حتى مع بدء العد التنازلي لانعقاد القمة العربية في بغداد، لا تهدأ الأصوات الرافضة لمجيء الرئيس السوري أحمد الشرع إلى العراق، فهي تتعكز على ما تسميه "السجل الجنائي السيء" للشرع في البلاد، تقابلها أصوات مشككة بهذا الرفض وتنسبه إلى أنه جزء من "حملة سياسية" بين الأطراف الحاكمة.
وتسببت دعوة الشرع إلى العراق من قبل رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، بانقسام حتى داخل الطبقة السياسية نفسها، لاسيما الكتل الشيعية، التي برر قسم منها الدعوة، وقسم آخر رفضها وأكد أن القمة "لا تقف على الشرع".
ليست كلها أصوات وطنية
رغم أن بغداد شارفت على إنهاء كافة تحضيراتها، سواء اللوجستية أو الفنية المتعلقة باستضافتها القمة العربية المقرر إقامتها منتصف أيار المقبل، إلا أن قوى سياسية "شيعية" لوّحت بنسف كافة تلك التحضيرات بعد أن رفضت دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى هذه القمة.
وفي 16 نيسان الماضي، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني توجيه دعوة رسمية إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، للمشاركة في القمة العربية التي ستُعقد في بغداد، الشهر المقبل.
وبشأن الأصوات الرافضة تلك، يقول الباحث في الشأن السياسي محمد نعناع، إن "تلك الأصوات ليست جميعها أصوات وطنية".
وأضاف نعناع لـ"الجبال"، أن "بناء مسار من العلاقات الطيبة مع الشقيقة سوريا مطلب جميع العراقيين لاسيما لمن لديهم دوافع وطنية ويتحلون بالحس الدبلوماسي، ولكن توجد دوافع وأصوات وطنية لرفض الزيارة وهي تتلخص بكون هذه الزيارة سابقة لأوانها ومستعجلة، فيما هناك أطراف معينة تصر عليها لأسباب انتخابية".
ويكمل: "يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار أن الشرع كان حتى وقت قريب موغلاً بدماء العراقيين" وفق قوله.
ولم ينكر الباحث في الشأن السياسي أهمية السياسات والدبلوماسيات والعلاقات الثنائية في بناء الدول، لكنه يرى من غير الصحيح "إعدام" الأخلاقيات الإنسانية والشرعية وحقوق الإنسان.
ويتفق نعناع، أن "هناك أطرافاً ترفض الزيارة بغضاً بالسوداني، وأن دوافعها انتخابية"، إذ يقول: "إذا ما تحدثنا عن الأصوات غير الوطنية، أي الأصوات التي تكيل بمكيالين والتي لديها ازدواجية ومشاكل مع شخص رئيس الوزراء فهذا أمر آخر، لكن يوجد نمط رافض لأسباب موضوعية وقد تكون وقتية ومن ثم ممكن أن يبنى مسار غير المسار المستعجل الذي يبنى الآن ودوافعه انتخابية".
ويختم حديثه بإن "الطرف المرحب بزيارة الشرع لديه دواعي انتخابية، والطرف الرافض بقوة ويشنع على السوداني أيضاً لديه دوافع انتخابية ويستقطب جماعات وفئات وشرائح اجتماعية معينة، ولكن المسار الذي أعتقد به أنا، هو أن الزيارة مستعجلة ويجب أن يكون هناك تأني في بناء مسار حقيقي طبيعي مع الجارة والشقيقة سوريا".
انقسام داخل الطبقة السياسية الشيعية
وتسببت دعوة الشرع إلى القمة العربية في بغداد، بانقسام حتى داخل الطبقة السياسية نفسها، إذ ترى بعض الكتل الشيعية أن دعوة الشرع إلى القمة هي دعوة مفروضة على العراق من الجامعة العربية، وأن دور العراق فقط هو توجيهها واستقباله إن حضر، وهذا لا ضير فيه، بينما تصرّ بعض الكتل الأخرى على أن الدعوة مرفوضة وأن الحكومة تتحمل وزرها بالكامل.
وأبرز المؤيدين داخل الإطار التنسيقي لدعوة الشرع هو رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، وائتلاف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وأبرز المعارضين هو زعيم ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إضافة إلى زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي.
وكان مجلس وزراء الخارجية العرب قد أقرّ في اجتماع طارئ عُقد بالقاهرة، في أيار 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة العربية، مُنهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها، صدر في تشرين الثاني 2011.
