سحب التحقيقات من الشرطة ومنع "التعذيب".. قصّة المهندس "بشير" تدفع البرلمان لتعديل قانوني

9 قراءة دقيقة
سحب التحقيقات من الشرطة ومنع "التعذيب".. قصّة المهندس "بشير" تدفع البرلمان لتعديل قانوني

وسط تصاعد حوادث الاعتداءات التي توصف بـ"غير الإنسانية" داخل مراكز الشرطة في العراق، يعود قانون أصول المحاكمات الجزائية إلى واجهة النقاشات البرلمانية مجدداً، في وقت تتزايد فيه المطالبات بإجراء تعديلات جوهرية تعيد رسم صلاحيات التحقيق بما ينسجم مع مبادئ الدستور والعدالة.

 

وفي خطوة تهدف إلى تعزيز العدالة والحدّ من الانتهاكات، تقدّم عدد من أعضاء مجلس النواب بمقترح لتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، بما يسمح بحصر سلطة التحقيق الابتدائي بيد القضاء فقط، بدلاً من الجهات الأمنية.

 

ويأتي هذا المقترح على خلفية تكرار حوادث التعذيب والوفاة أثناء التوقيف كما حدث مع المهندس "بشير خالد لطيف" قبل أيام، والتي لم تُرافقها في كثير من الأحيان إجراءات محاسبة واضحة، الأمر الذي أثار قلقاً واسعاً في الأوساط القانونية والحقوقية.

 

وأثارت وفاة المهندس "بشير"، صدمة كبيرة في الشارع العراقي، بعدما فارق الحياة في 7 نيسان الجاري، داخل أحد مراكز الشرطة في بغداد، وسط اتهامات من قبل نواب بتعرضه لتعذيب مبرّح أثناء احتجازه.

 

ويتضمن المقترح تعديل المواد المتعلقة بصلاحيات الضباط في مرحلة التحقيق، عبر إلغاء دورهم المباشر في استجواب المتهمين، ونقل هذه المهام إلى محققين قضائيين يتبعون بشكل مباشر إلى مجلس القضاء الأعلى.

 

النواب الموقعون على المقترح أكدوا أن الهدف من هذا التعديل هو إرساء مبدأ المحاكمة العادلة، وضمان عدم استغلال مرحلة التحقيق الأولي للإضرار بالمتهمين، مشيرين إلى أن حادثة وفاة المهندس "بشير" داخل أحد مراكز التوقيف تمثّل جرس إنذار يتطلب تحركاً تشريعياً عاجلاً.

 

في المقابل، يرى مراقبون أن هذا التعديل إذا ما أُقرّ قد يشكّل خطوة مهمة نحو إصلاح المنظومة العدلية، وضمان خضوع جميع مراحل التحقيق للرقابة القضائية الكاملة.

 

"سحب التحقيق من الشرطة ضرورة دستورية"

في هذا الصدد، يقول الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديثه لمنصّة "الجبال"، إن "التحقيق الذي تقوم به الشرطة حالياً يستند إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، وتحديداً من المواد 49 إلى 52، والتي تشكّل باباً كاملاً يُنظم عمل الشرطة في التحقيقات"، مضيفاً أن "هذا النظام لم يعد يتماشى مع طبيعة النظام السياسي والدستوري الجديد في العراق بعد عام 2005".

 

كما يوضح التميمي، أن "التحقيق الذي تجريه الشرطة ربما كان مقبولاً قبل عام 2003، نظراً لطبيعة النظام السياسي آنذاك، لكن بعد إقرار الدستور الجديد في 2005، والذي نصّت مادته 47 على مبدأ الفصل بين السلطات، لم يعد من المقبول أن تباشر جهة تنفيذية كالشرطة، وهي ليست جزءاً من السلطة القضائية، بأعمال تحقيق ذات طابع قضائي".

