توصّل فريق بحثي طبي إلى طفرة جينية في جسم الإنسان تقلّل الحاجة إلى النوم إلى حد بعيد، ودون أن يؤثر ذلك على أداء الوظائف طبيعياً.
وكشف فريق بحثي عن أن الطفرة في الجين "SIK3" تمكن حامليها من الاكتفاء بـ3 ساعات فقط من النوم يومياً، مع الحفاظ على كفاءة الجسم ووظائفه الحيوية، وأظهرت الدراسة أن هذه المدة القصيرة كافية لإتمام عمليات "إعادة الشحن" الجسدي بالكامل.
الدكتورة إن-هوي فو، أستاذة علم الأعصاب والوراثة بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، تقول إن "هذه الحالات النادرة تمثل نافذة لفهم آلية النوم المثالي، تنجز أجسامهم خلال 3 ساعات ما يحتاجه الآخرون لـ8 ساعات، وبكفاءة أعلى"، لافتة إلى أن "عند النوم، يستمر الجسم في أداء وظائفه الحيوية، حيث يبدأ عملية التخلص من السموم وإصلاح التلف الخلوي، والمدهش أن أجسام هؤلاء الأشخاص تنفذ جميع هذه العمليات الحيوية بكفاءة تفوق قدرتنا نحن على أدائها خلال فترة النوم نفسها".
وفي العقد الأول من القرن الـ21، تواصلت مجموعة من الأشخاص الذين ينامون ست ساعات أو أقل يومياً مع الدكتورة فو وفريقها البحثي، وأظهر تحليل الجينوم الخاص بأم وابنتها وجود طفرة نادرة في جين "DEC2" (المعروف أيضاً باسم BHLHE41) المسؤول عن تنظيم الإيقاع اليومي (الساعة البيولوجية)، والذي يتحكم بدوره في دورة النوم والاستيقاظ.
وافترض الفريق البحثي أن هذه الطفرة الجينية هي السبب وراء حاجتهم المحدودة للنوم، وقد أدى هذا الاكتشاف الثوري إلى توجيه العديد من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نوم مماثلة إلى المختبر لإجراء اختبارات الحمض النووي.
ومنذ ذلك الاكتشاف، تم التعرف على مئات الأفراد الذين يتمتعون بقدرة طبيعية على النوم لفترات قصيرة، كما كشفت الدراسات عن وجود 5 طفرات جينية مختلفة في 4 جينات قد تكون مسؤولة عن هذه الظاهرة الفريدة، مع ملاحظة أن أنماط هذه الطفرات تختلف بين العائلات المختلفة.
وكشفت دراسة جديدة نشرتها مجلة "Proceedings of the National Academy of Sciences" عن طفرة في جين SIK3، المسؤول عن تشفير إنزيم نشط في الفراغ بين الخلايا العصبية، فضلاً عن مناطق أخرى. وسبق للباحثين اليابانيين أن اكتشفوا طفرة أخرى في هذا الجين تسبب نعاساً غير عادي لدى الفئران.
قام الفريق بتعديل الفئران وراثياً لتحمل الطفرة الجديدة، ما أدى لانخفاض حاجتهم للنوم بمعدل 31 دقيقة في المتوسط، كما تبيّن أن الإنزيم المتحور يكون أكثر نشاطاً في نقاط التشابك العصبي في الدماغ، ويشير هذا إلى أن الطفرة قد تقلل النوم عن طريق الحفاظ على توازن الدماغ (الاستتباب)، وهي نظرية تفيد بأن النوم يساعد على "إعادة ضبط" الدماغ، كما توضح الدكتورة إن-هوي فو.
وما زالت الأبحاث جارية لدراسة تأثير الجينات وتغيراتها على مدة النوم وجودته، وتأمل الدكتورة فو أن اكتشاف عدد كاف من الطفرات لدى الأشخاص الذين ينامون لفترات قصيرة بشكل طبيعي سيساعد الباحثين على فهم آليات تنظيم النوم بشكل أفضل.