وبشأن الانقسام الحاصل، لم يتردد المعارضون بلوم السوداني، إذ قال النائب ياسر الحسيني، إن إصرار الحكومة على هذه الدعوة يمثل استخفافاً بقيمة الشهداء، لاسيما وأنها (أي الحكومة) تعد من أكثر الحكومات هدراً للسيادة.
ويضيف الحسيني لـ"الجبال" أن "هذه القمة لن تعود بالنفع على العراق وأنها ستتسبب بهدر كبير للأموال" في إشارة إلى رفضه لها بسبب دعوة الشرع إليها.
بالمقابل، يختلف المحلل السياسي على البيدر مع الحسيني ويؤكد لـ"الجبال" إن "الشرع اليوم أصبح واقع حال وعلى العراق أن يتعامل معه وفق هذا المفهوم".
ويضيف البيدر أن "الأطراف الرافضة لزيارة الشرع إلى العراق لا تمتلك المبررات لمنعه، لاسيما وأن السوداني صرّح بأنه مرحب به في بغداد، ولهذا فعلى الجميع أن ينصاع لخيار الدولة التي ترى بأن المصلحة العليا للبلاد خط أحمر، وتلك الرغبات السياسية قد تقود إلى تقويض حالة الاستقرار التي تعيشها البلاد حالياً".
رفض مدروس أم استهداف للسوداني؟
المراقب السياسي جبار المشهداني يقول إن "القوى الشيعية المتصارعة داخل الإطار التنسيقي تغتنم أية فرصة لمنع إمكانية ظفر السوداني بولاية ثانية، حيث تريد مختلف الأطراف ضمن الإطار أن يكون منصب رئيس الوزراء من حصتها بعد الانتخابات المنتظرة، ولأجل ذلك، تستثمر أية خطوة سياسية لصالحها، سواء كانت داخلية مثل قضايا الاستثمار والإعمار والخدمات، أم خارجية استراتيجية كعلاقة العراق بجار قلق ومؤثر على المشهد الأمني والسياسي الداخلي، مثل سوريا".
ويضيف: "في البداية استغلت هذه القوى المناوئة للسوداني زيارته غير المعلنة لدولة قطر، ولقاءه بالرئيس السوري أحمد الشر، مصنفين إياها كـ(سلوك لا يليق بالعراق)، فهذه الجهات التي قبلت وأشادت بالزيارة التي قام بها رئيس المخابرات العراقية حميد الشطري إلى سوريا، بعد أيام من سقوط النظام السابق، كدفاع عن المصالح الاستراتيجية العراقية، عادت ووجهت سهامها للسوداني، متهمة إياه بالخضوع للفروض والضغوط التركية".
ويكمل المشهداني، "قبالة ذلك، فإن موقف القوى الكوردية العراقية إيجابي للغاية، إذ ظهر جلياً أن القادة السياسيين الكورد كانوا أوائل العراقيين الذين رحبوا بالتغيير في سوريا، والتقوا واجتمعوا مع الرئيس السوري الجديد ووزير خارجيته، ودخلوا ضمن عملية تنسيق سياسي تقودها تركيا، تناغم بينهم وبين القيادة السورية الجديدة، وتوصل لاتفاقات مرضية لهما".
يتفق البيدر ولو ضمناً مع حديث المشهداني، ويقول في تصريح لـ"الجبال"، إن "المواقف الأخيرة أعلنت عن أن وجود الشرع في بغداد من عدمه هو خيار دولة، وليس رغبة سياسية أو ربما محاولة ضغط أو ابتزاز على الحكومة للحصول على امتيازات من قبل بعض الأطراف السياسية وحتى الجماعات المسلحة، أو رغبة أخرى في أن تكون تلك الأطراف في الجو العام السياسي في البلاد".
ويضيف أيضاً: "أتصور أن الموضوع بعيد عن الولاية الثانية للسوداني، فهذه القضية لديها ارتباطات وقد تكون نقطة تتعكز عليها تلك الأطراف لجعل السوداني يحترق اجتماعياً، لكن برأيي عدم حضور الشرع سيؤدي إلى غياب بعض الأطراف الداعمة للقيادة السورية الجديدة على مستوى زعامات ، بالتالي نحن بحاجة إلى حضور نوعي وكمي لإنجاح هذه القمة".
الدعوة لحضور الرئيس السوري أحمد الشرع إلى القمة العربية في بغداد كشفت عن انقسام سياسي داخل العراق، خاصة بين القوى الشيعية، بين مؤيد يرى في الدعوة خطوة نحو تعزيز العلاقات الإقليمية، ومعارض يعتبرها استفزازاً نظراً لتاريخ الشرع وعلاقاته السابقة، لكنه رأي لا يخلوا من الدوافع السياسية والانتخابية وفق العديد من المراقبين.