 

ووفقاً للتميمي، فإن "العراق سبق وأن جرّب سحب صلاحية التحقيق من الشرطة عام 1990، لكن التجربة فشلت بسبب مقاومة مؤسسية ومجتمعية لها، ولا يجوز تكرار الخطأ نفسه اليوم"، مؤكداً "ضرورة معالجة هذه الإشكالية بشكل جذري".

 

ويتابع التميمي، قائلاً إن "التعديل المطلوب على قانون أصول المحاكمات يجب أن يبدأ بإلغاء المادة 50، والتي تُعد استثناءً من القاعدة العامة، إذ تتيح لمراكز الشرطة إجراء التحقيق، في حين أن الأصل هو أن يتم التحقيق من قبل قضاة التحقيق أو محققين قضائيين"، مشيراً إلى "أهمية تفعيل المادة 51 التي تنصّ على أن المحقق القضائي يُعين بأمر من رئيس مجلس القضاء الأعلى، ويجب أن يكون حاصلاً على شهادة في القانون أو دبلوم في العلوم القانونية أو الإدارية".

 

أحد الأخطاء الكبرى التي حصلت عام 1990، والكلام للتميمي، هو "إنشاء دوائر المحققين القضائيين داخل مراكز الشرطة، وهو أمر يفرغ الاستقلالية من محتواها، لأن الضابط يبقى صاحب السلطة العليا داخل المركز، ولا يمكن للمحقق القضائي أن يفرض توجيهاته داخل هيكل تنفيذي"، مؤكداً "ضرورة إنشاء دوائر محققين قضائيين مستقلة، تكون منفصلة تماماً عن مراكز الشرطة، مع تزويدها بكادر إداري وأمني مستقل، ومركبات خاصة تُمكّن المحقق من تنفيذ أوامر القبض والانتقال، ما يضمن استقلال التحقيق وحياديته".

 

"لا معطيات نيابية فعلية لتحريك تعديل القانون"

وفي خضم الأزمة التي حدثت مع المهندس "بشير"، أصدرت الحكومة العراقية توجيهات رسمية للأجهزة الأمنية تتضمن إلزام مراكز الشرطة وكافة دوائر التحقيق بتوثيق الإجراءات المتخذة بحق المتهمين عبر كاميرات فيديو مرتبطة بمديري التشكيلات والجهات الرقابية المختصة.

 

بدورها، أعلنت وزارة العدل العراقية عن بدء تركيب كاميرات مراقبة في جميع القاعات السجنية على مستوى البلاد، وذلك في إطار تعزيز الأمن وضمان حقوق السجناء، ولضمان عدم حدوث أية تجاوزات داخل المنشآت العقابية.

 

في غضون ذلك، يقول عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي، مرتضى علي الساعدي، إن "القوانين بصورة عامة تمر بحالة توقف في مجلس النواب نتيجة الأوضاع السياسية الراهنة وحالة الركود العام التي تشهدها الساحة السياسية".

ويضيف الساعدي، خلال حديثه لمنصّة "الجبال"، أن "هناك بالتأكيد جهوداً سابقة خلال هذه الدورة البرلمانية لمعالجة بعض الحالات التي لا يجب أن تتكرر، كما حصل مع حادثة وفاة المهندس بشير"، مبيناً أن "تلك الجهود كانت تهدف إلى منع تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً".

 

ويتحدث الساعدي، قائلاً إن "الوضع الحالي لا يوفر معطيات فعلية أو حراكاً جاداً داخل البرلمان لتعديل قانون التحقيقات أو غيره من القوانين المرتبطة بسبب الجمود السياسي وتعطل الكثير من الملفات التشريعية المهمة"، مشيراً إلى أن "المعالجة تتطلب استقراراً سياسياً ونشاطاً برلمانياً فعّالاً، وهو ما يفتقر إليه المشهد السياسي العراقي في الوقت الراهن".

 

وفي العام 2015، صوّت مجلس النواب العراقي، من حيث المبدأ على مشروع قانون تعديل قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971.

