بعد أيام من ظهوره التلفزيوني الذي أصر فيه على "براءته" واتهم أطرافاً أخرى بـ"التآمر عليه"، أثيرت ضجة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي بعد تداول أنباء تعرض المتهم الرئيس في قضية "سرقة القرن"، نور زهير إلى حادث سير في لبنان.
وعلى إثر الأخبار المتوالية حول "نور زهير"، داخل الأوساط الصحفية والإعلامية، انتقد كثيرون ما وصفوه بـ"إشغال الناس دون تحقيق العدالة بحق المتهم الذي خرج في وقت سابق بكفالة، ومن المفترض أن تتم إعادة محاكمته".
وفي هذا السياق كتب الباحث "حيدر سعيد"، تدوينة على منصة "إكس"، قال فيها إنّ "الفساد لم يعد عمليةَ نهب منظم وممأسس للمال العام للشعب، ينفذها ويديرها سياسيوه وولاة أمره، على حساب حاجاته الأساسية وإفقاره، بل بات قصة، قصة مشوقة، نتابعها كما نتابع فيلماً مهماً".
وأضاف سعيد أنّ "اللطيف أن هذه القصة المشوقة تتضمن ما يبدو أنه نضال من أجل العدالة، فهي قصة مطاردة لاسترداد المال العام، والقبض على الفاسدين، وكشف شبكة الفساد، مستدركاً بالقول: "ولكن الحقيقة أن هذه القصة المشوقة باتت كل حياتنا، باتت تلهينا عن مشاغلنا الكبيرة والكثيرة، عن هموم حياتنا اليومية، عن سعينا الفعلي لحياة أفضل".
وهكذا، "لم يعد الفسادُ مجرد نهب للمال العام، بل قصة مشوقة، تفسد حياتَنا، وتفرغها من أي معنى، فلم يعد فيها سوى "صرح فلان"، و"رد علان"، و"سافر فلتان"، و"فلان تعرض لحادث"، و"تبين أن علان يكذب"، إلى آخر ما في هذا السرد من حكايا".
نور زهير المتهم بـ"سرقة القرن" التي تتعلق بسرقة مبلغ 2.5 مليار دولار من أموال الأمانات الضريبية، التابعة لشركات أجنبية، ومودعة في المصارف الحكومية العراقية، كان من المقرر أن يحضر إلى المحكمة الجنائية المركزية في بغداد لمحاكمته في 27 من الشهر الحالي، فيما طالب بأن "تكون محاكمته علنية"، لكن سياسيين يتحدثون عن عدم ظهور زهير مرة ثانية، بسبب الحادث.
"افتعال"؟
أكد الصليب الأحمر اللبناني بانه لم ينقل أي جريح عراقي يحمل اسم "نور زهير" إلى مستشفيات بيروت، فيما قال الأمن اللبناني إنّ زهير "دخل المطار بجواز غير عراقي بتاريخ 21 آب وغادر بتاريخ 23 إلى الإمارات"، وتشير المعلومات المتوفرة إلى افتعال زهير لحادث السير في منطقة الحدث.
هذا وتتركز الشكوك حول اختيار زهير لمنطقة الحادثة تحديداً، خاصة وأنها قريبة جداً من منطقة حارة حريك المعروفة بأنها "معقل لحزب الله اللبناني".
وقد وصفت النائبة سروة عبد الواحد، رئيس كتلة الجيل الجديد، بأن ما حدث "مسرحية"، مؤكدة أنّ "الطبيب الذي زوّر التقرير الطبي للمتهم الرئيسي في قضية سرقة القرن، نور زهير، في مستشفى سان تريس ببيروت، قد أحيل إلى التحقيق".
وقالت عبد الواحد في تدوينة لها على موقع "إكس" إنه "تواصلنا مع جهاز أمني في بيروت كشف عن عدم تعرض نور زهير لأي إصابة، وأن الصور التي نشرت عن إصابته مفبركة وتم التقاطها خارج المستشفى".
"لقاء أنيق - حادثة أنيقة"
في غمرة الجدل الحاصل، أثار ظهور زهير في اللقاء المتلفز الجدل حول حجم الأموال التي يمتلكها زهير داخل أوساط صحفية وإعلامية، حيث انصبّ اهتمام العديد على تفاصيل إطلالته، مثل "ماركة ساعته وملابسه"، كما أثار حادث السير الذي قيل إنه تعرض له مؤخراً، اهتماماً واسعاً، إذ تساءل كثيرون عن "نوع سيارته وسعر الحزام الذي كان يرتديه أثناء الحادث"، كما أشارت مصادر إلى أن "زهير ذهب بعد الحادث المفتعل إلى مستشفى السانت تريز وطلب من إدارة المستشفى وضع دهن وصبغ، على وجهه"، وقد وُصف ما حدث بأنه "سيناريو جميل من ممثل فاشل".
شريكان هاربان
تشير مصادر إلى أنّ نور زهير التقى في بيروت بالمتهم أحمد شايع، لافتة إلى أنّ المتهمين سافرا سوية"، لكن قبل هذه المدة التي أعلن فيها الحادث، ومن الجدير بالذكر أنّ شايع استغل وضعه الصحي حين كان سجيناً ليهرب من سجن البصرة.
كان شايع قد نشر في وقت سابق على خاصية "الستوري" منشوراً وصف به نور زهير بـ"الشجاع بعد عرض لقاءه المتلفز قبل عدة أيام".
"نقطة الإحراج الكبرى"
لا يعتقد كثيرون أن زهير سيحضر محاكمته، على الرغم من تأكيده أنه سيحضر، خاصة بعد أنباء الحادثة، ويقول المحلل السياسي عقيل عباس في تصريح لـ"الجبال"، إنّ "زهير نقطة إحراج كبرى للطبقة السياسية، معللاً ذلك لأنها "المرة الأولى التي يصل الموضوع فيها للإعلام".
ويوضح عباس أنّ "الصراعات التي حدثت بعهد رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي أظهرت الموضوع للإعلام، خاصة وأن الطبقة السياسية كانت مفككة في وقتها وغير متعافية منذ احتجاجات تشرين، وبإطار هذه الصراعات فلتت قضية نور زهير وتورطوا بها".
وقال عباس إنّ "الطبقة السياسية تعمل جاهدة على تشتيت انتباه الرأي العام عن القضايا المصيرية من خلال خلق مثل هذه الأزمات، مشككاً "في جدية إجراء محاكمة عادلة لنور زهير"، مؤكداً بأنها "لن تنتج لنا لحظة حقيقية وعقاب لكل المتورطين".
ويفسّر النائب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ماجد شنكالي، ظهور "نور زهير"، فضلًا عن "تريندات أخرى" للتغيطة على الفشل في السيطرة على السلاح المنفلت ومكافحة الفساد.
شنكالي قال إنّ "موضوع التجسس على السياسيين والنواب، وظهور بطل سرقة القرن المكفل قضائياً على قناة الشرقية، وجداول الموازنة المرسلة من البرلمان، وغيرها من المواضيع المطروحة الآن الهدف منها كما حدث سابقًا هي للتغطية الفشل الاقتصادي والمالي"، فضلاً عن "الفشل في محاربة الفساد والفشل في السيطرة على السلاح المنفلت وقوى اللادولة".