، خصوصاً المظلومين، ونحن لم نُسِئ أو نُشهّر، بل نقلنا الواقع بهدف الإصلاح. لا يجوز بأي حال من الأحوال استخدام السلطة الإدارية في قمع التعبير الديني، خاصة إذا كان مرتبطاً بهوية اجتماعية عميقة".

 

وردّاً على ما جرى، قالت مديرة "التعاون" نجلاء موحي: "لم يُكلّف الشيخ نفسه بالتواصل معي أو السؤال عمّا جرى، رغم أنه جار لي ويسكن على بعد أمتار من منزلي. فوجئت باتهامات وُجهت لي على المنبر وكأنني ارتكبت جرماً، دون أي تحقق أو استيضاح. بل أن بعض العبارات تجاوزت حدود النقد البنّاء، وبدأت تأخذ طابع التحريض".

 

وأضافت، أن "المشكلة تعاظمت حين دخلت أطراف أخرى على الخط، إذ تم تداول منشور على فيسبوك كتبه أحد المحسوبين على فصيل سياسي معروف، تضمّن اتهامات باطلة مثل طرد الطالبات، وسبّ المدرسات، والإساءة للمذهب، بل وحتى إدخال اسم زوجي في القضية – وهو موظف في شركة غاز البصرة – مع وصفه بألفاظ مسيئة لا علاقة له بها".

 

المديرة تلجأ للقضاء واحتجاجات أمام القائممقامية 

أمام هذا التصعيد، بادرت المديرة إلى رفع دعوى قضائية رسمية ضد الشيخ إسماعيل ومَن شارك في النشر والتحريض، ووصفت ذلك بأنه "حق قانوني لا يهدف إلى إسكات أحد، بل إلى وقف التجريح والتشهير". وفعلاً، تم استدعاء الشيخ إسماعيل إلى المحكمة، حيث حضر الجلسة وقدّم النص الكامل لخطبته، وأُطلق سراحه بكفالة، فيما بقيت القضية مفتوحة لدى الجهات القضائية المختصة.

 

خطيب جامع "أهل البيت"، علّق على الدعوى قائلاً: "احترمنا القضاء، وذهبنا طوعاً لنثبت أننا لم نتجاوز، بل نقلنا صوت أولياء الأمور. العمامة ليست خصماً لأحد، لا للتربية ولا للمؤسسات، بل لطالما كانت حاضرة في حماية المجتمع والدفاع عن القيم والهوية".

 

في الأثناء وبالتزامن مع الإجراءات القضائية، شهدت مدينة سفوان وقفة احتجاجية نظّمها عدد من الأهالي أمام مبنى القائممقامية، عبّروا خلالها عن تضامنهم مع الطالبات، ورفضهم لما اعتبروه "سلوكاً غير تربوي يمسّ العقيدة الدينية"، إلى جانب رفع لافتات تطالب بفتح تحقيق تربوي، مشددين على أنهم "لا يعادون المؤسسة التربوية"، بل يرفضون ما أسموه "تصرفاً فردياً لا ينسجم مع قيم المجتمع".

 

أحد المشاركين في الوقفة قال لمنصّة الجبال: "ابنتي كانت ضمن الطالبات المحتجزات. ما جرى لا يمكن السكوت عليه، نحن في بلد يحترم الشعائر، والمدرسة ليست فوق هذا الفهم".

 

 

المديرة مذعورة.. والتربية ترفض التدخل  

وبعد تطور القضية، قالت المديرة نجلاء حميد إنها "أصبحت تشعر بالخوف على سلامتها وسلامة أسرتها، بعد أن تعرضت لسيل من الشتائم والتهديدات على الإنترنت".

 

وأضافت: "أفكر فعلاً بطلب حماية أمنية. أعيش قلقاً حقيقياً بعد أن تحوّلت من مديرة مدرسة تطبّق النظام إلى متهمة بمواقف مذهبية ملفقة. نحن لسنا في صراع طائفي، بل في مؤسسة تحكمها الأنظمة والتعليمات".

 

من جانبها، علقت مديرية تربية محافظة البصرة، حول القضية، حيث أشارت إلى أنها "تنتظر نتائج التحقيقات القضائية؛ لكون القضية تحوّلت إلى مسار قضائي".

 

وقال باسم القطراني، مدير إعلام تربية البصرة، في تصريح لمنصّة "الجبال، إن "القضية حالياً تحوّلت إلى مسار قضائي بعد تقديم أحد الأطراف شكوى رسمية، وهو ما يُلزم المديرية بانتظار ما سيصدر من قرار قضائي نهائي بشأنها"، مؤكداً أن "الملف خرج من يد المؤسسة التربوية حال دخوله حيز التقاضي، احتراماً لصلاحيات القضاء واستقلاله".

 

وأضاف القطراني، أن "مديرية تربية البصرة كانت بصدد اتخاذ إجراءات عاجلة ومفصلية حيال القضية، لو لا أن الشكوى القضائية حالت دون ذلك"، موضحاً أن "التدخل المباشر من قبل التربية سيكون ممكناً فقط في حال عدم وجود دعوى قضائية قائمة، أو بعد صدور قرار نهائي من المحكمة يتيح للمديرية التحرك ضمن صلاحياتها القانونية".

 

 

الجبال

نُشرت في السبت 10 مايو 2025 07:10 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.