 

وبعد مرور عامين على قرار البرلمان، أكدت المحكمة الاتحادية العليا أن المادة (249) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 لا تتقاطع مع مبادئ حقوق الإنسان والحريات الواردة في الدستور، لافتة إلى أن القرارات الاعدادية الصادرة من قاضي التحقيق بموجبها ليست محصّنة من الطعن.

 

تعديلات ضرورية "لضمان العدالة ومنع التعذيب"

إلى ذلك، يقول علاء شون وهو متخصص في الشؤون القانونية، إن "التعديلات المقترحة على قانون التحقيقات الجنائية جاءت نتيجة الحادثة الأخيرة التي تعرض لها المهندس بشير والتي أثبتت التحقيقات وقوع أكثر من اعتداء عليه، بعض هذه الاعتداءات حدثت داخل أماكن التوقيف أو السجن أو الإصلاحية، من قبل موقوفين آخرين".

 

وفي حديث لمنصّة "الجبال"، يرى شون، أن "التقصير في اتخاذ الإجراءات الوقائية العاجلة ساهم في وقوع هذه الاعتداءات"، مشيراً إلى أن "التعديل المقترح يهدف إلى نقل سلطة التحقيق من مراكز الشرطة إلى محققين قضائيين تابعين للمحاكم، يتمتعون بالكفاءة العلمية والخبرة المهنية اللازمة لإجراء التحقيقات بعيدًا عن العنف أو التعذيب".

 

ويضيف الخبير العراقي، أن "العديد من الحالات السابقة أظهرت وجود ممارسات تعذيب بحق الموقوفين والمتهمين، وعند إثبات هذه الممارسات من خلال لجان طبية متخصصة، يجب اعتبار الإفادات المنتزعة تحت الإكراه باطلة، مع إعادة التحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يثبت تورطه بالتعذيب"، مبيناً أن "التحقيق القضائي ضمن أروقة المحاكم يضمن إجراءات أكثر عدالة وانسيابية، ويوفر حماية أكبر للمتهمين من الانتهاكات".

 

ويشير شون، إلى "أهمية وجود محققين ذوي كفاءة وخبرة عالية في مجال التحقيق القضائي"، مستطرداً بالقول إن "من بين التعديلات المطروحة وضع كاميرات مراقبة في غرف التحقيق لتوثيق كامل لعملية الاستجواب، بهدف ضمان شفافية التحقيق وسلامته، ومنع أي تجاوزات أو إجراءات مخالفة للقانون سواء من قبل المحققين أو بحق المتهمين".

 

ويتابع الخبير القانوني، حديثه قائلاً إن "التعديلات جاءت بناءً على توجيهات حكومية لتطوير منظومة التحقيقات، وأن البرلمان يأخذ بعين الاعتبار هذه التوجيهات ضمن مسار تعديل القانون، بما يضمن بيئة تحقيق أكثر حيادية وعدالة، ويحقق المعايير القانونية والحقوقية اللازمة".

 

ويختم شون كلامه بالتأكيد على أن "سلامة إجراءات التحقيق وتوفير ضمانات قانونية للموقوفين والمتهمين من شأنها أن تعزز العدالة الجنائية وتحفظ كرامة الإنسان".

 

وأجاز قانون أصول المحاكمات الجزائية لقوى الأمن الداخلي لسنة 2008 إلقاء القبض على الضابط الأعلى رتبة في حال ارتكابه (جناية) مشهودة، (المادة 112 من قانون الجرائم العراقي).

 

كما نصّ: "لا يجوز إلقاء القبض على الضابط الأعلى رتبة إذا كانت الجريمة من نوع (جنحة) الّا عن طريق مرجعه الأعلى وفقاً للمادة 14 ق.أ.ج.ق، ما يعني أن ضباط ومنتسبي قوى الامن الداخلي لهم قانون اصول محاكمات جزائية خاص بهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه في حال خلو القانون الأخير من نص فإنه يرجع إلى قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 وإلى قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 باعتبارهم قوانين عامة".

 

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في السبت 26 أبريل 2025 08:45 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.